حين يكون الفقد أكبر من الكسب ما الجيل الذي سيُبنى؟!
في حديثي عن التعلم عن بعد حيثُ يجلس الطلبة على الأريكة بِكسلٍ محدقينَ في الهاتفِ النقال بأصابعِهم الرقيقة يلمسونَ الشاشة متنقلينَ بين صفحةٍ ومقطعٍ وحصةٍ تفاعلية.
كان الفقدُ أكبر بكثير من الكسب وأصبحت الخسائر فادحة
ابتداءً من الأذهان التي تتلبد تِبعًا للجلوس خلفَ الشاشات لفترات طويلة من حصةٍ لحصة، وانتهاءً بالجيل الذي لا يُعلَم حاضره من مستقبله.
إذ باتت حياتهم بلا ذاكَ نظام الذي يبني أجسادهم الصغيرة بنومٍ هانئ واستيقاظٍ باكر بنشاطٍ ولعبٍ وقفزٍ في باحة المدرسة، ولَّت جلساتهم على مقاعدهم بانضباط وسماعهم لنصائح معلماتِهم وتلاشت ضحكاتهم وقفزاتهم في مع أقرانِهم، لم يعد هناك ما يصقل شخصياتهم وانضباطهم،
باتت مقاطعُ (الفيديو) واجبًا يسمعه الطالب دون إصغاء وغالبًا دون فهم!
أصبحت امتحاناتهم تقتصرُ على أسئلة اختيار من متعدد يقرؤها ولي الأمر ويقرب الإجابة أقرب ما يكون لطفله وأحيانًا يعطيه الجواب ليحصل على العلامة الكاملة! ولم يعد للامتحان رهبة تسبقه ولا شعوًا بألمٍ في المعدة قبله وأصبحَ الخوف من الوالدين عند الحصول على العلامة أمرًا ليسَ بالحسبان؛ فالعلامة الكاملة أصبحت تحصيلًا حاصلًا، فلا شعور بلذة النجاح!
بدأ الطلبة يتململون من النقل والشاشات والعشوائية في أوقات الحصص والامتحانات والتخبط في القرارات
وبدأت الأمهات تفقد صوابها شيئًا فشيئًا فالمواد صعبة وطريقة توصيل المعلومة لطفلها أصعب!
وعاطفتها تغلبها عند حل الامتحان فابنها منذ أشهر لم يرتد المدرسة ولم يرى معلمته وجهًا لوجه كما لم يحصل على المعلومة بالطريقة الصحيحة ولم يتدرب على القراءة ولم تعد هناك فقرةُ إملاء ليخاف منها وأصبح النسخ بالنسبة له اختياري ولم تطبق عليه استراتيجيات التعلم الحديثة باللعب إلا عن بعد فيقوم بالنشاط لوحده دون روح المنافسة مع زملائِه في الصف؛
أيُعقل ألّا تغلبها عاطفتها وهي تريد أن تراه طبيبًا أو مهندسًا أو حتى رائِدَ فضاء!
أيعقل وهي ترى طفلها لم يحمل حقيبة المدرسة منذ أشهر!
أتساءَل كثيرًا ما هو الجيل الذي سنراه في المستقبل جيل تلقى علمه وهو يرقد على الأريكة بلا حراك بلا لعب ولا استكشاف، جيل تربّى أمام الشاشات ولم يفكر بأبعد من مستوى الهاتف الذي يحمله؟!
هل سيكونُ جيلًا بلا هدف أم بلا علم أم بلا عقيدة؟!
هل سيجني فائدة من ذاكَ الذي يسمى بالتعلم عن بعد؟!
أهذا هو الجيل الذي يُطمَح في بنائِه؟!
أهذا هو الجيل الذين سيبني البلاد ويمحو الفساد ويصمم الجسور والقصور ويعالج المرضى ويعلم جيلًا بعده؟!
محزن جدًا هذا الجيل حاضِرهم صعب ومستقبلهم أصعب...
لنفكر قليلًا بما قاله إدغار موران "أيُّ عالم سنترك لأطفالنا؟ وأيُّ أطفالٍ سنترك لعالمِنا؟!"
التعليقات