من مشاكلنا في التعليم أننا نتعامل مع الطلاب ككل ولا ننظر إليهم كفرد
لطالما كان الأستاذ الأقرب منا هو ذلك القادر على التعامل معنا فُرادى، ذلك الذي يجعل لوجودك في الصف قيمة، ولرأيك أهمية مهما بدا الأمر ساذجًا أو معقدًا، فيتابع معك تطوّرك ويشجّعك ويدفعك دومًا نحو خطوة قادمة، يخلق لك هدفًا جديدًا، ويجعلك تتحدى نفسك مرةً تلو الأخرى.
وهذه الصفة تناسب الصفوف جميعها على اختلاف مستوياتها وموادها التعليمية، فعلى سبيل المثال في الرياضيات إذا استطاع الطالب العدّ من واحد إلى عشرة فالتحدي القادم أن يصل إلى العشرين، أو أن يُضيف إلى الاثنين ثلاثة فتصبح خمسة، وربما في الوقت الذي يصل فيه جُل الطلاب إلى هذه المرحلة نجد طالبًا ما زال عالقًا في العدّ حتى الرقم خمسة!
ومن هنا تأتي أهمية التعامل الفردي مع الطالب، فالتحدي لهذا الطالب الآن ليس العدّ حتى العشرين ولا إضافة الأعداد إلى بعضها، وإنما الوصول إلى عشرة، وما إن يحقق هذا الهدف فلا بد من الإشادة بهذا التقدم بصرف النظر عن المقارنة بتطور الطلاب الآخرين.
هل هذا يعني أن لا نقارن الطلاب بغيرهم مطلقًا؟
يعتقد الكثير من المعلمين أنهم فعلًا لا يقومون بالمقارنة ما لم يقولوا صراحة: "انظروا إلى فلان! يتكلم الإنجليزية بطلاقة بينما ما زلتم لا تفهمون ما أقوله!" أو أي عبارات وجمل أخرى مشابهة، السيئ في تلك الجمل وغيرها ليس المقارنة بذاتها بل أننا نقارن النتائج، متجاهلين الظروف والعوامل الاجتماعية والنفسية التي حققت النتيجة، مما يجعل الطالب الذي يبذل قصارى جهده لإتقان المحادثة يشعر دائمًا أن الطريق طويلة، وأنّه مهما حاول الآن لن يصل أبدًا إلى المستوى المرجوّ، لأنه لم يجد اهتمامًا بنتائجه الصغيرة التي أحرزها بنفسه.
المدرسة والمؤسسات التعليمية تفرض الصفوف الجماعية، ولها إيجابياتها بطبيعة الحال، فالطلاب قد يتعلمون من تجارب بعضهم بعضًا، وقد يتعلمون ممن هم أكبر منهم سنًا، ويشاركون في أنشطة متنوعة تنمّي مهارات مختلفة، ولكنها كذلك تعزّز واحدًا وتهمّش كُثُر، ومن الصعب فعلًا على المعلم أن يتعامل مع تحديات الطلاب الخاصة، وأن يُنصف في توزيع الاهتمام ما دام الصف يحوي عددًا كبيرًا من الطلاب، لكن بوسعه أن يستعين ببضع خطوات تجعل كل طالب يشعر بأهمية دوره، منها:
- الحضور الذهني:
وبكلمة أخرى (التركيز) أن يفهم الأستاذ ما يدور في البيئة الصفية من تحديات جديدة، ويحرص على تجاوزها، وأن يقرأ وجوه الطلاب بنظره ليدرك من لا يفهم الآن وليعرف شارد الذهن ويجذبه من جديد، ومن أخطائنا الشائعة كمعلمين أننا نسأل: "فاهمين؟" فيهز الطلاب رؤوسهم، فنتابع الدرس دون التحقق من الفهم، لا بد من أن يتبع "فاهمين؟" سؤالًا يقيس حقيقة فهم الطلاب.
- تجنّب استخدام: "لا، خطأ، غير صحيح":
استخدم بدلًا من ذلك: اممم، جواب جيد لكن...؟، محاولة جيدة، أنت قريب من الإجابة...
بهذه الطريقة لا تكون سببًا في إحراج الطالب أمام زملائه، وامتناعه عن المشاركة في المرات القادمة.
- العمل في مجموعات:
أعطِ فرصة للطلاب لمشاركة الآخرين ما لديهم، وعيّن في كل مرة مسؤولًا مختلفًا للمجموعة، واجعل الطلاب في داخلها متفاوتين في المستوى، ومرّ بالمجموعات كلها أثناء العمل واستمع إلى نقاشها وسجّل ملاحظاتك، قد تتفاجأ بطالبٍ يشارك في المجموعة ويجيب ويحلّل بشكل صحيح بينما لا يبادر للمشاركة في الصف.
- وقت خارج الصف:
اجعل بابك مفتوحًا لهم، ادعُهم لمناقشة مستواهم وتطورهم، حثهم على المجيء إليك ولو 5 دقائق، وكن جاهزًا لإعطاء نصيحة، وإن كانت على هيئة سؤال.
خلاصة القول ينبغي علينا الاهتمام بالطالب، كل طالب، كحالة فردية، لديها معطياتها وأساسياتها وأهدافها الخاصة، وأن نتابعها ونحثها على العمل لأجلها، لنساعد الأجيال القادمة على المثابرة والاجتهاد، وتقدير النتائج مهما بلغ حجمها، وخلق هدف آخر بشكل مستمر.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات