التحدي والإصرار والمثابرة هي الكلمات التي تُلخّص حياة الريادي فارس العلمي، رحلة حياته لم تكن سهلة، ولكنّه تخطاها بثقة.
رحلة الحياة تضعنا أمام جبال وتلال، يجب علينا أن نتسلقها ونتخطاها، فالمنظر بعد رحلة المغامرة الشاقة سيكون بمثابة هدفك، ويليق هذا التشبيه بالريادي فارس العلمي، الذي تخطى مطبات، وعثرات، وصدمات كثيرة،
فقط ليكون أقوى وأعند من أن يستسلم.
رُبيّ وكبر في الكويت، وهو من غزة، يحمل الوثيقة الفلسطينية التي يعتز بها، وهذا سبب رئيسي لتعبه ومغامرته. في أيام حرب الخليج، التي كان شاهداً عليها، وعاش تفاصيلها، ورُحّل من الكويت في وقتها، حين كان يعمل في جمعية، موقعها فوق مركز الشرطة، وكانت هذه مصيبة بالنسبة للقوات الأمنية، ففي حينها لم تسلم حياته من الإستجواب، السجن، أو التهديد. في ليلٍ ما، كان فارس في عمله، ووصل هاتف لأهله من موظف يعمل معه، ليقول لهم: “هناك تهديد على حياة فارس”. عندما سمع هذا الكلام من أخيه الذي تلقى الهاتف، أسرع لتحضير حقيبته، ليسافر بعيداً.
من الكويت، إلى العراق، ثم إلى الأردن، ليرجع الى العراق مجدداً، ويعاني في رحلته من الاستجواب؛ إلى الأردن مرة أخرى، ومن ثمّ ليتوجه الى السفارة الأمريكية، منذ الصباح الباكر لمحاولة أخذ الفيزا والذهاب إلى الولايات المتحدة، فأخذها بهمة وجدارة وطموح، لأن هدفه كان دراسة الهندسة الإلكترونية، وعلاماته في المدرسة كانت ممتازة، وحصل على فيزا لمدة ستة أشهر.
كان يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، حين سافر، وبدأ مغامرة صعبة، بعيداً عن أهله، بدأ دراسته بتخصص اللغة الإنجليزية، لتقوية لغته، وبعدها قُبل في تخصص الهندسة الإلكترونية، وواصل دراسته، ولكن ظروف الحياة جعلته بعدها يؤجل الدراسة، وهنا القصة:
يقول فارس: “عندما بدأت بالعلم، لم أُنهِه يوماً بسبب الظروف التي واجهتني، وأخذ مني البكالوريوس سنوات طويلة، فعندما بدأت بالعمل، كنت أدرس وأعمل منذ عام ١٩٩٠ لغاية عام ١٩٩٣، وبعدها أصبح علي ضغط كبير من الناحية المادية، فقطعت دراستي، وفي عام ٢٠٠٠ أخذت قراراً بالعودة للدراسة ولكن بشكل متقطع"
بيع القمصان واستيراد العطور نحو الريادة
كان ريادياً دون دراية منذ أن كان عمره ثمانية عشر عاماً، فظروف الحياة جعلت منه ريادياً؛ وكانت بدايته ببيع القمصان التي كان يضع عليها رسومات بالتعاون مع المساجد لجمع التبرعات، لمنظمات غير ربحية، ولتأمين لقمة عيشه؛ حيث كان يعمل على مدار الساعة، ويذهب من ولاية لأخرى لبيعها، وكان محظوظا جدا في هذه البداية لوجود إناس يدعمونه ويساعدوه في هذا المجال.
كبر في هذا العمل، وأصبحت المنتجعات، ومحلات الهدايا تطلب منه القمصان، وبعدها أخذ بنصيحة أحد الأشخاص بإستيراد العطور من فرنسا وأنه يأتي بإيرادات جيدة، فأصبح يستورد العطور من فرنسا، ليبيعها،وفي حينها كان يتنقل الى ٧ ولايات في أنٍ واحد دون كلل أو ملل، ليستطيع أن يكمل مصروفه اليومي،، وهذا منذ عام ١٩٩٣ الى ٢٠٠٠.
خلال سبع سنوات من استيراد وبيع العطور، أصبح لديه خبرة كبيرة في مجال البيع والشراء والريادة، فأقدم على العمل في متاجر "Macy's" بدوام كامل، وعندما علموا بمهاراته في مجال الأعمال عيُّنَ كمدير تنفيذي لسبعة محلات، ولكن الراتب كان قليلاً بالنسبة لعمله السابق، فأضطر للعمل الإضافي، وبدأها كمستشار لأصحاب الشركات الصغيرة, وكيفية تطوير عملهم، وعمل على سيارة للتوصيل، فكان يومه عبارة عن عمل منذ صباحه إلى ليله.
وفي عام ٢٠١١، قرر العودة الى المقاعد الجامعية بوقتٍ كامل، ولكن بسبب توقفه لمدة طويلة عن الدراسة، قرر أن يأخذ البكالوريوس بتخصص يتعلق بعمله الحالي، وكان تخصص الدراسات العامة والثقافة العالمية والمهارات القيادية للتواصل في المنظمات وإدارة الأعمال. تخرج منها عام ٢٠١٤، وكان يعمل على ٥ عقود في الريادة بالجانب لدراسته.
