الألم لا يرحل، فهو باقٍ ما بقت الحياة، وإنما نحن من نترك أرضه.

بناءأ على ما شهدته، وما قرأته وتعلمته، أيقنت أن الظروف الجيدة والشعور بالأمان لم يكونا يوماً ما يدفعنا للمضي قدماً. فإذا تتبعنا مسيرة العظماء على هذه الأرض أو أصحاب الإختراعات سنجدهم يشتركون في أمر واحد : ( المعاناة ). إما أن المعاناة كانت السبب الذي دفعهم للهروب من وضعهم الحالي بغية الوصول إلى مكان أفضل، وإما أنهم تلاقوا بها في منتصف الطريق فما زادتهم إلا إصراراً وعزيمة لإكمال المسير. وهنا تكمن أهمية المعاناة والألم أو الشعور بعدم الراحة أو الشعور السيء بشكل عام، فإذا كانت الأمور تسير دائماً على خير ما يرام، لماذا سنبحث عن طرق أخرى لجعلها تسير بشكل أفضل ؟!


الوحدة هي الدافع للتأمل في أنفسنا وما حولنا ، ومن ثمة يأتي الإلهام عبر هذا التأمل ليفتح أمامنا آفاقاً جديدة لم نكن قد أبصرناها من قبل.


يُحكى أنه في أحد الأزمان كان هناك من هو غريب بين أهله ، وحيداً في غاره ، متأملاً في ملكوت خالقه ، وأنتهى به الأمر لأن يكون نبي الإسلام وخاتم المرسلين. ونحن نعرف مقدار الألم والمعاناة التي شهدها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام من أجل وصوله لما بُعث من أجله . ولا ننسى أن هناك أيضاً من كان وحيداً في بئره ، لا يحيطه سوى الظلام وخيبة الأمل ، وبعد خروجه من ظلمة البئر وجد نفسه في ظلمة السجن ، ظلماً وبهتاناً ، وانتهى به المطاف لأن يصبح عزيز مصر ويسجد أمامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ، وعندما نعلم أن كل ما مر به نبينا يوسف عليه السلام كان ما أجل أن يحمل رسالة النبوة ، عندها فقط ندرك أن كل ما مر به لم يكن سوى مراحل لتجهيزه لهذا الغرض.

وعندها تبدأ عقولنا بإطلاق العنان لأسئلتها : أما كان الله بعزته وجبروته قادراً على أن يحق كلمته وينشر كتابه في كل بقاع الأرض دون مشقة ودون كل تلك المراحل ؟ أما كان عز وجل قادراً على أن يجنّب عباده الأذى الذي لحقهم من الأمم الأخرى ؟ بالطبع كان عز وجل قادراً على ذلك وأكثر ولكن الحكمة من كل هذه المراحل التي مر بها الأنبياء وما خلفهم من الصحابة من تحمل الأذى والمشقة والجهاد هي أن لا شيء يأتي باليسر. ولا توجد أمة عظيمة لم تتحمل المشقة ، ولندرك أن الخير لا ينتشر إلا إذا وجد الشر ، وأن المعاناة هي المخرج الوحيد من الظلمات إلى النور. وذلك لأن السعادة الدائمة والحياة الوردية قد تصيبنا بالعمى فلا نرى النعيم حولنا وإن كان يحفنا من كل جانب.

وإذا أردنا أن نخفض بصرنا قليلاً لنرى ما فعلته المعاناة بالبشر وإن لم يكونوا أنبياء. فها هو "توماس أديسون" ، أدرك أن العالم يحتاج مزيداً من النور ولا يصح أن يبقى جمال الكون قابعاً في الظلام فاخترع المصباح . وها هو المزيج من التنمر والعنصرية والاغتصاب ما جعل "أوبرا وينفري" أحد أهم السيدات في عصرها ومنحها القوة للمضي قدماً وإلهام من حولها والأخذ بأيديهم. ولولا العنصرية ضد السود التي تعرض لها "مارتن لوثر كنج" لربما كان في الولايات المتحدة شارع للبيض وآخر للسود ،وغيرها من الشخصيات التي كانت المعاناة هي الهدية التي حصلت عليها .


مَا أَصَابَكَ لَمْ يُخْطِئَكَ...


كمسلمين ومؤمنين بالقدر خيره وشره ، فنحن ندرك تماماً أن الصبر على المصائب من أعظم الأمور، ولكن إذا ما أدركنا الحكمة من تلك المصائب لوجدنا أننا تحولنا للإمتنان للمصائب وليس الصبر عليها فحسب ، ولو أمعنا النظر في هذا الحديث : " .... واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ ، واعلَم أنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ ، وأنَّ معَ العُسرِ يُسرًا". لوجدنا أن كلمة مع استخدمت بدلاً من أي شيء آخر وهذا للإشارة إلى أن الفرج واليسر مصاحبان للكرب والعسر ، فلا يتعاقبان وإنما يتزامنان.

وفي مثال آخر : في كتابه ( هاتف من الأندلس ) يروي علي الجارم على لسان ابن زيدون معدداً محاسن أن يسجن المرء ، فيقول : " إن النقم يا مخلف لا تخلو في أطوائها من نعم. فليس في تصاريف الأيام شرّ محض ولا خير خالص. أليس من محاسن السجن أن نأمن الوشاية، وننام ملء العيون، لا نخاف حديث نمام ولا وقيعة كاشح؟ أليس من محاسن السجن أن نبتعد عن الناس وما يرتكسون فيه من شرور وآثام؟ أليس من محاسن السجن أن ينصرف المرء إلى ربه كما ينقطع الزهاد لعبادته في قمم الجبال؟ "


لذلك ستبقى الحياة تعصف بك وترميك بأحداث ومواقف مؤلمة وموجعة حتى تصل إلى قدرٍ معين من القوة ، وستستمر بطرحك أرضاً إلى أن تصبح لديك أقداماً ثابتة على الأرض . ستأتي إلى أكبر مخاوفك وتضعها أمامك لتواجهها حتى تفنى آخر ذرة خوف من جسدك. لأن الخوف يبقى مرافقاً لكل ما نجهله ، فإن وقع المجهول لن يبقى لدينا ما نخشاه. لذلك فلتكن على يقين تام أن ما أصابك لم يخطئك بل اصابك أنت تحديداً ولتصبح ما أنت عليه.

وبعد كل ذلك ،إن كنت لا تزال منتظراً أمام محطة انتظار الظروف الجيدة لتستطيع المضي قدماً وتحقيق ما ترغب في تحقيقه أو أنك تأمل أنه في يوم ما سيتم اختراع محطة لتحلية الأيام وتنقيتها كما يحدث مع الماء فكن على يقين من أنك ستطيل الإنتظار في موقعك هذا وربما ستنتظر هناك للأبد.الإلهام يظهر في طريق الهروب من الألم من أجل الوصول للسعادة. فما بالنا ننتظر السعادة لنبدأ المسير ونستغرب من عدم زوال الألم ؟!


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

❤️❤️❤️❤️

إقرأ المزيد من تدوينات سلمى عديلي

تدوينات ذات صلة