اذا كنت قادر على أن تختزل ألمك في رقم، فماذا تختار؟

تقول هيزل غريس، بطلة كتاب "ما تخبئه لنا النجوم" بعد خسارتها لأغسطس في واحده من أجمل إقتباسات الكتاب: "عندما تذهب إلي غرفة الطوارئ، عادة ما يسألونك أن تقيم ألمك حتي يستطيعوا تحديد مدى توعكك ويقرروا العلاج المناسب، لقد تم سؤالي هذا السؤال مئات المرات، أتذكر في إحداها لم أكن استطيع أن اتنفس، كان صدري يشتعل من الألم وأخذني والداي لغرفة الطوارئ. عندما سألتني الممرضة أن أوصف شدة الألم علي مقياس من ١ حتي ١٠، من شدة الألم لم استطع أن اتكلم، رفعت تسعة من أصابعي لوصف الألم. بعد أن شعرت بتحسن، جائتني الممرضة لتحيني على شجاعتي لوصفي ألم يتعدي العاشرة برقم تسعة. لكنها لم تعلم أنني لم اختار رقم ١٠ لأني كنت شجاعة بل لأني كنت احتفظ به لمثل هذا الوقت، وها هو رقم ١٠ يسحقني."


اليوم، هو أحد الأيام التي تستيقظ فيها آلامك معك من النوم. نشيطة، تريد أن تبدأ مهمتها في تدمير أي عمل مثمر قبل أن يتحقق. اليوم، هو يوم مراجعتك لكل ما مضي والخوف مما هو قادم، وهو يوم لا تجد علي مرأي منك بشر واحد والجميع حولك بالفعل.اليوم، كبعض الأيام، تكون رأسك هي المكان، أفكارك هي الزمان وبقاؤك يعتمد علي ما تبقي من زاد طاقتك في المقاومة. وحده، شئ عظيم هو ما يستدعيك أن تخرج من دوامتك، شئ كبير في القيمة والمشاعر، كاندفاع فيضان بعد بركان ثائر.


اليوم، أخرجتني من دوامتي امرأة، امرأة مجهولة، ربما لن أراها في حياتي مرة أخري. امرأة اقتحمت رأسي بدون طرق للأبواب، بلا فرصة للمقاومة. كيف لامرأة لا تعرفني أن تقدر على ما لا يقدر عليه أقرب المقربين إلي؟ مرت أمامي بحجاب غير ساتر، غير عابئه بما ظهر للعامة من شعر أسود قاتم، ترتدي عباءة سوداء من الواضح أنها لا تناسب مقاسها، دموعها، من شدتها، قد تترك أثار علي وجهها وصرخات وإن كانت مكتومة، تحيطها بهالة تبعث استغاثة لأى كائن حي قد عاش على وجه الأرض يوماً ما.


دقيقة واحده مرت كفيلم قصير أبطاله يتحدثون بعيونهم، امرأة تبكي في وسط الطريق، في وسط طريق ملئ بالأشخاص لا تري أحد منهم، فقط تنظر في إتجاه واحد. بفضول، قررت أن أنظر في إتجاه ما تنظر إليه، إلى أن رأيت ما خرق قلبي وهز كيان وحدتي وأخرجني من دائرتي. انظر لأرى رجل، يحمل بين يديه كفن صغير، ملفوف كالحلوى الصغيرة.هي لحظة من اللحظات التي يتوقف عندها الزمن، ويتبدل المكان وتفتح عيناك بقدر لا تعود لطبيعتها مرة أخري. اليوم، رأيت امرأة تدفن مولودها، لحظة قادرة علي تدمير عوالم بالكامل وليس عالمي فقط. راقبت المشهد كطفل يرى الحياة لأول مرة. اليوم أدركت أن بعض الآلام لا يوجد كلمات لوصفها، وأن الحياة في جعبتها ما لا يمكن تخيله، وأن الخسائر حقيقة حاسمة وأن الطريق طويل ولا يجب إهدار الزاد علي ما يمكن أن يٌعوض وإن كانت الحياة ليست بهذه المثالية، فعلي الأقل، يجب أن نحاول.


اليوم، هو أحد الأيام التي يكون فيها المرء محظوظ بشكل كافٍ ليري دروس الحياة تٌعرض أمامه بدلاً من أن يعيشها. اليوم، أعرف أن الأحزان كالأسماك يأكل الكبير منها الصغير، تختفي، قد تبدو كذلك، لكنها بطريقة ما، لازلت هنا، تغذي الكبير منها.

اليوم، أنا أفضل، لن أختار رقم ١٠ بعد، سأقاوم، لدي أرقام أخري لأستخدمها في وصف ما يجتاحني. فالحياة تفاجئنا دائماً، لم ولن تتوقف، سأحافظ على زادى وأدخر رقم "١٠" ليوم آخر.

بسمة حسن

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات بسمة حسن

تدوينات ذات صلة