كان يعطي محاضرات في الجامعات عن الريادة والمهارات القيادية، بناءا على طلب الجهات المعنية في الجامعات، فيتفاجأ الناس حينها بأنه غير حاصل على الدكتوراة في هذا المجال؛ لكنه تميز بسبب خبرته وعمله الطويل الشاق ليصبح معروفاً عالمياً في هذا المجال.
ويقول فارس: “رحلة العلم لن تنتهي بالنسبة لي، وأنوي تكملة درجة الماجستير، وبالرغم من عدم وجود شهادة جامعية معي في بداية العمل الريادي، ولكنني قرأت الكثير من الكتب حول هذه المواضيع، وأصبح لدي خلفية كاملة عن آلية العمل”
وكان الناس يسألونه دائماً: كيف استطعت أن تكون مستشاراً في الريادة دون شهادة علمية، وجوابه: “ لدي خبرة عملية ميدانية، وقرأت أكثر من ٤٠٠ كتاب حول الأعمال، وتسريع إدارة عمل الشركات”
الآن، بعد رحلة دامت أكثر من ٣٠ عاماً في الريادة، فارس العلمي هو ريادي، ومُدرب في مجال ريادة الأعمال، مُختص في إنشاء حاضنات المشاريع ومسرعات الشركات الناشئة، وإسمه متداول عالمياً في هذا المجال، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Integration Systems Management، حيث يعمل مع الشركات العالمية على التقنيات والقيادة وريادة الأعمال والبرامج الثقافية، ويعمل مع البنك الدولي كمستشار في ريادة الأعمال وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
من ناحية الدورات التدريبية التي قام بها العلمي؛ وصل إلى ٦٠ دولة حول العالم، عدا عن الدورات عبر الإنترنت لدول عديدة، بالاضافة إلى استقباله في الولايات المتحدة العديد من الشخصيات العالمية من الخارج المهتمة في الريادة، لأخذ دورات عنده، ولم يقتصر عمله على أنه مستشار ومدرب للرياديين فقط، بل ويعطي دورات حول القيادة لرؤساء وقيادات دول، وآخرين يتقلدون مراكز مهمة، ويعمل في هذا المجال منذ نحو عشر سنوات.
ومن ناحية عدد الأشخاص الذين قام بمساعدتهم، وإعطائهم دورات حول العالم، يتجاوز الـ ١١,٠٠٠ شخص، وقال: “لم أكن أعلم بأهمية أعداد الأشخاص الذين دربتهم لغاية عام ٢٠١٤، في ريادة الأعمال”
وأضاف: “العديد من الناس يقولون لي إن العدد الذي دربته أكثر من ذلك بكثير، فأنا أتوقع أنّه ومنذ عام ١٩٩٣ الى عام ٢٠٠٠، كان مثل هذا العدد يمر علي سنوياً، ولكنني لم أكن أعلم بأهمية تدوين الأرقام إلا عندما درست الريادة في الجامعة”
ومن خبرته الطويلة في مجال ريادة الأعمال يقول فارس : “ريادة الأعمال هي طريقة تفكير، والإجابة على أسئلة محددة: ( هل هناك مشكلة من الممكن أن نحلها؟ هل بإمكاني مساعدة هذا الشخص؟) وتسهيل أمور الشركات؟"
وأضاف: “هناك ٣ فوائد يجب أن تكون موجودة من ناحية الاستفادة والإفادة :
- يجب أن يكون عملك إيجابيا في المجتمع
- تسريع أعمال شركات الناشئة
- مساعدة المنظمات غير الربحية"
الشركات الناشئة في فترة الكورونا.
يقول فارس: “هناك الكثير من الأعمال التي تأجلت بسبب وباء الكورونا، ولكنّ هناك أعمالاً أخرى أنجزت حيث نقيم محاضرات إلكترونياً، ونعمل على إعطاء الاستشارات الريادية، ولكن ٦٠٪ من الأعمال توقفت، و٤٠٪ نعمل عليها، ونأمل بأن نحل معظم الأمور إلكترونياً, وأعمل أسبوعياً مع الشركات التي تعاملنا معها، ويكون اللقاء عبارة عن نقاش حول أوضاع العمل، ولمساعدة الشركات لبعضها، وأعمل بحدود ١٣ ساعة يومياً، بالرغم من وجود هذه الأزمة”.
وأشار بأنه خصص ساعة أسبوعياً خلال هذه الفترة مفتوحة للإستشارات من قبل الشركات الناشئة والرياديين، لمساعدتهم في إدارة مشاريعهم.
نصائح من فارس العلمي للرياديين وأصحاب الشركات الناشئة:
- “ أحط نفسك بأناس جيدين يعلمون بنواياك"
- "ركز على أهدافك"
- "إبق مثابراً، وتحدى جميع العثرات"
- "إستمر في العمل”.
وقال: “بدأت من لا شيء، وأتوقع أن هناك العديد من الأشخاص يمتلكون المميزات للبدء بعملهم، وبما أنني استطعت أن أتجاوز كل التحديات، ووصلت إلى هدفي، فهذا يعني أن بإمكان أي شخص أن يبدأ، ويمشي ليحقق أهدافه، ويصبح ريادياً”.
بقلم هبة سكجها
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات