هل صحيحٌ أن بعض الناس يولدون أكثر مرونة من الآخرين؟ الإجابة في هذه التدوينة.
قبل بضع سنوات، حدث موقف لم أكن لأتصور أنني سأصادفه في حياتي. كنت أرغب في مساعدة شخص أهتم بشأنه، شخص مريض بمرض كان يخفيه. ذهبت إلى منزله، عازمة على عملية إنقاذ ستنتهي -بحسب ما أعتقدت- برحلة إلى غرفة الطوارئ. لكن عوضًا عن ذلك، انتهت برحلة إلى المشرحة.
ما وجدته عندما وصلت هو زوجي،. ميتًا على أرضية حمامه. وأما المرض الذي كان يُخفيه: إدمان المخدرات!
كان -بلا شك- الحدث الأكثر صدمة في حياتي، ليس لي فحسب. كان لدي طفلان مراهقتان في ذلك الوقت ، اللتان شهدتا انتحار والدهما البطيء دون إرادتهما. وقد استغرقت تسوية ممتلكات زوجي السابق مني عامين، واصلت خلالهما العيش في وضع أشبه: بحالة طوارئ مستمرة.
في ذلك الوقت، اعتقدت أننا لن نتعافى حقًا، وأن حياتنا ستكون دائمًا ملوثة بهذا الحزن الرهيب.
لكن الآن، وبعد حوالي خمس سنوات، نحن بخير (أو كنا كذلك، حتى وقت قريب، عندما بدأنا مع بقية العالم نعيش أزمة كورونا).
اتضح أن الوقت المرعب في حياتي كان تدريبًا جيدًا على الوباء، والاضطراب السياسي والاجتماعي، وعدم اليقين الاقتصادي والمالي. علمتني التجربة أنني لا أعلم حقًا ما الذي سيحدث بعد ذلك، لكنني الآن أكثر قدرة على التحكم في تفكيري. لدي القدرة على التعامل مع المزيد من صفعات الدهر الجائر و سهامه غير المتوقعة في الحياة، ولقبول الصعوبات التي أواجهها ومواصلة الحياة، على الرغم من أنه قد يكون صعبًا.
هل صحيحٌ أن بعض الناس يولدون أكثر مرونة من الآخرين؟
تعتمد كيفية تعاملنا مع الأزمات والصدمات -ولدى الفيروس التاجي العديد من خصائص الصدمات النفسية لأننا عاجزون عن التنبؤ به أو السيطرة عليه)- إلى حد كبير على مدى مرونتنا.
المرونة هي القدرة على التعافي من التجارب والنكسات الصعبة والتكيّف مع الوضع الحالي ، والمضي قدمًا في الحياة، بل وتنمية شخصياتنا في بعض الأحيان. وهي تنشئ عن مجموعة من المورثات والتاريخ الشخصي والبيئة وسياق الموقف. (وإن كان الجزء الجيني أقلّها تأثيرًا).
تقول د. كاريستان كوينن، وتشغل منصب بروفيسور علم الأوبئة في جامعة هارفارد:
"أرى أن هناك سمات مزاجية أو شخصية -مثل عشق المخاطرة، أو الانطوائية- تتأثر بشكلٍ كبير بالعوامل الوارثية".
وتدرس البروفيسور كوينن آلية تشكيل الجينات لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. فتقول:
"نعرف جميعًا أشخاصًا لا يعكر صفو مزاجهم شيء، ويعوض الفضل في ذلك لجيناتهم المسؤولة عن جوانبهم الفسيولوجية".
يبدو أن (تاريخ حياة الفرد) الأهم من ذلك بكثير!
إن العامل الحاسم للمرونة - والذي تمت ملاحظته في كل بحث أو دراسة للمرونة تقريبًا في الخمسين عامًا الماضية- هو جودة علاقاتنا الشخصية الوثيقة، خاصة مع الوالدان. تلعب الارتباطات المبكرة بهم دورًا حيويًا في التكيّف الإنساني والذي يمتد مدى الحياة.
يقول بيسيل فان دير كولك، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بجامعة بوسطن، والذي كان يدرس اضطراب ما بعد الصدمة:
يُعدّ استشعارك للحب في مرحلة الطفولة مؤشرًا جيدًا على كيفية إدارة جميع أنواع المواقف الصعبة في باقي حياتك.
ويذكر أيضًا أن الدراسات على المدى الطويل أظهرت أن للسنوات العشرين الأولى من حياة أحدنا أهميتها الخاصة، حيث يقول:
الصدمات المختلفة في مختلف الأعمار لها آثارها الخاصة على تصوراتنا وتفسيراتنا وتوقعاتنا؛ في الواقع، فهي ما يصقل أدمغتنا بشكلٍ كليّ.
يمكنك اعتبار المرونة على أنها مجموعة من المهارات التي يمكن تعلمها. وذلك عبر التعرض لتجارب صعبة للغاية -ولكن يمكن التحكم فيها- مثل تلك التي مررت بها أنا وأطفالي.
ليست كل الضغوطات سيئة
هكذا يصفها د. ستيفن م. ساوثويك، الأستاذ الفخري للطب النفسي واضطراب ما بعد الصدمة في كلية الطب بجامعة ييل الأمريكية، والمؤلف المشارك لكتاب "المرونة: علم إتقان أعظم تحديات الحياة - Resilience: The Science of Mastering Life’s Greatest Challenges"،حيث يقول:
إذا استطعت التأقلم مع كل ما يحدث في العالم من حولك، فستكون أقوى عندما تصبح على الجانب الآخر.
تعتمد كيفية مواجهتنا على حيلنا لاكتساب المرونة. بالنسبة للبعض، مثل زوجي السابق فحيله لا تتجاوز جرعة مخدرات. بالنسبة للآخرين يمكن أن تكون: الإفراط في تناول الطعام أو القمار وأخيرًا وليس آخرًا: التسوق. والمشكلة أن هذه "الحيل" لا تعزز المرونة!
هل تتسائل عن الحيل التي تُعزز المرونة فعلًا؟ إذًا، ستُعجبك التدوينة القادمة بالتأكيد.😉
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات