فصل من حياتي هو الأصعب .. عن ثنائي القطب و ما عاينته منه .. عن الشعور بالخزي والتغلب عليه

هل تخيلت يوماً وأنت في جامعتك المرموقة و تواصل محاضراتك ... هل تخيلت أن تقطع دراستك فجأة و تنادي على زملائك قائلاً أنا المهدي المنتظر ؟!

دعني أخبرك بحقيقة الأمر .... فهذا ما حدث معي و أنا أدرس الطب في سنته الخامسة


حين يكون لدى الواحد منا استعداد لمرضِ ما لكنه لم يصب به من قبل أو على الأقل لم يتم تشخيصه فإنه أياً من المحفزات للمرض قد تدخله في أزمة حادة فجأة بغير ترتيب

فإن مريض الأزمة التنفسية لم يتم تشخيصه إلا بعد ما تعرض لمهيج شديد لصدره أدخله فيها فحملوه إلى المشفى وتم تشخيصه

والطفل الذي كاد يموت بعد وجبة شهية دسمة و يوم مليء بالحلوى ، كانت هذه المأكولات محفزاً لظهور الأعراض عليه ليتم تشخيصه بمرض السكر


وأما المرض الذي نحكي عنه اليوم فهو أيضاً له مهيجات ، قد تدخل صاحبها في نوبة اكتئاب حاد أو نوبة هوس وهما قطبا المرض بينهما يتقلب و بينها يحيا

قد يتعرض المرء منا لضغوطات شديدة تكون فوق طاقة احتماله ينوء بحملها كاهله .. ماذا يفعل وأين يذهب ؟

قد يمر بانكسارات تكسر ثقته بنفسه و تدفع به في دائرة لوم النفس بالتقصير و ربما الشعور بالدونية


حين يختار العقل أن يتمرد على هذا الوضع ، بل و ينكره ! ليتخلص من هذا الشعور المميت بالدونية و القلة


أن يقول لصاحبه أنت رائع أنت جيد ، ستنجح و ستجتاز أزمتك... إلى هنا قد يكون الأمر مقبولاً ،


لكن إذا فقد العقل زمامه و انهارت بصيرته فإنه قد يقنع صاحبه أنه خير الناس وأن تلك الخيرية تحمله مسئولية إصلاح الكون كله!


إن الضغوطات التي عجزت روحي عن تقبلها و التعامل معها كانت مهيجاً لدخولي في نوبة الهوس ليتم تشخيصي بعدها


أن تشعر بالسعادة المفرطة في وسط تلك الهزائم المتتالية والإحساس المفرط بالدونية و جلد الذات ، أن تكون سعيداً حد الانتشاء، أن تظل منتبهاً يقظاً لأيام لا تنام ولا تحتاج النوم .. أن يكون جسمك في حالة طاقة هائلة.تطوف الشوارع الطويلة بغير تعب .... أن تتصارع الأفكار في رأسك و يعجز لسانك عن الفصل بينها فتتداخل المواضيع


أن تشعر بعظمة زائدة ، بعدما كنت لا تقدر على مواجهة أزماتك الشخصية ؛ أنت الآن يقع على عاتقك إصلاح العالم .... فهذه أعراض نوبة الهوس


الاضطراب الوجداني ثنائي القطب.. عن قرب14488464082527742



كانت نوبة الهوس كافية لي و لكل من مر بها ليتم تشخيصه بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب من النوع الأول




كانت أصعب فترة مررت بها في حياتي ... أن تفقدالبصيرة .. أن يخذلك عقلُك .. أن يشاهدك الناس وأنت في أضعف حالاتك وأنت الطبيب المنتظر..صاحب الأخلاق العالية



كان هذا الحدث كافياً لأنتقل للقطب الآخر من المرض وهو الاكتئاب المستعصي


كان الحل الوحيد هو جلسات الكهرباء... كانت حلاً لمواجهة الاكتئاب الزاحف على الروح المهدِد بالأفكار الانتحارية لكنها لم تقدم حلاً لمواجهة الناس مرة أخرى كان الشعور بالخزي يملؤني وأنا الذي لم أرتكب ذنباً تجاه أحد ... بل كنت مريضاً فقد إحساسه بالواقع وبصيرته


بدأت في القراءة عن طبيعة المرض بدأت التصبر بمعاني الرضا والاستسلام للإرادة العليا والتمثل بأقوال الصالحين في هذه الأبواب إلى أن وجدت شعوراً بالإرادة يملؤني لاستكمال الدراسة كان منبعه أني علمت طبيعة مرضي و رضيت عن قدر الله الصعب ... لك يكن الرضا سهلاً لكني رضيت رضا المحب المستسلم للحكمة والمشيئة العليا



و تمت دراستي و تخرجت من كلية الطب وأنا الآن منتظم على جرعة من الأدوية الوقائية ومثبتات المزاج......أنا الآن عضو فاعل بالمجتمع .... وأعمل طبيباً بقسم الأشعة

أنا لا أجد في نفسي ولله الحمد أية ذرة من الخجل وأنا أبوح بما مررت به

أتمنى أن يأتي يوم لا يُنتَقَص فيه من أي إنسان أو يُنظَر إليه بدونية لمجرد أنه مرض مرضاً عقلياً ليس له فيه أي يد


الوصمة الحقيقية تكون في جهلنا بمثل هذه الأمراض وعدم وجود الحد الأدنى من العلم بها لدى المجتمع....فإنه ليس أحد من الناس يملك حصانة منها وإن الجهل بها قد يؤخر خطوة العلاج والتعافي

أحمد سمير

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شفا الله جرح قلبك

تدوينات من تصنيف صحة

تدوينات ذات صلة