العمر ليس الوجه الآخر للسن فهما قد يتطابقا وقد يختلفا، فالعمر ترسمه التجربة والخبرة والسن تبنيه السنين التي مرت عليك منذ أن ولدت.

لطالما كانت السنوات والأعوام محط نظر الناس ومحور حياتهم .. دائما ما يعطونها أهمية كبرى فيحتفلون بها عند مرور عام على المولد؛ ولا يتوقف عند هذا الحد بل إنهم يقومون بالاحتفال بذكراه كل عام ويحصون به مقدار حياتهم.

السن والعمر قد يرى الكثيرون أنهما وجهان لعملة واحدة في حين أنهما ليسا كذلك.. ولكن إن لم تكن الأعوام هي العمر فما هو عمرنا إذاً!؟

قبل الإجابة على هذا السؤال علينا أولا أن نطرح سؤلاً هاما؛ ما الذي يعطي العمر كل هذه الأهمية؟ لم يحاول الناس دائما إحصاءه؟

دائما ما كان سبب إحصاء الإنسان لعمره سر يجهله الكل تقريبا ، وأظن أنه جزء من الطبيعة البشرية في تقسيم البشر لطبقات - كما هو الحال دائما- فتكون الطبقات حسب العمر ثلاث طبقات رئيسة (طفل- شاب- كهل) لكن ماهو الذي يجعل الطفل يرتقي من طبقته للطبقات الأعلى فيأخذ لقب الشاب ثم لقب الكهل بعد ذلك؟ أهو عدد السنين فقط؟ أم أنها الخبرة الحياتية والأهمية والأسباب التي قد تجعله يتخطى الطبقات قبل موعدها حسب عدد سنينه..

العمر لغز كبير فهو يتكيف حسب ما يحيط به، فمثلا الإنسان يظل في طبقة الطفولة مهما كان عدد أعوام حياته في عينا والديه.. ويكون العكس تماما في أعين أبنائه فيرونه أكبر وأعلم وأكثر إنسان صاحب خبرة بين بني البشر..

في حين أن العمر الذي يحب أغلب الناس أن يصنفوا تحت طبقته وأن يذكروا به هو عمر الشباب.. يريد أن يقترن أسمه به لكنه يريد أن يتحرر من مسؤولياته المثقلة لكاهليه كالطبقة الأعلى -الكهولة- منه ويريد أن تغتفر أخطاؤه ولا يعاقب أو يجازى عليها كالطبقة الأدنى منه -الطفولة-..

العمر ليس مجرد السنين بل هو أيضا مجموع المواقف التي حييتها والمسؤوليات التي أنت أهل لحملها.. ليس قالبا جامدا تضع نفسك بداخله فتصبح طفلا وتضحي شابا وتمسي كهلا!

وهذا ما يفسر رؤية شخص صغير السن يتحمل مسئولية فيجعلك تصنفه في مصاف الشباب وأن كان أصغر سنا منهم، وآخر قد بلغ أشده هيئة وسنا لكنه مازال ذو عقل غير ناضج ولا يملك خبرة كافية فلا يمكنك إلا أن تصنفه مع الأطفال وهكذا تختلف أعمراهم وتتبدل أماكنهم وفقا لمعايير أخرى غير عدد السنين التي حيوها بين أرجاء الدنيا.

الحياة أكثر صعوبة وتعقيدا من ظنك أنها مراحل لا بد أن تحياها فقط فهي أسم على مسمى "حياة" كاملة بكل ما فيها من نجاحات وإخفاقات.. محطات فرح ومحطات حزن.. أيام ستمقت فيها الوجود وأيام أخرى ستشعر فيها أن عمرك لا يسعك بما رحب سعادةً وانتشاءً..

عمرك هو عمر قلبك وروحك ، هما من يمليان عليك كيف لك أن تحيا وكيف يجب أن تتصرف.. إن سألتني كم عمرك سأقول لك أنه "كما يجب أن يكون حسب كل ظرف" .. فعند الفرحة "طفلا" وعن المسؤلية "شابا" وعند تقديم المشورة ونقل الخبرة "كهلا" .. الحياة فيها أعمار عدة للإنسان الواحد يسيرون فيها متوازين ومتوازنين لا يصح أن يطغى أحدهم على الآخر.. وليس عمراً واحداً.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات داليا أحمد

تدوينات ذات صلة