في هذا المقال أتناول الجانب الإنساني للشاعر الراحل أمل دنقل كما أوردته زوجته ورفيقة رحلته الكاتبة عبلة الرويني في كتابها: الجنوبي

"كلّ غرف معهد السرطان كان يسكنها يأس، إلا الغرفة رقم 8 كان يسكنها أمل".

هكذا قالت الكاتبة الصحفية عبلة الرويني في كتابها الجنوبي عن زوجها الشاعر الراحل أمل دنقل، الذي كان يواجه المرض في مرحلة متأخرة بمعهد السرطان، زوجها الذي كانت بداية معرفتها به عندما أجرت معه حواراً صحفياً للنشر في جريدة أخبار اليوم، تحولت تلك المعرفة العابرة سريعاً إلى صداقة، والصداقة إلى زواج.

تقول عنه في الكتاب الذي حمل اسم إحدى قصائده "إنه صخري، شديد الصلابة، لا يخش شيئاً ولا يعرف الخوف، لكن من السهل إيلام قلبه .. تاريخ معتقداته حافل بالعصيان، لكنه غير ملحد"، وكان أمل دنقل من الوضوح إلى الحد الذي وصفته به زوجته بأنه : "يتلف الألوان جميعها ليظل الأبيض والأسود وحدهما في حياته .. يحب أو يكره، يبارك أو يلعن، هارب دائمًا من كل مناطق الحياد التي تقتله".

وقفتُ كثيراً أمام هذا الوصف، أجده في ذلك شديد الشبه بالرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي في رسوماته التي خلت تماماً من تلك المساحة الرمادية، التي تسمح أحياناً للمرء أن يكون بين بين أو موافق بشروط ومع تحفظات، كان أمل دنقل شديد الحرص على تلك المباديء وذلك الوضوح، فمن كتب لا تُصالح، والبكاء بين يديّ زرقاء اليمامة، وكلمات سبارتاكوس الأخيرة وقصيدة سفر التكوين وغير ذلك لا يمكن أن يكون محايداً، وكان قوياً متماسكاً في مواجهة المرض عندما بلغ الخوف مبلغه من شريكة حياته وجميع أصدقاؤه بل وطبيبه المعالج الذي نهره لأنه أهمل في المتابعة لمدّة عام كامل حتى تمكّن منه المرض وأصبح التدخل الجراحي لا يفيد، وكان يقول لزوجته عندما يتمكّن منها الفزع في أيام مرضه: "حين ترينني عاجزاً تمني لي الموت. فهو رحمتي الوحيدة".

كان على تلك الدرجة من الجلَد حتى أنه كان في أيامه الأخيرة ينتزع بنفسه بعض أسنانه بالكمّاشة، لم يمنعه ذلك من البكاء تأثراً بمرض الطفل كريم، صديقه في معهد السرطان، متسائلاً وفي قلبه لوعة: "ما الذي جناه طفلاً في الرابعة ليسكنه هذا العذاب؟"

كان أمل قويّاً في مواجهة المرض والمواقف الصعبة والأخبار السيئة، والخُذلان، وكان شجاعاً في مواجهة الموت.. تصِف زوجته تلك اللحظة في نهاية كتابها فتقول:

"كان وجهه هادئاً وهم يغلقون عينيه

وكان هدوئي مستحيلاً وأنا أفتح عينيّ

وحده السرطان كان يصرخ

ووحده الموت كان يبكي قسوته".



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات زهراء محمد رضا

تدوينات ذات صلة