مقال يتحدث عن طبيعة الفرص في حياتنا وطريقتنا في التعامل معها

القلب قد يعتصر ندماً مرتين؛ الأولى حينما يشعر؛ إذ أنه يشعر مسبقاً أنه على وشك فقدان فرصته الأخيرة لقول شئ ما مهماً ومختلفاً لأحدهم، والثانية وهي الأصعب حينما يفقد فعلياً تلك الفرصة الثمينة.دعني أتخطى السؤال عما تلاقت حياتك هذة الخيبة من قبل أم لا؛ لأنه لا يحمل إلا إجابة واحدة، وأسألك؛ كم مرة عقدت النية لقول شئ أو زيارة شخص ما وإنتهى الأمر قبل بدايته!الحياة قصيرة بأوقاتها ومسافاتها لكنها تدفعنا باللحظة التي نتخذ فيها القرار إلى السنين العديدة بأيامها الخمِلة،أتذكر المرة الوحيدة التي ألحت فيها جدتي للمبيت عندها، تلك الليلة الحزينة التي كانت الأخيرة لها في دار الدنيا، حينها تحججت بالاشئ للرفض ولا أتذكر هل لو كان يوماً غير هذا ماذا سيكون جوابي؛ إذ أن القرارات القاسية غالباً تُتخذ في مثل هذه مواقف.تعريف الفرص في الحياة هو أن تتراجع عند الخط الفاصل ما بين الشئ والندم عليه، أن تنحرف بعيداً عن المسار قبيل الوصول، أو إعمال العقل في مواقف لا تتطلب إلا قراراً نابعاً من قلبك الصافي.كنا ولازلنا نحتاج قلباً شجاعاً يدرك الفجوة اللي يصنعها كِبر النفس، ندرك أن القلب الذي يتثاقل بالكِبر يكرة ويمقت بسبب وبلا سبب، ويندم مع كل نتيجة، هذا ليس معناه إسقاط القيمة إطلاقاً لكنه يخاطب المبالغة في العناد والكِبر من أتفه المواقف.أو نحتاج قلباً شجاعاً لا يبالي بفوبيا ردة الفعل، ألا يتوقع الأسوأ دائماً فيترك نفسه لأسوأ الأسوأ وأن يعيش عالقاً بين ما يريد وما يخافه، تخيل أن تموت قبل أن تعرف الحقيقة؛ أو أن يموت الشخص الأخر وهو يحمل إليك عتاباً قاسياً عن الخطوة التي رفضت أتخاذها!.أحببت جوليا كثيراً، تعلقت بكل شئ تحبه، أظهرت إهتماماً يمكنك أن تميزه وسط زحمة الأصدقاء، لم أصارحها بشئ ولم أقل شيئاً غير تلميحات الأغانى التي كنت أُرسلها لها ليلاً، من الصعب أن تشفق عليك نفسك وأنت تتوهم مشاعر زائفة من أحدهم، هي ليست زائفة بقدر أنها مجهولة الحقيقة.كانت تجيد التلاعب بأسوء ما في من غيرة وغضب، فتتودد معهم أمامي كي أُحرك ساكناً، لكن هيهات، فقد كان شعور الخوف من خسارتها للأبد أضعاف هذة الغيرة اللعينة.تعلقت في هذة الحالة بين هذا وذاك، حتى أتتني وهي تصارحني بأن أحد ما بادرها ووافقت، لا أنسى نبرتها وسعادتها اللئيمة وهي تقول لي ذلك، كأنها تود أن تقول أنها تأخرت كثيراً في الإنتظار، إنتظار لشخص جبان يعيش ألماً من سر لا يقوى عليه.بالتأكيد هذا لم يكن له وقع أصعب من فقداني لجدتي أو صديقي الذي رحل دون أن أصارحه أني أحبه كثيراً، وأن ما اختلفنا بشأنه هو أتفه من أن نتجادل عنه، وأنني كانت تسرني نجاحاته كثيراً.أن ينتظر كلانا بشئ من الكِبر أن يبادر الأخر بالسؤال شئ ساذج وها نحن إنتظرنا الأيام والليالي حتى سرقت الأيام أحدنا، وبالتأكيد الصورة المرفقة ببعض الكلمات المورّدة في ذكرى ميلاده لم تكن كافية، أتعجب من هذة الأفعال كثيراً، هل سيكون لهذة الكلمات الباردة نفس الأثر لو هاتفته أو هاديته، لماذا دائماً نتخذ الطريقة الخاطئة لإظهار مشاعرنا لأحدهم!، هل حاصرتنا وسائل التواصل الزائفة هكذا!، الطريق إلى قلوب الناس أقرب كثيراً من تلك الوسائل، فحينما تتلاقى النفوس تتلاقى القلوب.لا نعلم كم من الفرص تبقى لدينا ولكنها قد تكون الأخيرة القادمة، قد تكون الأخيرة لنأتنس بصحبة أجدادنا والظفر بشئ من كنز تراث خبراتهم، أو مهاتفة صديق لم أحدثه منذ المباراة الأخيرة التي تشاجرنا بسببها، قد تكون الأخيرة للخروج مع أصدقائي بعد الإعتذار مراراً وتكراراً بلا سبب، وقد تكون الأخيرة للسفر لرؤية جمال النوبة ويساطة الحياة هناك؛ بالتأكيد هي أقرب كثيراً من زيارة باريس، وقد تكون الأخيرة لقول شئ ما مهماً ومختلفاً لأحدهم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد عبدالرحمن

تدوينات ذات صلة