أدى التفاوض الاستعماري والصراع حول منطقة البلقان إلى قيام أزمات دولية انتهت باندلاع الحرب العالمية الأولى.

خلال القرن 19م ، دخلت مجموعة من الدول الأوربية في تنافس حاد فيما بينهما حول بعض المستعمرات و الأسواق من أجل تصريف فائض الإنتاج خارج أوربا الذي كان نتيجة التحولات الرأسمالية ، وهذه المستعمرات امتد حولها هذا التنافس الإمبريالي الذي توج باندلاع الحرب العالمية الأولى .

فما هي مظاهر التنافس الإمبريالي؟ وما هي آلياته ووسائله؟ وما الأزمات السياسية الناتجة عن هذا التنافس والتي عجلت في اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914م ؟

مظاهر التنافس الإمبريالي:

تعددت مظاهر التنافس الإمبريالي :

  • التنافس الاقتصادي: حيث ظهرت الحاجة إلى تصريف فائض الإنتاج ، وتصدير الأرباح في شكل استثمارات، التحكم في التجارة العالمية من خلال التحكم في المعابر العالمية ، مع بروز قوى اقتصادية جديدة

(الولايات المتحد الأمريكية واليابان)

  • التنافس السياسي: ارتبط بالنزاعات الأوربية حول المستعمرات والسيطرة على المناطق الاستراتيجية كالمضايق والقنوات "جبل طارق" و "قناة السويس"، زيادة على تنامي الشعور القومي لدى الأقليات في دول البلقان وتكوين أحلاف سياسية التحالف الثلاثي والوفاق الثلاثي
  • التنافس العسكري: السباق نحو التسلح، إصدار قوانين إجبارية الخدمة العسكرية ، رفع عدد قوات الجيش، بالإضافة إلى تصنيع الأسلحة الجوية والبحرية والبرية .

وسائل وآليات التنافس الإمبريالية:

استندت الدول الإمبريالية على عدة وسائل وآليات:

تكوين أحلاف سياسية وعسكرية:

  1. التحالف الثنائي النمساوي-الألماني سنة 1879: هو تحالف سري استهدف ضمان أمان ألمانيا من أي هجوم فرنسي محتمل.
  2. التحالف الثلاثي الألماني-النمساوي-الإيطالي سنة 1882: حلف دفاعي ضد أي هجوم خارجي.
  3. التقارب الفرنسي-الروسي سنة 1892: توخى الدفاع عن حدود الدولتين ضد أي هجوم محتمل من طرف دول التحالف الثلاثي.

التحالفات قبيل 1914م: التحالف الثلاثي ضم إيطاليا-النمسا المجر وألمانيا.

الوفاق الثلاثي: ضم فرنسا-روسيا وإنجلترا.

عقد اتفاقيات وتسويات استعمارية: التقارب الفرنسي الإيطالي مقايضة المغرب بليبيا 1901م.

الاتفاق الودي الفرنسي والإنجليزي 1904م: تنازلت فرنسا عن مصر لإنجلترا مقابل تنازل إنجلترا عن المغرب لفرنسا.

الاتفاق الفرنسي الألماني 1911م: تناول فرنسا عن جزء من الكونغو لألمانيا مقابل تنازل ألمانيا عن المغرب لفرنسا.

المؤتمرات العسكرية: مؤتمر برلين الأول 1878م الذي قرر فيه اقتطاع أجزاء من الإمبراطورية العثمانية لصالح فرنسا وروسيا.

مؤتمر برلين الثاني 1884-1885م إنجلترا، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا وإسبانيا قرر توزيع الأراضي الأفريقية بينهم.

مؤتمر مدريد 1880م: حضرته معظم الدول الأوربية بالإضافة إلى المغرب، انعقد من أجل النظر في مشكل الحماية الفردية، لكنه ساهم في تعزيزها مع إعطاء حق الملكية للأجانب.

مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م: كانت فيه 21 دولة أوربية والبلد المعني المغرب، وكذلك الولايات المتحد الأمريكية، كان يهدف إلى تسوية الخلاف بين الدول الأوربية والمغرب وكيفية التعامل معه، ومن مقرراته: حرية الصحافة بالمغرب، وإنشاء بنك مخزني، وتكليف فرنسا وإسبانيا بتشكيل شرطة بالموانئ المغربية.

عجلت الأزمات السياسية الناتجة عن التنافس الإمبريالي باندلاع الحرب العالمية الأولى:

تخللت التنافس الإمبريالي أزمات مغربية وبلقانية:

  • الأزمة المغربية الأولى 1905م: سببها الاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي 1904م وإقصاء ألمانيا، قام إمبراطور ألمانيا "كيوم الثاني" بزيارة للمغرب سنة 1905م كرد فعل لألمانيا، حيث أكد الامبراطور في هذه الزيارة معارضة ألمانيا للمشروع الفرنسي بالمغرب، فانعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي منح لفرنسا امتيازات بالمغرب.
  • الأزمة المغربية الثانية 1911م: إرسال الحكومة الألمانية سفينة حربية إلى أكادير احتجاجا على التدخل الفرنسي بفاس، فحدثت أزمة بين البلدين انتهت بمنح فرنسا لألمانيا جزءً من الكونغو مقابل تنازلها عن المغرب.
  • الأزمة البلقانية الأولى 1908م: أقبلت النمسا على ضم إقليم البوسنة والهرسك، فأثار ذلك غضب صربيا التي كانت ترغب في إنشاء الوحدة اليوغوسلافية بضمها له باعتبارها أقوى دول البلقان. مما خلف عداء بين صربيا والنمسا.
  • الأزمة البلقانية الثانية 193م: ارتبطت بالنزعة القومية لدول البلقان ضد تركيا بدعم من روسيا، كما ظهرت خلافات بين صربيا وبلغاريا حول غنائم حرب البلقان، وخلال هذه الأزمة تشكلت العصبة البلقانية، وحلف دفاعي بين صربيا واليونان ضد بلغاريا. وفي سنة 1914م اغتيل ولي عهد النمسا خلال زيارته لمدينة سرايفو عاصمة البوسنة أعلنت النمسا الحرب على صربيا.

شكل اغتيال ولي عهد النمسا السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الأولى(1914-1918م):

أقدم طالب صربي على اغتيال ولي عهد النمسا "فرانسوا فرديناند" يوم 28 يونيو 1914م خلال زيارة هذا الأخير لمدينة سرايفو عاصمة البوسنة، وقد طالبت النمسا من صربيا بعد الاغتيال بفتح تحقيق قضائي حول الحادث، لكن صربيا رفضت تحقيق مطالب النمسا، فأعلنت هذه الأخيرة الحرب على صربيا في يوليوز 1914م، فبادرت باقي الدول الأعضاء في الوفاق الثلاثي (روسيا، إنجلترا، فرنسا) إلى إعلان الحرب ضد الدول الأعضاء في التحالف الثلاثي (إيطاليا، ألمانيا، النمسا المجر)، مما خلف اندلاع الحرب العالمية الأولى بتاريخ 28 يوليوز سنة 1914م.

نخلص في الأخير، أن لدى التنافس الامبريالي أهمية كبرى خلال القرنين 19و20م، إذ يعتبر حلقة وصل بين التحولات المعززة للنظام الرأسمالي والأزمات المؤدي لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي عقبتها تغيرات كبرى.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات إحسان بحان

تدوينات ذات صلة