مناقشة مشكلة الغضب ومعرفة صلتها بالمتطلبات الحياتية والمسؤوليات وإذا ما كانت الضغوط دافعاً للغضب
هل تكون الضغوط دافعاً للغضب واستعار الكلمات الجارحة والمؤذية ؟
ربما لا تنفد متطلبات الحياة ومسؤولياتها المتراكمة ولا تدخر الضغوط جهداً في أن تلقي بأحمالها فوق أفكارك وخواطر روحك يصبح الجواب الوحيد الذي لا يخلو منه أي حوار ومناقشة (إنها ضغوط الحياة )
وهذا هو جوهر العيش أن تظل متقلباً بين الدوائر تُخلص نفسك من واحدة ثم تنهمك بحل نفسك من الأخرى تغوص فتجرب العمق تارة والطفو تارة تقتطف من كل شعور معنى .. تتراص المعاني فتصنع لوحتك التي تكون نافذة نَطّلع منها على صفاتك ومعادنك وقيمتك الحقيقية
الكثير منا يَنسِب الغضب إلى التحديات التي تشغله ويتخذ منهجاً في التعامل معها بأن يُدخل في المعادلة شخصاً يعكس عليه لوحته الداخلية أو يخلق عالماً موازياً أو مبرراً منطقياً يتناغم مع تلك التصرفات.. يوهمه إدراكه في كل هذا أن الراحة التي يبتغيها والقدرة على الإلهام والاستمرار تنبع من تلك الحلول.
ربمالأنه يشعر بأن الغيمة قد انقشعت وأن الجبل أصبح فراشةً بعد كل تطبيق لتلك النظرية فيشعر بأن الكلمات التي يصرخ بها في وجه أحدهم تجعل ساحة فكره فارغة فيستطيع أن يضع بها محتوى جديد وكلمات جديدة يمكن أن تجعله أفضل.
المرء لا يسمع لكل تلك الخطوات التي يعبر من خلالها السلوك وإنما ينصب اهتمامه و يلتفت دائماً إلى النتيجة النهائية .. وهو شعوره بالراحة والسعادة حيال هذا أم لا؟
لكن مع مرور الوقت تصبح تلك الحيل غير مشبعة وهنا يصبح المرء بين سندان الغضب وعواقبه ومطرقة الحلول.
يصبح أكثر تقبلاً للأمور اللامنطقية أو بالأحرى المبالغة يصبح صبره وتوتره وغضبه أكثر.. تستثير أقل الأشياء حفيظته.. يكون أكثر انتباهاً لأدق الأمور رغبةً في أن تكون مثالية بشكل يبعده عن الغضب. يهرب من الغضب بالغضب
هل الضغوط المتهم الأساسي في هذا؟ الإجابة هي لا
الغضب شعور إنساني بحت لكن متى يكون حقاً أصيلاً ومتى يكون تطرفاً وانحرافاً؟
كباقي المشاعر والمكونات التي تََبرُق بها الحقيقة الإنسانية يمكن لكل شيء أن يُطَوع لك ويعطيك طيب ثمره مادمت لم تتجه إلى المبالغة.
الغضب هو أحد المعابر التي يمكن أن تشرح بها سأمك من شيء ما واعتراضك وضيقك مما لا يناسبك.. وزمجرتك مما لاتحب وتضيق منه ذرعاً وكذا التعبير عما تكره .. يظل حقاً إنسانياً أصيلاً مادمت تعبر عنه بالطرق الصائبة.
وهنا ننتقل إلى الإشكالية والنظرية الخاطئة التي ترسخت في الأذهان بشكل ما أو بآخر
هل الصوت العالي والإيذاء هما الطريقتين الوحيدتين للغضب ؟
الغضب بمفهومه الصائب أكثر تنوعاً وإسهاماً وشمولاً
تستطيع أن تجعله في حوار هادئ في شكل جمل تعبيرية واضحة صريحة.. أونصيحةً مزينةً باللطف والبيان
أو صمت جاد وصيام عن التعبير والكلام
أو عتاب وهجر رقيق دون مبالغة وغضٌ عن فعلٍ وسلوكٍ محبوب ومألوف للآخر
وحتى أن الغضب قد يُعَبر عنه بالإحسان والتغافل وهذا أعظم الجهاد وأجل الفعال وأكثر الحلول المثمرة .. أن يخطئ من أمامك وينتظر منك عاصفة هوجاء فيجد عوضاً عن ذلك نسمة لين ..
الغضب لا حصر لصوره وطرقه ولكن عليك اختيار المسلك الأصلح دائماً.
الغضب المثمر هو أن تستطيع التعبير عن نفسك دون أن تفسد غيرك وتضيع حقك وترهق كاهلك.
الضغوط والمسؤوليات لهما معابر أخرى يمكن الترويح عن النفس من خلالها . لا تنخدع بتلك النظرية السائدة ولا تَعْلَق في هذا الفخ فإن المتطلبات هي أشياء لا تنفد ويمكنك التأقلم معها أما الغضب فلا يمكنك أن تتأقلم معه فهو لا يهب لصاحبه إلا الخسارة.
الأساليب الخاطئة لا تجعلك بلا ضغوط بل تدفعك إلى هاوية الإفراط والتفريط.
وإذا ما نظرنا إليه من الطريقة النبوية الشريفة التي تعرف مصالح البشر ومداركهم ومواطن سعادتهم فإن النبي عليه صلوات ربي نبه على ترك الغضب لما فيه من الشرود وجموح النفس.
فقد جاءه رجل يطلب منه نصيحة يظفر من خلالها بالسعادة الدنيوية والأخروية فأوصاه الحبيب مرارا بألا تغضب .. وكأنه تأكيداً منه أن بوابة الزلل والخسران تولج بالغضب.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: (لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب)
أما عن أقوال السلف فقد
قال عمرُ بنُ عبد العزيز: (قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغَضَب، والطمع)
وهذه الدرر الذهبية التي لا ينصت إليها عاقل ويسير في رحابها ويفند خيرها ونفعها إلا وكان عزمه تليداً متوهجاً لا يأبى إلا أن يكون مترفعاً عن هذه الصفة متعهداً على هجرها والصبر على مغرياتها.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات