"وهكذا النفس البشرية، تنفعل جدا مع الأحداث والظواهر وقت حدوثها ثم تنساها وكأنها لم تكن حتي تحدث مرة أخري"


استيقظت علي مهل في الصباح كعادتي كل يوم جمعة، فهو اليوم الأكثر حظاً لي لكي أصحو علي مهل، وأعد وأتناول فطوري علي مهل، وأعد كوب الشاي وارتشفه علي مهل. فيوم الجمعة يوم خاص جداً بالنسبة لي، ففيه لا أهتم بالوقت ولا بأعباء العمل المتراصة كصفحات مجلد لا بد أن أقرأه وأعيه وأعلق عليه. فليوم الجمعة مذاق خاص، الطقوس فيه ليس بالطبع للتراخي ولكن للاسترخاء.


وكالعادة، وضعت طبق الفول في الميكرويف لتسخينه لدقيقتين، ثم وقفت أمامه كعادتي منتظراً لكي أضع رغيف خُبز لمدة ثلاثون ثانية ، أيضا كالعادة. فوجئت أن عيناي تسمرت علي عداد الثواني بشاشة الميكرويف، وأنا أري العد التنازلي السريع له وبدرجة مهولة لم ألاحظها من قبل. تعجبت أن ألاحظ هذا العد التنازلي للتايمر وكأني أشاهده لأول مرة رغم تكرار هذا الموقف بصورة شبه يومية.


شغلتني هذه الملاحظة، ونسيت طبق الفول في المايكرويف. ظللت أفكر كم من الثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والأشهر والسنوات مرت هكذا سريعاً ونحن في مايكرويف الحياة دون أن ندري. وكيف مر العمر سريعا هكذا ونحن لم نتوقف مرة لمراجعة أنفسنا مراجعة دقيقة قبل أن يحرقنا مايكرويف الحياة أو يطهونا ونخرج منه ليأكله العمر وثوانيه.


تعجبت اكثر، لماذا لا اشعر باحساس العد التنازلي السريع هذا للعمر عند ضبط منبه الفون للاستيقاظ أو بدأ عمل ما. ادركت أن الفارق هو كيف أنظر للوقت وكيف أدرك توقيته. المنبه لا يعكس العد التنازلي للوقت ولكنه يعكس العد التصاعدي المستقبلي، مما يجعل العقل والوجدان في راحة وانتظار. أما المايكرويف أو الستوب واتش Stop watch فتجعلك تري الوقت يفر فراً من بين يديك، وكذلك العمر. تلك ملحوظة بسيطة ولكنها جعلتني أشعر بهول عداد العمر التنازلي السريع.


وقفت أمام المايكرويف مندهشا وخائفا علي (وليس من) كل لحظة تمر سريعا وهي تنخر في أرض وجدران وسقف العمر بدون ترك فائدة. فتحت باب المايكرويف وأخذت طبق الفول ووضعت رغيف الخبز لمدة الثلاثون ثانية والتي كانت كافية لتملأه بالحرارة. ذهبت لحالي لأبدأ طقوس يوم الجمعة واتلذذ بفطوري وعلي مهل. الغريب أني انشغلت بأمر الفطور واعداد كوب الشاي، ونسيت تماما أمر عداد المايكرويف.


وهكذا النفس البشرية، تنفعل جدا مع الأحداث والظواهر وقت حدوثها ثم تنساها وكأنها لم تكن حتي تحدث مرة أخري. وهكذا حالنا في الحياة وحال العلاقة بين العمر ومايكرويف الحياة.


فلتكن نظراتنا إلي الأشياء تدعونا إلي التدبر في أوقاتنا وحياتنا ....


مع خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة