ليست دروس تقليدية، بل دروس نبتت من تربة كان سمادها الفقدان، والخذلان والاستغلال العاطفي..
كثيراً ما سمعنا أن طيب القلب والمتسامح يعاني الأمرين في هذه الحياة. والسبب ببساطة استغلال من حوله لطيبة قلبه ولطبعه السلس والكريم. الاستغلال قد يكون مادي أو عاطفي خاصةً عندما يكون للشخص ضميراً حياً وشخصية لوامة لنفسها. هذه الشخصية هي وجبة دسمة لأي متلاعب عاطفي ونرجسي. إن اجتمعت الشخصية اللوامة، مع بعض الحزن، والحاجة للحب، تُقلب حياة الشخص رأساً على عقب..
الدرس الأول: لا تتوقع أن يعاملك الناس مثلما تعاملهم
بعض الشخصيات تُفرط في التعبير عن المحبة والاشتياق ويحاولون جاهدين إثبات المحبة والمعزة عن طريق الكلام، الهدايا، المبادرات اللطيفة والمفاجئات. من الطبيعي أن يفرح الشخص المقابل بكل الحب والاهتمام، لكن احذر من أن تحزن أو تُعاتب إن لم يقوموا بالمثل لأجلك! أنت من بالغت في العطاء وليس هم! وإن كان الشخص المقابل استغلالي ومتلاعب عاطفي، سوف يفرض عليك هذا العطاء ويصبح واجباً وفرضاً لا كرماً منك، وعندما تَعترض وتتوقف عن العطاء سوف يُشعرك بتأنيب الضمير وسوف تخسر نفسك وحريتك تدريجياً.
إذا كان الشخص المقابل إنسان سَوي ومتزن نفسياً، ربما لن يبادلك نفس التصرفات والكلمات، لكنه سوف يُعبر لك عن حبه بطريقة ما إن كان يبادلك نفس المشاعر، لكن إن كنت لا تحتل نفس المكانة في قلبه التي يحتلها هو في قلبك فهذه مشكلتك أنت وذنبك أنت ولا علاقة له فيها. عندما تبدأ بمعرفة مكانتك الحقيقة عند أحدهم وشعرت بالإستياء، ما عليك إلا التراجع قليلاً والمعاملة بالمثل وتقليل سقف التوقعات.
مشاعرك وتصرفاتك واندفاعك نحو الآخرين شيئ يخصك وحدك، تذكر هذا حيداً، وإن استمريت بالعطاء ولم تتلقى مثل ما تتوقع، سوف تدخل نفسك في دوامة من الإحباط واليأس وربما كره من حولك.
لتفادي الوقوع في هذا الفخ، كشخصية عاطفية ومعطاءة، تعلمت من خوض التجربة ألا أعطي أكثر مما آخذ ولا أتوقع أي شيئ من أحد. وعند التعرف على شخص جديد، أتعامل معه بحسن نية طبعاً، لكن بحذر وبوضعية المراقبة، حتى أتعرف على طباعه وما الهدف من التعرف علي والتقرب مني.
الدرس الثاني: ليس كل ما يلمع ذهباً، النحاس يلمع أيضاً، وقد يلمع الحديد الصدئ إن تَلَمع.
- الحديد الصدئ يبدو أجمل عند تلميعه، قد تعرف أنه حديد فعلاً وليس ذهباً، لكن جمال لمعته يجعلك تتغاضى. وهذه هي بداية النهاية، تتدحرج من أعلى الجبل حتى تصل إلى القاع محطماً، مهزواً، فاقدٌ لنفسك. الاستعرض وتلميع الذات والكلام الجذاب المنمق سوف يجذبك لشخص ما وانت تعرف سلفاً أنه حديد صدئ لا يصلح. لكنك قد تٌحب خوض التجربة، وتندمج معه في علاقة أي كان تعريفها. تعلمت أن أراقب علامات التلاعب العاطفي وصفات الشخصية النرجسية (من الضروري الاطلاع عليهما، تجد الصفات على مُلهِم أو في أي مرجع)، والأهم من مراقبة العلامات والصفات وملاحظتها ألا تتغاضى عنها، ومن ثم معرفة متى تنسحب من هذه العلاقة وكيف تنسحب. أسلوب الإنسحاب مهم جداً، الشخصيات المؤذية ومنها النرجسية يشعرون بالإهانة إن انسحبت بطريقة فذة أو واجهتهم بحقيقتهم واتهمتهم بشيئ ما. تعلم أن تتصرف بذكاء وحنكة دون انفعال. الإنسحاب البطيئ قد يكون طريقة جيدة لتفادي الأذى إن لاحظت أن الشخصية الذي تريد اخراجها من حياتك تميل للأذى وافتعال المشاكل.
- النحاس يلمع فعلاً، لكنه نحاس وأنت اخترت أن تراه ذهباً.
بناء الآمال والأحلام على شيئ بسرعة ودون معلومات كافية وتبدأ بالتفكير الإيجابي الممرض، وتقنع نفسك أن تريد شيئاً ما فقط لأنك تعتقد أنه سوف يحقق لك سعادة مؤقتة أو دائمة. لكن، إن أوقفت أحلامك قليلاً، وفكرت بعقلانية وانتظرت قليلاً وراقبت جيداً، لمعة النحاس التي كانت تملئ عينيك سوف تنجلي، ويعود النحاس إلى ما هو عليه. الآمال والأخلام من هذا النوع هي طريقك للخذلان، وأكرر من الدرس الأول، لا ترفع سقف توقعاتك ولا تعطي أحداً أكبر من حجمه.
