برغم اختلافهم إلا أن قوانين العائلة تجمعهم و تتحكم بهم وبآرائهم طقوس الزمان والمكان ويتم تعريفهم لأنفسهم من خلال انتمائهم لذلك اللقب في نهاية أسمائهم

كان ياما كان،، في قديم الزمان،، كانت هناك عائلة تجتمع نهاية الأسبوع في البيت الكبير؛ بيت الجد القاسي الحنون.

وفي ليلة من الليالي كان الكل يجلس على مائدة العشاء؛ بمختلف أعمارهم،، حواراتهم،، ألوانه،، أشكالهم و أفكارهم؛ برغم اختلافهم إلا أن قوانين العائلة تجمعهم و تتحكم بهم وبآرائهم طقوس الزمان والمكان ويتم تعريفهم لأنفسهم من خلال انتمائهم لذلك اللقب في نهاية أسمائهم واقتصار هوياتهم عليه........

كان يتخلل ذلك العشاء بعض من القصص المسلية، وبعض من الأحاديث الصاخبة.. وبين هذه وتلك ترتفع الضحكات وأصوات القهقهة تاركة صداها المأسور داخل جدران النفاق و المجاملة الكاذبة...............

- وبعد العشاء -

منهم من ذهب ليمشي في الحديقة ويستمتع بمنظر وخرير الشلال الصغير وهو يتدفق بسلاسة بين الشجيرات؛؛

والبعض منهم ذهب إلى غرفة الجلوس الدافئة؛؛ تلك الغرفة الأنيقة التي لطالما جمعتهم منذ الطفولة على الحب والسعادة...............

وعلى أنغام الموسيقى الكلاسيكية الهادئة قدمت لهم الأخت الكبرى الشاي مع قطع الكعك اللذيذة التي صنعت بحب لتزداد أجواء السهرة لطفاً، و مودة؛

قدمت أختهم الكبرى الشاي ثم ذهبت للجلوس بمفردها في غرفة معزولة و خالية من الأثاث ليس فيها سوى كرسي خشبي قديم وضعوه في الغرفة لمن يريد الصلاة جالسا من كبار السن؛؛ جلست أختهم على الكرسي وبيدها كتاب تقرأه، فقد كانت محبة للقراءة، تعشق الهدوء والتأمل، والعزلة،، كانوا يصفونها في العائلة بالأخت الكبرى غريبة الأطوار؛؛ وسبحان الله ربما تجد في كل عائلة إلا ويوجد شخص مختلف من وجهة نظرهم وبأنه لا يشبههم،، ذلك الشخص المختلف قد يكون صاحب الحكمة والتنوير الروحي لكنه لا يسلم من أحكامهم عليه والسخرية منه...............

وبعد لحظات من الهدوء الذي كان يعم الأجواء؛؛ وإذ بصوت مرتفع يصدر من جهة غرفة الجلوس ذهبت أختهم على اثره مسرعةً نحو مصدر الصوت، ورؤية حقيقة الأمر؛ وكان شجاراً دبّ بين طرفين من الجالسين؛؛ كانوا يلومون بعضهم و يصرخون على بعضهم ومن الغريب أنهم يصرخون وكل منهم بجوار الآخر؛ وعلى الرغم من قرب المسافة إلاّ أن تنافر القلوب هو السبب وراء ذلك الصراخ المبهم............

علت الأصوات أكثر و أكثر وكان الغضب مثل الشرار يتطاير من أعينهم وكان سبب ذلك شجار قديم دار بينهم على موضوع تافه صغير لايستدعي كل هذا الحقد الدفين في النفوس كان كل منهم يحتفظ بجزء من القصة في داخله ومع كل لقاء يحدث اجترار لتلك الذكريات واستحضار مشاعر الألم التي حصلت وقتها والبدء من جديد وهكذا.؛؛ لم يدعوا للحب طريق ليصلح بينهم ولم يجعلوا للحنين يد فيتذكروا الأيام الخوالي أين تلك النفوس البريئة الطاهرة التي تسامح و تصفح وترمي كل شيء للنسيان.............

صرخت أختهم في وجههم وقالت يكفي؛ يكفي ألا تملوا من هذا الصراع؟

وذهبت مسرعةً إلى تلك الغرفة الخالية من الأثاث،وأغلقت الأبواب وأخذت تبكي وتلوم نفسها لماذا أنا هنا في هذا المكان المغلف بأجمل أوراق حائط؛ والمحاط بالحديقة الغنّاء بينما يسوده من الداخل ضوضاء الفكر و التكبر و المقارنات و المجاملات؛؛ كانت تتحدث لتلك الغرفة وكأنها كانت إنسان يفهم ويحس ويرى كل شيء تلك الغرفة الخالية من الأثاث كانت إنسان يعلم أن الجمال والحب ليس في ملء المكان بل في ملء الكيان؛؛وأن في العزلة نعيم وفي الصمت حياة؛؛

ليتهم ذاقوا احساس السلام بعد المعارك التي يخوضها الفرد مع نفسه كي يزكيها؛؛

ليتهم يدركون جمال الفراغ والسكون؛

الفراغ الذي يهذب النفس ويسمو بها..

والسكون الذي يصاحب من تصالح، وتسامح، وتجاهل و تغافل..

سامح من أجل نفسك لترتاح...

تجاهل لأن لا شيء يستحق....

تغافل فإن تسعة أعشار العافية في التغافل بل هي العافية كلها................


وعدتُ من المعارك لستُ أدري علامَ أضعتُ عُمري في النّــزالِ

(غازي القصيبي)


النهاية........





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات حديث السكوت

تدوينات ذات صلة