أن تكونَ نصفاً كاملاً خيرً من أن تملأ مكانَ النصفِ الآخر بأحدٍ ناقصٍ لا يُكمِلُك فيشوِّهُ ما بكَ للأبد ،
لا تُكمِل نقصكَ بنقص .
أن تكونَ نصفاً كاملاً خيرً من أن تملأ مكانَ النصفِ الآخر بأحدٍ ناقصٍ لا يُكمِلُك فيشوِّهُ ما بكَ للأبد ، إمّا النصفُ لِروحكِ التي تزيدها جمالاً أو لِتَبقى سماؤُكَ صافيةً وانشغل بجعل عالمكَ أجمل ولو كنت وحيداً .
و إن استكانت الروح لهذه القناعة، تجدُ أنَّ النصفَ الذي سَيُكمِّلكَ جمالاً لا يأتي إِلّا بالبحثِ عن رغباتِ النصفِ الأول ، بفهمهِ وإدراكِ ما يريدُ من الحياةِ و مِمَّن حولَه ، لن يكون الأمرُ أشبهَ بالبحثِ عن إبرةٍ في كومةِ قشٍ كما يقولون ، بل سيكون بِعَدِّ القشاتِ واحدةً
تِلوَ الأخرى ثمَّ تصنيفها وترتيبها ، فمنها ما تذهب إلى المكبِّ وهي الخصالُ السيئة ، ومنها ما ستحتفظُ بهِ لأنه يكوّن شخصك ، ولا تريدُ إِلّا إبرازهُ و إقناع نفسكَ بهِ ، ومنه ما تريدُ أن تضاعِفه وتلكَ الخصالُ الحسنة ، والمهاراتُ التي تميِّزكَ عن غيرك .
فهم هذا النصفِ بهذهِ الطريقةِ سيضمنُ لكَ معالِمَ أوضحَ للنصفِ الآخر ، فهو بمثابةِ تجميلٍ وتصفيةٍ لاستقبالِ الجديد، فإن لم يأتي فما أنقصكَ تعديلُكَ أيَّ شيءٍ ، بل زادكَ بهاءً .
وإن كنتَ تظنُ أنَّ رحلةَ البحثِ عن الشريكِ هي أن يقعَ القلبُ وقعته الأولى فصارَ لزاماً عليهِ أن يبقى في هذهِ الحفرةِ ، فأنتَ مخطئٌ بالتأكيد ، ليس هنالك رحلةُ بحثٍ عن شريك ، بل هناك شريكٌ يبحثُ معكَ عن معاني الحياةِ الأسمى ، يرتقي بك ، يُكمِّلُ النقصَ في روحكَ ، القلبُ في مكانهِ ولكنهُ أكثرُ أماناً في حضرتهِ ، السعادةُ موجودةٌ قبلَ اللقاءِ ولكنها تتضاعفُ بعدهُ ، فهي علاقةٌ تكاملية وليست تفاضلية.
وعليكَ أن تعلمَ ، أن الحُبَّ الأبديّ هو ما بدأَ باستقرارِ عقلكَ في أفكارِ الآخر ، ومن أحسستَ معهُ بالموجِ من فوقكَ عندما كان من تحتكَ فعلياً ، ومن يشاركك طرح الأسئلةِ أكثر من منحكَ الأجوبة ، ومَن يفهمُ حيرَتكَ ، ويستقبلكَ دوماً بعدَ أشدِّ لحظاتكَ عزلة .
شريكٌ كهذا قد يحملُ معك مآسي الحياة بصدرٍ رحب ، بل ويزيدكَ كمالاً ، ونحنُ نحبُ الأشياء التي تزيدُ اكتمالنا ، قد يساهمُ في هذا كتاب ، أو مقطوعةً موسيقية رأيتَ فيها من روحكَ ما ضاع ، أو كلمةً انبثقت من فمٍ غريبٍ عانقت جَوارِحكَ حدَّ الامتلاء ، أو آيةً استقرت في أعمق مكانٍ في قلبك ، أو قصيدةً مليئةً بالحنينِ أخرجت من الدمعاتِ ما حُبسَ منذُ زمن .
قد تتشوَّه بضعَ سنين ، و ليس عيباً هذا ، العيبُ أن ترى كلَّ القبحِ الذي يعتليكَ ولا تحاولُ فعل أي شيء ، مستسلماً بقولكَ : هكذا أنا ، لا تبحثُ عن ما يُجمِّلك ، لا تَسر للأشياءِ التي يقولُ لكَ عقلكَ وقلبكَ إنها الحل ، فتردُّ نفسكَ بالنفي ، ليسَ هناكَ حلٌ لمصائبي ، أخبرني باللهِ عليك!
قلبٌ مليءٌ بالقبحِ والجروح كيف له أن يحتوي آخراً دون أن يؤذيه ؟
في الحقيقةِ نحنُ نتأثرُ بمن حولنا أكثرَ مما نتخيل ، طاقةٌ سلبيةٌ في جوفِ إنسانٍ بقربك قد تملأُ دنياكَ كآبةً ، وابتسامةٌ من غريبٍ عابرٍ قد تجعل دنياك أجملُ ما تكون ، فنحنُ نتأثرُ إذاً ، و نؤثِّر أيضاً .
فما بالكَ بمن ارتضى بشريكِ حياةٍ يكونُ نصفاً ناقصاً ، يملؤ الروحَ حيرةً وشتات ، وغربةً ما بعدها غربة ، كما الزيتُ والماء ، لا يندمجان ، لا يصلحان معاً لأي شيء ، ولو كانا منفصلين لرأينا كلَّ الحاجةَ بهما ، هي فلسفةٌ بسيطة على الرَّغمِ من تعقيدها ، يفهمها البعض هكذا والبعض الآخرُ لا يحاولُ سماعها حتى ، ومنهم من تذكرهُ بمأساتهِ فيحني جذعَ رأسهِ ويبكي : "لقد اخترتُ نقصاً ، فزادني نقصا"
في هذه الحياةِ نحنُ لا نسعى إلّا للكمال . هل نصلُ إليه ؟
مستحيلٌ هذا ، ولكن يكفينا شرفاً أننا سرنا على هذا الطريقِ ، و لن نستسلمَ كغيرنا ممن تقبّل نفسهُ بجميعِ سيئاتها ، وملأَ حياتهُ بأشياءَ ناقصة ، فزادتهُ نقصاً على نقص ، وتعباً فوق تعب ، ورجوعاً لا تقدم ، لا تُكمِل ما تبقى من روحكَ بشيءٍ ناقص ، ابحث عن من يشاركُكَ رحلةَ الكمال ، والأشياءَ التي تزيدكُ كمالاً ، والأماكن التي ستجدُ فيها ما ينقصك ، نموتُ ونحنُ نسعى حتى نصلَ إلى كمالٍ حقيقيٍّ ما بعدَ الموت ، هناكَ في الأعلى الروحي كامل الحقيقة .
شيماء الصمادي
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات