كسائر ليالي الشبه منيرة؛ أحمل قلمي المرخم وأفرغ ما بداخلي وأكتب؛ لكن عمن سأكتب ؟

هذه أنا؛وهذا قلمي؛ رفقة مذكرتي السوداء في غرفة تلملم أشيائي المبعثرة وكأنها تعيد تشكيلي. جلست كعادتي أفرغ ما بداخلي وكأنه جبل قش لا نهاية له. حملت قلمي لأكتب وأنتقد كعادتي؛ وعند الخاطر الأول؛ سألت نفسي عماذا سأكتب وعمن سأكتب ؟


عمن سأكتب؟ عن النادل في المقهى الذي اعتدت الجلوس فيه؛ بزيه الأسود وقميصه الأبيض . النادل الذي لا ينفك يراني حتى يبتسم؛ لا أدري لم. هل طيبة منه أم مجرد بروتوكول عمل يجبره على الابتسام صباح مساء من أجل سمعة المقهى. النادل الذي يحضر لي قهوتي كما أحبها تماما مع قطعة شوكولاطة صغيرة تارة على شكل قلب وتارة أخرى على شكل فراشة وكأنه يعلم أني أعشق الفراشات.


عمن سأكتب؟ عن سامية عاملة المخبزة؛ ألاقيها كل صباح وتضحك لي مع ابتسامة عريضة وكأنها ترى في صورة بنت من بناتها؛ رغم العياء الشديد الذي يعلو جسمها والسواد المزرق الذي يحيط بعينيها العسليتين. سامية التي تحمل مسؤولية أكبر منها بعد أن توفي زوجها وترك لها بناتا لترعاهم بلا مأوى ولا باب يقفلونه عليهن؛ وهي كانت لا تزال في مقتبل العمر؛ رغم ذلك كرست حياتها من أجل أن تضمن مستقبلا مشعا لبناتها .


عمن سأكتب؟ عن الرسام؛ زيد الشاب العشريني المبدع الذي يترجم كل شيء في داخله إلى لوحات تكاد تحبس الأنفاس. لوحات تجرني وتأخذ مني وقتا كثيرا حتى أفهمها ولكنها تأسرني بجمالها وإحساسا؛ من قال أنه نحن البشر فقط من نملك أحاسيسا. زيد الشاب الذي رسمني في يوم من الأيام رغم أنه لا يملك صورة لي؛ لوحة انبهرت يوم سلمها لي؛ عانقتها وكأني أعانق ذاتا أخرى غير ذاتي؛ أحببت نفسي كثيرا وهو كان أكثر سعادة مني لأنه حفظ تفاصيل وجهي بكل منحنياته حتى أنه انتبه لغمازتي اليمنى التي لا تلمح بسهولة.


عمن سأكتب؟ عن الطريق الذي حفظت تفاصيله الصغيرة والكبيرة منه، الطريق الذي أتمشى فيه مساءا رفقة فنجان قهوة وموسيقى هادئة؛ من أجل استعادة نفسي وترتيب أفكاري التي تبعثرت على طول اليوم. الطريق الذي يضم عند ملتقاه حديقة كبيرة خضراء بأشجار عالية وعشب يمتد على مسافة تحد البصر. طريق يتحمل خطواتي المسرعة تارة والبطيئة تارة أخرى.


عمن سأكتب؟ عن مذكرتي السوداء، التي تحمل كل أحاسيسي وأفكاري؛ تكشفني عن نفسي وكأني أمام مرآة تعكس صورتي على حقيقتها. مذكرة تحمل يومياتي؛ تطلعاتي؛ نجاحاتي وإخفاقاتي. تخبئ بين طياتها كل ما يمكن أن يطور مني ويجعلني أقوى وأقوى من نفسي القديمة. مذكرة تجمل كل أيامي وتحملني على التفاؤل والانسجام مع حياتي اليومية.

عقلي لا يعرف لحاله سبيلا من كثرة الأفكار



هذه أنا؛ وهذا قلمي؛ لا زلت لا أعلم عمن سأكتب. صفحتي بيضاء وقلمي مداده يكاد يجف. وعقلي يكاد لا يعرف لحاله سبيلا من كثرة الأفكار. يداي تتعرقان وكأني خائفة، قلبي دقاته متراقصة ووجهي حمرة تعتليه وكأني خجلة من مذكرتي. وإلى الآن السؤال لا يزال قائما؛ عمن سأكتب؟



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات زينب الكامل

تدوينات ذات صلة