لا يُستغنى عن السنّة بالقرآن ولايستغنى عن القرآن بالسنة.
ويُطلقُ هؤلاء على أنفسهم اسماً براقاً وهو ( القرآنيون )
وهو اسم بريء منهم، والبعض قد ينخدع به لجماله.
وهم على قولهم أنهم يأخذون بالقرآن فقط ويتركون السنة ، وربما أخذوا ببعض الآحاديث التي توافق هواهم فقط وتركوا مابقي وإن كان في الصحيحين ، وإن تواترت روياته .
وهذا الكلام قد حوى كفراً وجهلاً :
أما الجهل فكيف يعتقدون بالقرآن فقط دون الحديث والذي جمع القرآن هم الصحابة ، والذي أُخذَ عنهم الحديث هم الصحابة أيضاً.
ثم أنهم كيف يدّعون أنهم يأخذون كل مافي القرآن ، ولايأخذون بالسنة ، وهو تناقض عجيب وغريب لايدّعيه إلا جاهلاً بهذا الدين ، والسبب أنه ورددت آيات كثيرة في الحثّ على اتباع الرسول وطاعته ، فكيف نعرف كيف نطيعه دون سماع أوامره والعمل بها ؟ ، وسيأتي تفصيل هذا إن شاء الله.
وأما الكفر فالآيات التي سيأتي ذكرها إن شاء الله التي فيها الأمر على اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم والامتثال لأمره والطاعة لنهيه واضحة في الحكم ، ولايجوز ردها ومن ردّ آيةً من كتاب الله فهو كافر.
القرآن الكريم الذين ينبسون أنفسهم إليه قد أمر وحثّ
على اتباع السنة النبوية الشريفة في آيات كثيرة ولو تدبروا لعقلوا ، ولكن طُبع على قلوبهم ، وقد قال أهل العلم فيهم أنهم كفرة ، وفعلهم ردة عن دين الله ، لردهم آيات من كتاب الله في اتباع الرسول ، ومن رد آية واحدة في القرآن فقد كفر ، فكيف بمن رد آيات اتباع الرسول كلها ، وهي كثيرة .
نقول لهم أولاً قبل ذكر بعض الآثار :
كيف عرفتم أن الصلاة في اليوم والليلة خمس صلوات ، وكيف عرفتم عدد ركعاتها ، وكيف عرفتم ماذا تقرؤون بها؟ وهي أصلاً لم تذكر في القرآن وقد ذُكرت في السنة فقط ، وغيرها كثير من تفاصيل العبادات المشروعة .
وكيف تقولوا في قول الله سبحانه وتعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر7).
وماذا تقولوا في هذ الآية من كتاب الله الذين تزعمون أنكم تتبعون وتُصدّقون كل ماجاء به،عندما قال سبحانه وتعالى:
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ۖ} (النساء - 80).
كيف تكون طاعة الرسول ﷺ بدون اتباع سنته ؟ إن هذا إلّا عبث عابثين، والله المستعان .
ونقول لهم : عن هذه الآية الكريمة ؟
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل - 44).
أم هي لم تصل إليكم ؟
وبذلك أتت السنّة مُبينة للقرآن الكريم ومفسرة ، فلا يُستغنى عن السنة بالقرآن ولايستغنى عن القرآن بالسنة.
قال البغوي : ( أراد بالذكر الوحي ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً للوحي ، وبيان الكتاب يطلب من السنة ) .
وقال الطبري : ( وأنـزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم ، ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ) يقول: لتعرفهم ما أنـزل إليهم من ذلك ) .
وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ}
( ٥٩ النساء ).
وعن الحسين قال : ( ألا إن من شرار الناس أقواماً قرؤوا هذا القرآن لايعملون بسنته ).
وقال إسماعيل بن عبيد الله : ( ينبغي لنا أن نحفظ ماجاءنا عن رسول الله ﷺ ، فإن الله يقول : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ} فهو عندنا بمنزلة القرآن)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أيُّ الناسِ خيرٌ ؟ فقال : أنا ، والذينَ معي ، ثم الذينَ على الأَثَرِ ،ثم الذينَ على الأَثَرِ)
الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعن ابن عطية قال : ( كان جبريل ينزل على رسول الله ﷺ بالسنّة ، كما ينزل عليه بالقرآن ، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن ) رواه الدارمي .
قال مكحول : ( القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن)
وقال : ( السنة سنتان : سنة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيرها حرج ، وسنة الأخذ بها فريضة ).
قال عبدالله بن عون:
ثلاث أرضاها لنفسي ولإخواني:
_أن ينظر هذا الرجل المسلم القرآن فيتعلمه ويقرأه ويتدبره وينظر فيه.
_والثانية أن ينظر ذاك الأثر والسنة فيسأل عنه ويتّبعه جهده.
_والثالثة أن يدَع هؤلاء الناس إلا من خير) السنة للمروزي.
وعن يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه قال :
( السنن السنن ، فإن السنن قوام الدين ) .
وأحسن من هذا قول رسول الله ﷺ : ( ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَهُ معهُ ، ألا يُوشِكُ رجُلٌ شبعانٌ على أريكتِهِ يقولُ عليكُم بِهذَا القُرآنِ فما وجدتُم فيهِ مِن حَلالٍ فأحلُّوه وما وَجدتُم فيهِ مِن حرامٍ فحرِّمُوه ، ألا لا يحلُّ لكُم لحمُ الحِمارِ الأهليِّ ، ولا كلِّ ذي نابٍ من السَّبُعٍ ، ولا لُقَطةِ معاهَدٍ ،إلَّا أن يستَغني عَنها صاحبُها ، ومَن نزل بقومٍ فعليهِم أن يُقْرُوه ، فإن لَميُقْرُوه فله أن يُعْقِبَهُمْ بمثلِ قِرَاه ) رواه أبو داود والحاكم.
ونسأل هؤلاء أيضاً : أين تجدون في كتاب الله من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن عشرين ديناراً نصف دينار ، ومن جميع أحكام الزكاة أين تجدها في كتاب الله وكذلك جميع تفاصيل فرائض الله التي فرضها في كتابه لانعلم الحكم فيها إلا من سنن الرسول ﷺ.
وقد روي عن نبينا ﷺ وعن صحابته مثل ذلك ، قال رسول الله ﷺ : ( لاألفينّ أحدكمْ متكِئا على متكَئا يصلُ إليهِ عنّي حديثٌ فيقولُ لانجدُ هذا الحكمَ في القرآنِ , ألا وإنّي أُوتيتُ القرآنَ مثلهُ معهُ ) رواه أبو داود .
وعن عمران بن حصين أنهم كانوا يتذاكرون الحديث فقال رجل: ( دعونا من هذا وجيئونا بكتاب الله ،فقال له عمران:
إنك أحمق ، أين تجد في كتاب الله الصلاة مفسرة ، أتجد في كتاب الله الصيام مفسراً ، القرآن أحكم ذلك، والسنة تفسره)
رواه ابن بطة .
قال ابن تيمية رحمه الله : ( من ظن أنه يأخذ من الكتاب والسنة دون أن يقتدي بالصحابة ويتبع غير سبيلهم فهو من أهل البدع ).
وكلامه رحمه الله بمن يأخذ بالكتاب والسنة دون فهم الصحابة لها ، فكيف بمن يأخذ بالكتاب ويترك السنة ؟
لاشك أنه في ضلال كبير …
ثم إنه لمن علامات أهل البدع الوقيعة والطعن في أهل الأثر.
ومن أفضل من أهل الأثر .. ؟
رحم الله الشيخ الألباني، فقد قال : ( من لايعرف السنة لايمكنه أن يعرف البدعة ) .
صدق والله ..
كيف يمكن لشخص أن يعرف أن فعله بدعة إذا لم يكن عنده علم بأفعال وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن النجاة من البدع التي بيّنا سابقاً أنها أشد من الكبائر
لايكون إلا بتعلم السنة ونصرها والغيرة عليها واتباعها.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات