هل هناك مقياس للجمال؟ كيف يمكننا استخدامه؟كيف نتقبل عيوبنا ونسلم بها كجزء طبيعيٍ فينا؟

بين الفينة والأخرى أحتاج أن أثبت لنفسي أنني جميلة، أهندم نفسي وأسرح شعري مراراً وتكراراً ثم أنظر الى المرآة،ربما أفتش عن صورة لي في حفل زفاف أو تجمع عائلي كنت قد وضعتها هنا وسط دهاليز كثيرة على حاسوبي و هاتفي وفي كل مكان تطاله يدي، الآن لم يعد هذا كافياً. أطرد أشباح الماضي، وأنفض عن عقلي كلمات الاستهزاء والسخرية، لا بأس لقد ولت هذه الأيام، سأنظر إلى صورتي كم أبدو جميلة هنا، سأرتدي فستاناً وأضع مساحيق التجميل وأملس شعري الأجعد، أنا جميلة نعم سأكررها مراراً وتكراراً، سأحفظها ، سأنقشها داخل عقلي.

تهاجمني الذكريات بضراوة، تزعزع سلامي الداخلي، وتصنع تموجات على صفحة بركتي الساكنة، فأتذكر طفلة صغيرة تنزوي في ركن الغرفة بعيدة عن الجميع ولسانها يلهج بالدعاء الا ينتبه لها أحد، ألا يأخذهم الحديث لجسدها السمين، أو شعرها الذي ظهرت تجاعيده بعد زوال مستحضر الفرد، أو البقعة الداكنة التي نمت مؤخراً على جانب وجهها بفعل أشعة الشمس، أنفها الكبير وأسنانها المتباعدة، انتبهت مؤخراً كم أن معالم أنوثتها المبكرة تبدو طرفة مضحكة، لم تفطن يوماً لهذه العيوب ولم تنتبه لها سوى مؤخراً، لم تكن قد اعتادت وضع نفسها موضع مقارنة مع أحد، أما الآن لا تنفك تترصد عيوب جسدها، تنظر بانبهار لكل فتاة جميلة وتستخرج أكبر قدرٍ ممكن من الاختلافات، تكبر الفتاة ويتضخم معها شبح الماضي العتيق، يرافقها أينما حلت، مواقع التواصل كانت خصماً شرساً، يهاجمها بضراوة، كانت تستطيع أن تسمع صوت يسخر منها بينما تشاهد صورة تلك الممثلة "استخرجي الاختلافات المئة"، لن تمر دقائق حتى تراها تبحث بجنون وسط صورها القديمة على شئ يستطيع إخماد هذا الصوت.

بمقياس الجمال، على كم يمكنني أن أحصل؟، كيف يمكننا أن نقيسه؟، وأي وحدة سنستخدم؟، أظنه سيكون أكثر تنظيماً، إن أسوأ ما في الجمال عشوائيته، كونه شيئاً لا يمكننا تقييده بوزن أو طول، خاضع لتقييمات البشر وآرائهم الفوضوية، ولكن معايير الجمال التي وضعت مؤخراً جعلت تقييمه أسهل وأكثر تنظيماً، فالجسد النحيف متوسط الطول، الشعر الأملس الناعم، البشرة البيضاء الخالية من العيوب جميعها معايير ليست إلا مرادفاً للجمال، إذن عزيزتي بإمكانك الآن استخدام هذه المعايير ووضع نفسك في مقارنة معها، وحتى تكوني جميلة يجب أن تمتلكيها جميعاً أو أن ينقصك واحد من هذه المعايير فقط على الأكثر، الآن يمكننا أن نجيب عن سؤال"هل أنتي جميلة ؟" بصدق وموضوعية.

لقد سمعنا كثيراً عن جمال اختلافنا حتى التخمة، ولم يعد ينفع هذا الحديث بشئ، أنا لست هنا لأكرر الكلام ذاته، لن أخبرك أن ترغمي نفسك على تقبل عيوب لا تطيقينها، لقد بات الأمر سهلاً اليوم، يمكنك بسهولة تغيير نفسك الى الدرجة التي تجعلك شخصاً آخر تماماً، أجمل بعيوبٍ أقل.

أعلم أنني قاسية بعض الشئ،ولكنني فكرت في هذا طويلاً، أظن أن هذه العيوب ماكانت عيوباً لو لم يحاول البشر تغييرها، لو لم نبحث عن هذه المثالية المقيته التي نراها دوماً على التلفاز وفي مواقع التواصل الاجتماعي لكانت عيوب اليوم شيئاً طبيعياً، لا نخجل منه ولا نعمد إلى اخفاءه، الآن نحن نتسرب من أنفسنا ببطء، نتحول إلى نسخٍ لا نمت لها بصلة، نتغير نحو مثاليةٍ لا وجود لها، وبمرور الوقت ستتلاشى اختلافاتنا حتى نصبح جميعاً نسخاً مشوهة.

أظن أن تقبل عيوبنا أمر صعب، بالطبع لن يكون سهلاً أن نتخلص من أفكار بثت لعقولنا طوال العقود الماضية، ما أسهل الكلمات وليت الفعل يكون بالسهولة ذاتها، لن نستيقظ بين ليلة وضحاها وقد تقبلنا عيوبنا وآمنا بجمال تفردنا، كتعلم القيادة يحتاج الأمر تدريباً، عزيمة وإصرار، اذاً ماذا يمكنني أن أفعل بالتحديد؟، ما رأيك بالتوقف عن إخفاء عيوبك بمستحضرات التجميل، توقفي عن مقارنة نفسك بالصور على مواقع التواصل ففي كثير من الأحيان لا تعكس هذه الصور الحقيقة، لا تستمعي الى أراء الآخرين من حولك ولا تجعليهم مرآة ترين نفسك من خلالها، دللي نفسك واهتمي بها واستمتعي بكل يوم في حياتك.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أكثر من رائع ❤️👏🏻👏🏻

إقرأ المزيد من تدوينات أسماء القباني

تدوينات ذات صلة