تدوينة عن العمر الذي يمر ليترك لنا شغفنا على الماضي و لهفتنا على المستقبل و ننسى الحاضر
لحظة فى يوم من أيام الأسبوع ، أو يوم من أيام السنين...أنه يوم من أيام العمر التى تمر بسرعة دون جدوى كأنها قطار نودعه قبل وصوله، ذهبت إلى محطة القطارلأودع صديقتى المسافرة لقضاء عطلتها ، ركبت صديقتى القطار وهى تنظر ناحيتى وتلوح لى بيدها ، لا أعلم لماذا جلست على المحطة ألوم نفسى كعادتى وأقول لها كان من الممكن أن تكونى معها الآن تستمتعى بإجازة لطيفة وتحيى فى نفسك ما مات منها ، وتخرجين من رتابة حياتك ، وتهربين من الفراغ والوحدة ومن ألم الحياة معهم ،أنا أعمل ليل نهار وأعيش وسط ملايين ولكن خواء قلبى ووحدة عمرى وفراغ حياتى من الأمل أكبر من كل كبيرة . وبينما أنا أشكو نفسى لقلبى سمعت صوت طفلة صغيرة تغنى وتناغى نفسها بصوت عال فإذا بى أشعر بسعادة غريبة تغتمرنى ، شعرت بنسمة هواء لامست أحشائى ، وبحركة لا إرادية وجدتنى أنظر ناحية الطفلة بلهفة وكأنى أحتضن طفولتى.. عمرى ، وبينما أنا فى قمة فرحى وأنا أنظر إليها وهى تلهو وتقفز فإذا بسحابة من الحزن توارى فرحتى ، وقلت لنفسى ذهبت عنى طفولتى وأجمل أيام حياتى ليتنى أعود طفلة ، ولكن ماذا يفيد التمنى وماذا بعده، مايفيد هو أن أقول للطفلة تمتعى بطفولتك كما تشائين ولا تنتظرى الغد لتكبرى وتسعدى ، اليوم للأسف أسعد أيام حياتك ولكنك لا تدرين . فإذا بأم الطفلة تأتى وتمسك يدها بعنف ، كانت امرأة جميلة فى أواخر الثلاثينات، واضح أن اهتمامى بالطفله لفت نظرها ولكنها كانت تنظر لى نظرة غريبة تبدو وكأنها تحسدنى.. نعم كانت تقول لى عيناها ليتنى ظللت تلك الشابة صاحبة العشرون ربيعاً ، قبل أن يسئ إلى الزواج والإنجاب، وقلت لنفسى مسكينة تلك المرأة لا تعرف حقيقتى . وفجأة جاءت امرأة عجوز يبدو عليها الضجر من حياتها ، وأخذت تنهر الأم وتقول لها ألا تحافظين على سلامة طفلتك كيف تتركيها تجرى بمفردها على محطة القطار...وعلى الفور نظرت المرأة ذات الأربعين عاماً ناحية طفلين كبيرين وقالت انشغلت بفك اشتباك وقع بين أخويها الكبيرين ..ماذا أفعل! ماذا على أن أفعل!؟ فقالت لها المرأة العجوز فى حسرة عندما كنت فى سنك كنت مثلك تماماً أضيق ذرعاً بحياتى أما الآن بعد أن كبر أبنائى وصارت لهم حياتهم المستقلة وتركونى وحدى ، أصبحت أتمنى أن أعود لتلك الأيام التى كنت فيها محور كل شئ. وهنا وجدتنى أضحك فى سخرية عجباً من سخرية القدر ففى لحظة واحدة تمنيت أنا أن أعود إلى طفولتى وتمنت أم الطفلة أن تعود إلى عمرى ، وتمنت العجوز أن تعود إلى عمر الأم. ما هذا هل يعيش الإنسان فتضيع منه فرصة فيجلس يبكى ويندم عليها وفجأة يكتشف ضياع فرصة ثانية منه قضاها فى النحيب والندم ، وهكذا حتى أجدنى قضيت العمر فى الحزن والندم والألم على كل ما مضى ، وانتظار لغد يأتى فيضع حداً لكل ألم ، فلا أحد يعلم معنى أن تعيش حزين فى انتظار غد السعادة،فيمر العمر ولا يأتى الغد إلا من فقد عمره وهو ينتظر الغد. لن أظل أبكى ...لن أضيع عمرى سألحق به وأعيش اليوم مستمتعتاً بحلوه ومره حتى يأتى الغد، سأترك شوقى لعمرى السابق ولهفى على عمرى القادم، ووجدتنى أقوم وأجرى خلف القطار الذى بدأ يطلق صفارة الانطلاق استعداداً للرحيل إنى قررت أن ألحق بالقطار أن أقفز فيه ولو فى أخر عربة. ووجدتنى أركض والقطار يتحرك وأنا أركض بكل قوتى ... ويرتفع صوت دقات قلبى وتتلاحق أنفاسى وأشعر بالإعياء...ولكن لن أتوقف..وفجأة تسقط حقيبتى منى ..كانت بعيدة قليلاً عنى ، نظرت إليها ثم نظرت فى لهفة إلى القطار الذى بدأ يسير ببطء، تم أنظر إليها مرة أخرى ..ثم أتركها وأجرى...أركض خلف القطار..وأنا أقول لنفسى هذه هى حياتى..أنفاساً متلاحقة وقلباً يخفق بشدة وألم وإرهاق ، واختيارات عصيبة وقرارات سريعة ، فها أنا ذا أخير بين حقيبتى وقطارى، فحقيبتى بها هويتى ونقودى ،وقطارى به أحلامى وأمالى ، ما هذا الذى يحدث أريد أن أترك كل شئ وأعود إلى البيت وألتف فى فراشى ،لا لن أفعل هذا ، فها هو القطار ..إنها السعادة ..أليست السعادة تلك الساحرة العجيبة جديرة بالمحاولة . وكان جوابى هو ركضى فظللت أركض .. أركض.. حقاً فى النهاية لم أجد القطار ولكنى وجدت فضاء فسيح وسماء واسعة وجدت الحياة ..دنيا الله ،فشعرت كأنى أحلق وأطير، وسمعت صوت داخلى كان اعتاد أن يلومنى يقول لى طيرى كما تشائين فى الفضاء الفسيح، فمن له أن يمنع الطير من الطيران ومن يمنع الإنسان من الحياة. انعمى بنور الشمس كما تشائين ، اتركيها تذيب جليد الأيام، انعمى بنور الشمس كما تشائين ولكن أياك أن تحترقين.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات