"النفس أصبحت تدور بين شقي الرحى رقة القلب وجمرات الدنيا"
القلق والخوف والتوتر والفكر والحب والبغض كوكتيل من المشاعر الإنسانية التي لا تستطيع النفس أن تتجاهلها، أو تضغط علي زِرٍ لتقلل منها أو توقفها. فمن الطبيعي أن تتعرض النفس لكل تلك الأحاسيس المتباينة، التي قد تشعر بها في اليوم الواحد بل في الساعة الواحدة. ولكن النفس تتآكل إذا تحولت هذه المشاعر من المرحلة الحادة إلي المزمنة، تماما مثل الالتهاب عندما يتحول إلي التهاب مزمن إذا لم يُعالج بطريقة أو أخري. فمن الطبيعي أن نتعرض للأنواع المختلفة من الالتهابات بدرجاتها التي قد تصل إلي الحروق. ولكن الغير طبيعي هو استمرار تلك الالتهابات فتمرض النفس ومعها الجسد وتتآكل.
ولا أدري لماذا أصبح القلب رقيقا برقة الغشاء الذي يحيط به. لست أدري هل أصبح ذلك سمة من سمات العصر، أم هو مجرد إحساس عابر بسبب ما نسمعه كل يوم من أخبار المرض والرحيل المفاجئ لأحباب صغار وكبار. ولست أدري هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي سببا في توسيع مساحة الأخبار بحلوها ومرها، فأصبحت أشعر بمرها أكثر من حلوها وكأن العالم كله في غرفة معيشتي اتأثر به أكثر مما أؤثر فيه.
أن يرق القلب لهو شيء جميل، ولكن أن يرق بفعل فاعل لهو شيء خطير. وأن يشعر الإنسان بالحزن بسبب هو فيه لهو شيء مقدور عليه مع الوقت، ولكن أن يشعر بالحزن بسبب الآخرين لهو إحساس صعب التخلص منه لكثرة الآخرين. فهل أصبح علي الإنسان الاعتزال عن الناس من فترة لأخري ليس هروبا منهم ولا خوف منهم ولكن لتقليل جرعة الأخبار التي ترقق قلبه. أم أصبح علي الانسان ألا يلقي بالا بما يسمع ويقرأ، وأن يسمح للجمود أن يتسلل إلي لقلبه حتي لا يتأثر. أعتقد أنها معادلة صعبة جداً، وتعتمد علي الناس المحيطين بنا والأحداث.
ولأن الانسان خلق في كبد، ولأن الحياة لن تخلو من أحداث، ولأن القلوب خلقت رهيفة في احساسها رغم قوة عضلاتها، فالحل الأكبر لراحة النفس من عناء الأخبار والأحداث هو القرب من الله ومناجاته علي سجادة الصلاة. تلك المساحة الصغيرة التي لا تزيد عن متر مربع ولكنها بوسع السماء والأرض.
تلك هي المساحة المقدسة أيا كان الزمان والمكان. المساحة التي تجعل القلوب تتحرر من منغصات الحياة واسبابها وتجعلها طليقة في ملكوت الله ومعية الله الواحد الأحد الذي خلقنا ويعلم ما يسعدنا وما يؤلمنا. المساحة التي تدخل فيها مثقلا بالهموم والقلق وتخرج منها مجبور الخاطر هادئ الباب بعد أن تلقي حمولتك علي الله.
الحياة بحلوها ومرها أصبحت جمرة من النار، وأصبحنا جميعا قابضين علي تلك النار. ولكن الله الله قادر علي أن يجعل تلك الجمرات بردا وسلاما عندما نتحدث اليه ونتقرب، ولنا في سيدنا ابراهيم المثل. وعلينا ألا تجزع من القلق والهم والتوتر والفكر اذا كانت أحاسيس عابرة.
وكما يلتهب الجسد ويمرض ويشفي ، فأيضا النفس تلتهب وتئن وتشفي،
خالص تحياتي
د. محمد لبيب سالم
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات