هناك طبيعة عند معظم البشر وهي مقاومة أي تغيير، فالتغيير يخيفهم
لأنهم يميلون إلى إيجاد الأمان في الأساليب التقليدية للحياة والحالات. كما إن أحد الأسباب الرئيسية لمقاومة التغيير هو عدم اليقين بشأن تأثير التغيير عليهم، خاصة التأثير على الأمن الوظيفي، كما إن الخوف من المجهول دائما له تأثير كبير على قرارات الأفراد. كما إن التغيير ممكن أن يؤدي إلى تقليل قاعدة السلطة للفرد أو المجموعة، وبالتالي إن احتمالية فقدان هذه القوة ستخلق مقاومة. على الرغم من أن هذا التغيير قد يكون جيدًا للمنظمة ككل. ولأن الابتكار هو عمل شيء مختلف أو جديد، فمن الطبيعي أن يثير الابتكار المقاومة والرفض في احيانا كثيرة، فالكثير من الافكار والابحاث العلمية والابتكارات تم التشكيك فيها، فمثلا عام 1960م رفض محررو المجلة العلمية " Physical Review Letters " بحث تقدم به المهندس والفيزيائي الأمريكي "ثيودور ميمان" بحجة أن بحثه لا يرقي للنشر لأنه لا يتبع الأطر المعروفة، ولولا اصرار الباحث ومحاولته المستميتة لنشر فكرته، وارساله للبحث إلى مجلة "نيتشر" البريطانية الرائدة، التي قبلت البحث وأدى هذا لتحول الفكرة إلى براءة اختراع، ومن ثم إلى تطوير الليزر الياقوتي، و بعدها تم تصنيع أجهزة الليزر التي تستخدم الآن في الكثير من المجالات، ولما كان خرجت الفكرة للنور.
وأيضا صبر المخترع والكيميائي الأمريكي "باول لاتربور" واصراره على نشر بحثه عن تصوير بنية الأنسجة والأعضاء بدقة عالية، بعد أن تم رفضه من مجلة "نيتشر" بحجةِ أن النصوص المُرفقة بصور الرنين المغناطيسي مبهمة وغير واضحة. لكنه أرسله مره اخري إلى نفس المجلة مع توضيح وجهة نظره، فقبلته لأنه اجتهد في شرح فكرته مع عمل تعديل بسيط في الصياغة حسب طلبهم بدون المساس بالفكرة، فكانت نتيجة نشره خروج اساس فكرة جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، الذي يعتبر اليوم إحدى أهم الأدوات التي لا يمكن التخلي عنها في الطب، حيث مكّنتنا هذه الطريقة من الحصول على صور ثلاثية الأبعاد لتشريح الجسم دون الحاجة إلى استعمال إشعاعٍ مؤينٍ. كما تمّ منحه جائزة نوبل للفيزيولوجيا والطب مناصفةً مع الفيزيائي البريطاني السير" بول مانسفيلد" عام 2003م. وهناك حالات اخري كثيرة من الابتكارات التي قوبلت برفض كبير مثل الطعام المعدل وراثيا إلى اشعاع هوكينج إلى التبريد الميكانيكي إلى الموسيقى المسجلة وغيرهم الذي لا تكفي عشرات المقالات لذكرهم .
إذن، إن التاريخ مليء بقصص الاعتراض البشري لأي تكنولوجيات جديدة، فمعظم المعلومات العلمية التي تعتبر جوهرية وأساسيّة في يومنا الحالي، استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتّى تمت الاعتراف بها، حتى أن بعض مكتشفي هذه المعلومات تمّ منحهم جائزة نوبل لأبحاثهم ودراساتهم بعد وقتٍ طويلٍ جدا من اكتشافها، وفي معظم الاحيان يكون السبب معاندة خبراء الدوريّات العلمية في الاعتراف بها. لكن هناك أسباب أخرى كثيرة لخوف الناس من الابتكارات وعرقلتها، فمثلا في معظم الأحيان لا يخشى الناس الابتكار لأنه تكنولوجيا جديدة، ولكن لأنه من وجهة نظرهم يعني غالبًا فقدان جزء من هويتهم، أو نمط حياتهم ،أو استقرارهم، أو قيمتهم. والغريب أن البعض يعارض أحيانا الابتكار، حتى لو بدى في مصلحة البشرية، مثلما اعترض البعض على استخدام المبيدات العضوية مع إنها الأكثر أماناً على صحة الانسان! وأحيانا يكون معارضة الابتكار ورائه مصالح تجارية لمنتجات حالية. مثلما حدث ذلك عندما ظهرت الموسيقى الرقمية حاول ناشروا الموسيقى شن حملة قوية لإيقاف هذا الابتكار وتشويهه والتشكيك فيمن يعمل في تطويره. وأحيانا يخاف البعض من الخسارة التي يمكن ان يجلبها الابتكار لهم شخصيا، وقد تكون تلك الخسارة (المتصورة أو الحقيقية) جزءًا من هويتهم أو أسلوب حياتهم أو أمنهم الاقتصادي. وأحيانا تكون المشكلة في المبتكر نفسه في أن البعض منهم لا يفكرون في تأثير اختراعاتهم على المجتمع، لكنهم يركزون بشكل كبير على الجزء الأساسي من التكنولوجيا، هل يعمل أم لا يعمل؟ ولا يربطونها بالأبعاد الاجتماعية الواقعية، وبالتالي يرفضها من يحكمها لأنه لا تكون قيمة الابتكار المضافة واضحة. كما إن السياسات الحكومية من العراقيل التي تؤثر على الابتكار، لأن التقنيات تتقدم بطريقة متسارعة، مما يجعل صناع السياسة يفاجئون باستمرار بالابتكارات الجديدة ويفشلون في كثير من الأحيان في تنظيمها بنجاح، مثلما حدث مع فكرة "أوبر" حيث انفجرت فكرة خدمة تقاسم الرحلات مع السيارات الشعبية وتوسعت بسرعة في جميع أنحاء العالم، مما أثار غضب اصحاب السيارات الأجرة، ونتيجة لعدم استيعاب الحكومة لفهم أن الابتكارات تنمو بسرعه حدثت مشكلة تنظيمية كبيرة كادت أن تتحول إلى أزمة مجتمعية.
ليس من السهل جعل الناس العاديين يقبلون الأفكار الجديدة، بل حتّى في بعض الأحيان من الصعب جداً إقناع أكثر الناس ذكاءً وانفتاحاً بالأفكار الجديدة "جاك شتاينبرجر”
في المقابل هناك ابتكارات كان المجتمع هو من يدافع عنها لإنها جعلته أكثر حرية واستقلالية، مثلما حدث في تقنيات الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد اعتمدها المجتمع سريعا لأنها كانت واضحة المنفعة له، وهنا يكمن السر، فإذا أردت أن تعمل أو أن تقدم فكرة أو ابتكار، لابد من أن تكون قيمته المضافة واضحة للمجتمع، وسهلة الفهم والتطبيق. فلا تيأس وحاول إلى أن يتحقق ابتكارك، ودائما تذكر ما قاله الفيزيائي الأميركي والحائز على جائزة نوبل “جاك شتاينبرجر” :”ليس من السهل جعل الناس العاديين يقبلون الأفكار الجديدة، بل حتّى في بعض الأحيان من الصعب جداً إقناع أكثر الناس ذكاءً وانفتاحاً بالأفكار الجديدة”.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
نفس الشيء قابله العالم الإيطالي جالاليو
وأي شيء جديد سوف يقابل بالاعتراض لانه يهدد مصالح البعض
تذكروا رفض الوهابيه الاستماع للقرآن من خلال المزياع ووصفوه بانه شيطان