تدوينة تتحدث عن بعض دروس الحياة التي علمني إياها والدَي (أبي وأُمي)
يا والدَيَّ.. إيثار ومروءة ووفاء وتضحية هي صفاتكما وطريقكما لإنارة عقول شابّة تسير على خطى الحياة وفي أيامها الصعبة التي تحتاج فيها إلى من يسدد خطاها في الطريق الصحيح لتحقيق رؤاها. يا والدي، يا أسمى معاني الحب اللامشروط الذي تجسد بعطاء بلا مقابل والذي تتوج بحب الخير لنا بنكران الذات.
يا والِديَ لقد نضجت وأيقنتُ الكثير.. يا والدَيَّ لا أريد أن أعود طفلة فسنوات الشباب عظيمة جداً – سنوات ازدهارٍ وعطاءٍ وصناعةٍ مستقبلٍ لا تتكرّر- لكنّي في صراعٍ مع براءةٍ في روحي لا أجد لها متسعاً في زماني ومكاني لذا أُخْفيها رغم عِتابها لي وأعتذر لها -وفاءً لصبرها وعهدها لي أن تبقى معي ما حييت-، وأَظهَرُ فقط برزانتي كشابّة وأزِنُ الأمور برجاحة العقل فقط كما علمتُماني وأدمجها بالرحمة لا العاطفة إذا اقتضى الظرف والموقف.
يا والدَيَّ لقد نضجت وأيقنت أنَّ كلّ مبادئ ودروس الرِّفعة التي علّمتماني أنا وأخوتي كانت لبصيرتكما فيما ينتظرنا في زحام الحياة.
منذ أول درسٍ علّمتمانا إيَاه: "إن هناك رداً واحداً لكل أسئلة الناس عن أخباركم إذا كانت مما ليس من شأنهم، فقط "الحمد لله، وبخيرٍ وأشكرك على مودّتك لكن هذا الأمرُ خصوصية"".
وثاني درسٍ علّمتمانا إيّاه: "أن لا نُطْلعَ أحداً على ما لدينا، ولا نفكّر ولا نهتم في معرفة شيء عن خصوصيات الناس".
وثالث درسٍ علّمتمانا إيّاه: "إياكم وأن تذْكُروا سيرة أحدٍ أمام أحد وخاصّة بالشّر" وأَنَّ خيرَ إجابة لمن يبحث عن أخبار الناس من خلالكم "لا أعرف". وخير إجابة لكل من ينقل لكم كلاماً "لا يهمَني".
ورابع درسٍ علّمتمانا إيّاه: "ترفَّعوا بعلمكم وثقافتكم، وإن خالطتّم النّاس لا تَركِنوا لتعرّفوا بأنفسكم فقط بـ"أنا ابن/بنت فلان" ليهابكم الآخر بها، بل عليكم أن تصلوا لتك المرحلة التي يكون فيها كيانكم وشخصيّاتكم كفيلةٌ بالتعريف بكم في أكبر المجالس.
وخامس درسٍ علّمتمانا إيّاه: "لا تتنازلوا لتَصِلوا وكونوا أصحاب مبادئ في كلِ ما تفعلون".
وسادس درسٍ علمّتمانا إيّاه: "في المجالس كونوا مستمعين ثم محاورين وآخر من يتكلّم".
نضجت وأيقنت يا والدَيَّ أنّ لكما نظرة ثاقبة في مستقبل كل واحدٍ منّا وأين ستذهب بنا الحياة وأنّ معنى كلمَتي ارتقوا وترفّعوا "أخلاقاً وعلماً لا غروراً" لم تكن لأن القاع مزدحم بقَدر ما كانت لأنه مليء بالسّوء ولربما القذارة.
يا والدَيَّ أتذكر دوماً ما تُحذروننا منه: "لا تخلطوا بين الرفعةِ والغرور" فالغرور مهلكَةُ صاحبه كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾، والرفعة رفيقٌ صالح تتجلّى بأخلاق سيد المرسلين كما ذكره رب العالمين: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.
يا والدَيَّ أستطيع أن أقول اليوم لقد نضجت أخيراً وأيقنت وأدركت معنى سابعاً وآخر درسٍ من دروس الرِّفعة "كونوا عملةً نادرة ينتقيكم ويبحث عنكم من يعرف قيمتكم فقط".
يا والدَي يوم ميلادي أسميتماني "تمارا" بحثت كثيراً عن معنى اسمي فوجدته اسماً من اللغة الساميّة القديمة يعني 'شجرة النخيل المثمرة بالتمر'، وسألتكما عن معناه ذات يوم فأخبرتماني أن معناه 'تأمل في الخلق'، وبما أنّ لكل إمرئ من اسمه نصيب فإنّي فعلاً أرى اسمي في شكلي وشخصيتي وكياني، كثيرة التأمل في الخلق من نعومة أظافري، أدقق في التفاصيل الصغيرة وما لا يلفت البشر، وأكتب ما أراه في تأملاتي للدنيا والحياة والتجارب في صحائفي المعدودة "أُنَيفِسْ". وأتمنى من الله أن أكون كشجرة نخيل مثمرة في حياتي يجري الله على يدي الخير وقضاء حوائج الناس ويجعلني مفتاحاً له ومغلاقاً للشر وأنّ أعيش عمري بعزّة نفسي العذراء التي زُرعتماها في نفسي حتى قبل أن أولد إلى هذه الحياة.
دعواكما يا والدَيَّ ورضاكما لطالما عوفينا بها من نوائب الدهر ومصارع السوء، فيا والدَي أكثِرا من الدعاء والرضى.. ومن العبد السعي.. ومن الله الإجابة لنعيش هذه الدنيا بعين النضوج واليقين.
تمارا محمد الحلايقه
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات