دائما ما كنت أسال نفسي، هل الخيال العلمي يساعدنا على الابتكار؟
وقد وجدت الإجابة في مركز جامعة ولاية "أريزونا للعلوم والخيال"، حيث كان الجواب هو "نعم " وبدون أدنى شك! لقد أُنشأ مركز جامعة ولاية "أريزونا للعلوم والخيال" عام 2012م، بهدف جلب الكُتَّاب والفنانين والمفكرين والمبدعين للتعاون مع العلماء والمهندسين والتقنيين لإعادة إشعال الخيال العلمي والاكتشافات والطموحات البشرية الكبرى لكي يقدموا ابتكارات تتحول إلى اقتصاد قوي، وذلك لربط وتشبيك الأفكار جريئة. وهو أيضا محرك ثقافي للتفاؤل المدروس، فهو يقدم مساحة للتعاون المثمر بين العلوم الإنسانية والعلوم والتكنولوجيا، لتحويل الخيال العلمي والروايات البشرية إلى الأسئلة العلمية، واستكشاف الآثار الاجتماعية الكاملة للبحوث المتطورة التي لا تكون في البداية إلا خيال. وقد دُعمت مشاريع هذا المركز من قبل شركة "إنتل"، ومن "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية (ناسا)" و"البنك الدولي"، ومن "المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية"، و"الوكالة الوطنية الأمريكية للفضاء الجيولوجي"، ومؤسسة "جون تمبلتون". وهذا بالقطع دليل على إن جميع هذه المؤسسات العملاقة في مجال العلوم المتطورة والتكنولوجيا الحديثة يرون أن الخيال العلمي ضروري للابتكار!
إن الخيال بالطبع هو عنصر أساسي لأعظم الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي خرجت للنور #غادة_عامر
فعلا، إن الخيال بالطبع هو عنصر أساسي لأعظم الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي خرجت للنور. وإذا أردنا كمجتمع أن نكون قوة في عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على الابتكارات التكنولوجية الحديثة، فعلينا إعادة الخيال لمجتمعنا ودعم الاشخاص الذين لديهم القدرة على الخيال العلمي. ولو راجعنا معظم القصص والأدبيات والأفلام القديمة سوف نجد أن كل الخيال العلمي فيها قد تحقق بالفعل في عصرنا الحالي. فمثلا في عام 1978م خرج “دوغلاس آدمز” في برنامج إذاعي ليتحدث عن تصورهُ لشيئ رقيق خفيف الوزن ويكون محمولاً، ممكن أن يكون إلكترونيا يخزن فيه الالاف من المقالات والصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية مع إمكانية تحديد المواقع وأن يكون سهل الاستخدام لأي شخص. وهذا بالطبع يشبه كثيرا أجهزة الألواح الإلكترونية (التاب) التي بين أيدينا الآن!
وأيضا لقد ظهر الدليل الالكتروني والأيباد وأجهزة الحاسوب اللوحي في أفلام الخيال العلمي منذ زمن بعيد، فقد كتب "آرثر كلارك" عن جهاز أطلق عليه "النيوزباد"، والتي ظهر بعد ذلك في فيلم للمخرج “ستانلي كوبريك" في عام 1968م فيلم "فضاء أوديسي 2001". وفي عام 1865م -أي قبل أكثر من 100 عام من سفر أول إنسان إلى القمر- كتب "جول فيرن" مقال عن رحلة الرجل إلى القمر بعنوان "الأرض إلى القمر". وفي عام 1888م توقع "إدوارد بيلامي" استخدام بطاقات الائتمان في كتابه " النظر إلى الخلف: 2000-1887". وتخيل "راي برادبوري" سماعات الأذن في عام 1953م في كتابه "فهرنهايت 451"، وقد شاهد الناس مكالمات الفيديو عام 1982م في فيلم "بليد رانر" للمخرج "لريدري سكوت"، ونظارات الواقع الافتراضي في فيلم "العودة إلى المستقبل" عام 1985م، والهولوغرام في فيلم "حرب النجوم" عام 1977م. وفي عام 1945م نشر "آرثر كلارك" فكرة إقامة قمر صناعي للاتصالات المتزامنة مع الأرض، قبل 20 عاما من إطلاق أول قمر صناعي، وفي عام 1982م تصور "ويليام جيبسون" عالماً تهيمن عليه شبكة حاسوب، أطلق عليه اسم "الفضاء السيبراني"!!!
هذه قلة من الأمثلة التي تؤكد أن الخيال العلمي يقدم صورة معقولة ومفهومة تماما عن واقع بديل حدث فيه نوع من الابتكارات المقنعة، وهو وسيلة لصياغة رؤى كبيرة ومقنعة من شأنها أن تجعل الناس يعملون على بناء المستقبل. ولو نظرنا حولنا سوف نجد أن الخيال العلمي هو عنصر أساسي في الابتكار في المجتمعات التقنية والعلمية المتقدمة. إن تاريخ العلوم التكنولوجية والخيال العلمي مترابطان ارتباطا وثيقا، لدرجة أن بعض القطاعات، مثل صناعة الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقبل علنا العلاقة الثورية مع نوع من الخيال الذي أُودين من قبل أكبر المفكرين والفلاسفة من أصحاب المدارس المنطقية.
وهناك أمثلة عديدة لاستخدام المنظمات العلمية العالمية للخيال العلمي، مثل "مايكروسوفت"، وشركات "البرامج الصينية"، وأيضا وكالة الفضاء الأوروبية، وكذلك وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". وهذا لأن مجموعات التفكير المتعددة" think tanks" أدركت أهمية تحفيز الإبداع من الخيال العلمي. وغالبا ما يكون الخيال العلمي السبب وراء ظهور المشاريع العلمية الأكثر طموحا، على سبيل المثال: مشروع خلق لوصف أيديولوجية استعمار المريخ " Marsism"، يتأثر بشكل كبير بأفلام وروايات الخيال العلمي. لذلك فأن المنظمات المبتكرة تواجه تحديا بضرورة تطوير خيالها العلمي كي تبقي على قيادتها ومكانتها ولتخلق دورات اقتصادية جديدة.
الخيال أهم من المعرفة، فبالخيال نستطيع رؤية المستقبل #ألبرت_اينشتاين
لذلك يجب على المجتمعات والمنظمات -حتى أكثرها عقلانية-، أن تولي اهتماما لتحفيز خيال من ينتمون لها، لأن هذا التحفيز يشكل العنصرالأساسي للابتكار وبالتالي توليد منتجات ابتكارية محلية تزيد من قوة المجتمع أو المنظمة ومكانتها. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق طرح أفكار جديدة، وربط ثقافة المجتمع بالتكنولوجيات المستقبلية والظواهر الاجتماعية، وباستعمال قصص خيالية مماثلة من حضاراتها المختلفة، وعمل افلام خيال علمي تحفز التفكير في حلول نوعية، والاهم عدم مهاجمة اي فكرة، حتى لو كانت مجنونة من وجهة نظر البعض. وقد قال ألبرت اينشتاين " الخيال أهم من المعرفة، فبالخيال نستطيع رؤية المستقبل"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات