لن يموت من نحبهم مادامت ذكرياتهم حيَّة, وستبقى ذكرياتهم حيَّة مادام هناك من يحكيها.
هل تعلم فيما يكمن جمال الأشياء القديمة؟, ليس في مظهرها المتفرد عن ما صنعه الحاضر, وليس في الغبار الذي يغطيها ويكسبها قدماً وهيبة, بل في تلك القصص التي تحملها, كل عصر خاضته وكل مناسبة كانت جزءاً منها هي قصة تسردها السنين الطويلة التي عاشتها, إنها امرأة عجوز دافئة الملامح تجلس على كرسيها الناعم المريح ترتدي نظاراتها السميكة وتحمل بيدها صوفاً وإبرة, تحيك رداءً سميكاً وبين الفينة والأخرى تلتقط فنجان القهوة المسند بجانبها وبابتسامة عذبة تسرد قصصاً لا تنتهي لأحفادها المتحلقين حولها بشغف وانتظار.
إن كل منزل قديم الطراز ماهو إلا متحفٌ آخر يروي قصص ساكنيه, في كل أركانه ذكرى, تلك الفناجين القديمة المصطفة في"النيش" الزجاجي سوف تسرد عليك آلاف القصص وستهمس لك بسعادة عن كل مناسبة اجتمعت فيها الأسرة, سيشاركها الأثاث الذي نثرت عليه السنين غبار الذكريات واتخذت منه العناكب مسكناً لخيوطها, الجدران التي عبثت بها الصدوع وغام لونها الذي كان مشرقاً في يومٍ ما لازالت تحمل في جعبتها أحاديث وضحكات قاطني المنزل, في شرفة المنزل سوف تحمل لك الريح ضحكات الجيران تارة وشجاراتهم تارة أخرى, وبينما تراقب شرفاتٍ أخرى ستدرك كم من قصة رويت ومازالت تروى في كل منزل, كم من متحف يحيط بنا لا ندري عنه شيئاً, لن يموت من نحبهم مادامت ذكرياتهم حيَّة, وستبقى ذكرياتهم حيَّة مادام هناك من يحكيها, لن تشعر بالغربة ولن ينهش الافتقاد قلبك, كلما دارت عينك كلما لمعت ذكرى في ذهنك, كلُّ صورة هي شريط مسجل سيشغله ويطفئه عقلك, كلُّ فنجان قهوة, كلُّ حائط, وكلُّ شرفة سوف تؤنسك بآلاف القصص والحكايا, ستسمعها وتشعر بها وتراها في كل ركن, لن تكون وحيداً ما حافظت على ذكرياتك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات