يُعرف المرء من أفعاله ، لا أقواله. تصيح الديوك كل صباح وما زال الصباح التالي مماثل لسابقه.

فى تمام التاسعه صباحا ، وبينما يعم الإزدحام طريق الدائري ، وبينما ينعي مثني حظه لأنه سيتأخر علي ميعاد الامتحان ، طائره محلقه فوق الطريق كانت متجهه للهبوط في مطار القاهره الدولي ينفجر المحرك الأيمن للطائره ، مما أدى الى إنعدام التوازن والسقوط مباشرة علي الطريق المزدحم. هنا وقد بدأت الكارثه ، الجميع يهربون من سياراتهم ، يتصادم الجمع الغفير، ولا يجد الجد أحداً يأخذ بيده بعدما سقط علي الارض. تنفجر السيارات المتصادمه ، ولا تفرقه بين مركاتها ، وقت الكارثه الكل سواسيه أمام نيرانها. لم يفلح الكثير في الهرب ، فمنهم ما انتهي بين السيارات المنفجره ومنهم من انتثر عليه البنزين المشتعل. مثني وقله من البعيدين عن الانفجار هرولوا لمساعده من يحاولون الهروب ، وإطفاء البنزين المشتعل الذى إنتثر عليهم ، البعض باستخدام الطفايات والبعد الاخر يحول كتم النيران بالجاكت الخاص.

فوق إحدي السيارات علي مرمب البصر يجلس نهشل يشاهد كل ما يحدث ويقول ساخراً: اتسخت ملابسك أيها الأحمق ما فائده أن تُنجد أحداً من موت محتم ، دعهم يدفعون ثمن تأخرهم في الهرب ، يجب أن يكون ثمن التباطئ غالياً كالموت.

ينغز أحدهم كتف مثني -الناظر حوله بزهول الباحث عن مصدر صوت يسمعه وكأنه ملازمه- ويقول: إما أن تساعد أو تبتعد عن الطريق ولا تعركلنا.

اخراً تصل مروحيات الإطفاء والإسعاف ، ويبدأ نقل أصحاب الإصابات الخطيره أولاََ إلي المستشفيات. منذ البداية ويغمر مثني هدوء تام يُتعجب منه إذا لُوحظ ، يتحرك في صمت تام ولا يظهر علي وجهه الفزع أو حتى شيء من القلق بسبب ما يدور حوله. هو تناقض يمشي علي الأرض هرول لنجده الناس من موت محتم ، وما لا يعرفه أحد أنه لا يبالي أبداً إذا ماتوا جميعاً. ”أليس مخيفاً فكره أن تتناقض المشاعر داخلك في ذات اللحظة؟“

يتفقد مثني ساعته ، فيكتشف أنها الخامسه عصراً ويفترض منه أن يكون في الشركة في تمام الرابعة والثلاثين دقيقه. طرفي الطريق مغلقين بسبب الحادث يسرع مثني بالعوده سيراً إلى مقف السلام حتي يستقل الباص إلى الشركة ، يستغرق السير منه حوالي تسعين دقيقه ، وفور وصوله إستقل الباص الي الشركه ، يصل إلي الشركه وأول من يقابله فور دخوله المدير نفسه.

المدير: لماذا هذا التأخير ؟

مثني: حدث كذا وكذا ، وبدأ بشرح تفاصيل ما حدث.

يقاطعه المدير: لا شأن لي بكل هذا الهراء الفارغ ، موعد عملك هو الرابعه وثلاثين دقيقة ، انا لا ادفع لك حتي تقوم بأدوار الآخرين.

يرد مثني غاضباً: وهل كان من المفترض تركهم!

المدير: مهما يكن خليهم ينفعوك. أنت مفصول.

يقول له ذلك ويرحل ، ولا يعطي له فرصه لقول أي شيء.


وقع قرار الطرد عليه وقع الصاعقه ، وجهٌ شاحب ودموع تأبي الهطول جلس مثني في مقهي الشركه ، يشعل سجارته ، يمر الوقت ، يغرق في التفكير ، بعد فتره يعود إلى رشده ليشهد أن اصحابه يجلسون في نفس المقهي معه لكن علي منضده أخري ، لم يكترث مثني للأمر لأنه بكل بساطة يعرف المبرر. دفع الحساب وترك قهوته التي بردت دون ان يحتسي شيء منها.


نهشل: هكذا هي الحياه ، ”العشم مشنقة صاحبه ، سيرحلون وكأننا لم نكن أصدقاء يوماً"

أنت لم تتغير بعد كل ما حدث طيله هذه السنين ، أتذكر ماذا قلت أنت في الثامنه؟

أنسيت!

لاذكرك ، عندما كانت أول كتاباتك ”وسعت رحمته كل شيء إلا أنا“

لماذا مازلت تهرب من الحزن والخوف التناميين داخلك؟

دائما ما سيلزمك العشم أن تنسحب في خفاء ، إنسحاباً يلغي أنك كانت هناك يوماً ، إنسحاباً يدفن كل الأخطاء التي جعلت منك غريباً علي نفسك ، لا يحق لك أن تتهم غيرك زورا وبهتاناً ، أنت أسوء شخص في حياتك ، أنت أسوء شيء حدث لك. يكفي أن تنتهي غربتك علي نفسك ، لماذا ترفض ان ينتهي الندم داخلك ، أسوء المسالك هو مسلك الندم ، وانت أسوء السالكين وأكثرهم قصوه علي نفسك.

اسمعني يا مثني ، أثني الناس عليك لضعفك ليس لنقائك ، الناس يحبون من هم أقل منهم ، فهذا ينعش كبريائهم ، توقف عن إعطاء قيمة لمن هم أحقر مما قد يخطر علي بالهم.

مثني: مهما تغير الزمان وداقت الحيل سيبقى في الدنيا سلامٌ وظلال ، مازال بين الناس كِرام ، تزينوا بالحياء وما أرهقهم حديث الحاقد السفيه.

نهشل: ثرثر ثرثر ، إستمر في هذا الهراء ما حييت ، في عالم إنتشر فيه الفساد ، وإنعدم فيه التراحم ، لا يأمن فيه الأخ غدر أخيه ، ولا يجد فيه الضعيف نصيراََ ، إختار الجميع نفسه ولم يبالي ، لأنك إن ساعدت احداََ وأزيت بسببه سيقول لك -إذا اشتكيت الضرر الذي وقع عليك بسبب مساعدتك له- لم أطلب منك شيء حل مشاكلك بنفسك. الغالبيه منا تعرضوا للخزلان وليس هناك أحد منا مستعد لخزلان جديد ، لذلك لا أحد أبداً سيضحي محاولاََ مساعدتك.نحن في زمان يحكمه الخوف ، ومثال علي ما أقول ، نيره أشرف ، لم يتدخل أحد بإستثناء حارس الأمن الذي امسك القاتل من الخلف -ليس من الأمام- الكل خاف علي نفسه أن يتعرض للطعن كما حدث لها ، الكل خاف أن يتأذي بأي صوره ، كما قلت نحن نعيش في زمان يحكمه الخوف. الجميع يسأل لماذا لم يتدخل أحداٌ من من كانوا حولها؟ وأنا أسأل ، هل كنت لتفعل إذا كنت مكانهم؟ الجواب يكون رد فعل وقت الحادثه وليس شعارات كاذبه ناتجه عن عاطفه كاذبه.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد الغازي

تدوينات ذات صلة