الدرس الثالث: كثرة التفكير والتحليل تجعلك تعيش في متاهة لن تستطيع النجاة منها
أيقنت منذ صغري أنني أفكر أكثر من الازم، وأُبالغ في تحليل المواقف، والكلمات، والتصرفات وحتى المشاعر. كنت ألقب نفسي بOverthinker، خلال مرحلة المراهقة والجامعة كنت أسيطر على الأمر، لكن بعد التخرج والاصتدام بالحياة الواقية، فقدت السيطرة على الوحش وظهر على حقيقته وتملكني. اضطراب القلق المعمم مع كثرة التفكير كانت بداية السقوط في حفرة الأفكار السلبية. عندما تبالغ في تحليل كل موقف، وتأخد كل كلمة، ونظرة، وعبارة على محمل شخصي تبدأ باظهار ردات فعل لكل موقف، كلمة أو حتي مجرد فكرة. ردة الفعل تكون مختلفة حسب الموقف طبعاً، قد تستسلم لأمر ما، قد تقوم بانهاء علاقة ما لمجرد أنك حكمت عليها بالفشل بسبب كثرة الفكير والتحليل بدون دليل ملموس وواقعي، قد تغضب وتبدأ في الصراخ، قد تفكر بإيذاء نفسك التي حبستها بدوامة عميقة جداً من الأفكار السلبية لتشعر ببعض الراحة والسكون. أحياناً سوف تحاول الهروب من حياتك وأفكارك البائسة إلى شيئ إيجابي، وترى النحاس ذهباً كما ذكرت سابقاً، لا تهرب من السلبية المفرطة إلى الإيجابية المفرطة دون دليل حقيقي أن هذا الشيئ أو الشخص سوف يسعدك فعلاً.
خد نفساً عميقاً، وعامل الأمور بظواهرها، ولا تتوقع السوء قبل حدوثه بدون دليل ملموس وحقيقي، لا تجعل عقلك يخدعك ويجعلك تصدق أن الأوهام هي واقع. يمكنك تجربة التأمل أو الMindfulness أو اليوغا، لكنني شخصياً لم أستطع ووجدت الصلاة مريحة أكثر بالنسبة لي.
الدرس الرابع: لا تحاول قراءة أفكار الناس ومعرفة كل شيئ عنهم
لك بظاهر الأفعال، لا تحاول قراءة أفكار الناس، لن تعرف الحقيقة الكاملة والنيات أبداً، لكن طبعاً كن حريصاً وذكياً ولا تسمح لأحد أن يستغلك ويستخدم طيبة قلبك ضدك. ويمكنني أن أقول بأريحية، لا بأس أن تبني جدران عالية حول نفسك إن كنت تعتقد أنك سوف تتعرض للأذى بسبب شخصيتك العاطفية. الوقاية خير من العلاج.
معرفة ما لا يخصك أيضاً قد يكون مؤذي لك ولغيرك، ربما حُجبت عنك معرفة شيئ ما لراحتك، اعرف متى تتوقف عن البحث في نفوس الآخرين. طبعاً عندما أقول لك تعامل بظواهل الأعمال، لا أعني تَقبل النفاق أو المجاملات البالية وتصديقها، لكن كن واعياً فقط ولا تفرط في البحث عن خبايا النفوس.
الدرس الخامس: كن حازماً في قراراتك، وإن قررت، علم نفسك ألا تندم
تعلم ألا تندم، لم أتعلم ذلك بعد، لكنني أحاول. الندم مثل كثرة التفكير، يقتلك بشكل بطيئ ويدخلك في متاهات ودوامات. أعجبني مصطلح يدعى الRummination ويترجم لكلمة اجترار، ويعني استمرارية مضغ الطعام. اجترار الأفكار مثل اجترار الطعام، يمضغ عقلك الأفكار ويسترجع المواقف ويعيد تحليلها ومن ثم تبدأ بالندم على تصرف أو موقف أو قرارٍ ما وتعيد تخيل نفسك في نفس الموقف مرات ومرات وتحاول إيجاد حل أو رد أفضل أو تصرف آخر. ما الفائدة؟! لا شيئ أبداً، تضيع وقتك، وجهدك وتتعب نفسك بلا فائدة. تعلم ألا تندم..
من الأشياء التي ساعدتني، هي قول كلمة STOP بصوت عالي عندما ألاحظ أني بدأت أفكر كثيراً وأُعيد استرجاع المواقف. الحل بسيط، لكنه فعال، وبعد أن تتوقف، غير مكانك، وافعل شيئ آخر، كلم صديق، أو اقرأ كتاب، مارس الرياضة، حضر الطعام، قم بأي عمل يلهيك هن التفكير والندم.
الدرس السادس: تعلم كيف تتوكل على الله
التوكل على الله شيئ بديهي في الدين الإسلامي، لكن تطبيقه صعب جداً إن كنت شخصية تفكر كثيراً. ليس بسبب قلة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، لكن عندما تكون في قمة اليأس تجد صعوبة في تصديق أن الحياة تُخبأ لك شيئ جميلاً. ما عليك إلا الدعاء والإيمان أن الله سيساعدك. ستشعر بالراحة لفترة، ثم تفقد الإحساس بالأمان تبدأ بالشعور بالخوف من المستقبل والماضي، لكن عليك السيطرة على نفسك وترتيب أفكارك، والعودة للتوكل على الله.
صحيح أن الحكمة والمعرفة تَنبت من المصاعب، لكن ما زلت أعتقد أننا لا يجب علينا وضع أنفسنا في تجارب قاسية ويكفي التعلم من تجارب الغير، لكن إن وقعنا، ما لَنا غير الوقوف.
كتاب قد يساعدك في فهم نفسك أكثر ويساعدك في توظيب علاقاتك مع الناس: The Courage To be Disliked لIchiro Kishimi و Fumitake Koga.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل جدا، من تألق إلى تألق عزيزتي ان شاءالله