قال الله تعالى:"وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ".

لنا أن نصور حال الوالدين وأبنائهم كحال الأغصان، تلك التي ترتكز على جذع يقف بكل ثبات على الأرض، لا يكترث لبرد أو حر ولا تهزه رياح. ولا يقوى البشرعلى قطعه بأيديهم المجردة، ولا يأبه للمدة التي يبقى واقفاً فيها على قدميه طالما أن هناك شجرة كاملة تقف شامخة بفضله، ويبقى على هذا الحال لمئات السنين ربما.


يقف الأباء والأمهات بهذا الثبات لأنهم يدركون أنهم يحملون على كاهلهم مجموعة من الأغصان الهشة، والتي تثبت بثباتهم. فهم يخشون عليها أن تتعرض للكسر أو حتى الخدش. كما ويعرف الأباء والأمهات أن بعد ذلك الثبات كله سيتوج إنجازهم بالحصول على الثمار والتي ما أن يشتد عودها حتى تأخذ لنفسها طريق آخر تكمل به مسيرة من تولوا رعايتها؛ فهي إما أن تمنح نفسها فداءً لسد جوع غيرها، وإما أن تغرس نفسها مرة أخرى لتصبح شجرة المستقبل وتكمل المسير على خطى والديها. وهي بذلك ترى أنها ترد الجميل لهم على ما بذلوه. فالأباء والأمهات لا يغرسون زرعاً صالحاً إلا لأنهم ينتظرون منه أن يخرج نباتاً طيباً، عندها يشعر الجذع أن ما بذله من الثبات في وجه جميع الظروف، وما منحه من الماء والغذاء طوال هذه السنين، لم يذهب هباءً منثوراً.


أعلم أنه لا خلاف على هذا الموضوع تحديداً؛ فالجميع يدرك مقدار التضحية والعطاء الذين يبذلهما الوالدين من أجل أبنائهم. ولكن لا ضرر في تذكير أنفسنا بذلك بين الحين والآخر.

فنحن ننقض على كتب النجاح والتحفيز وننسى أن أكبر حافز لنجاحنا يقف أمام أعيننا.

ولا ننكر أن الإنسان قد يصاب بالإحباط أحياناً فيعتقد أنه يسير وحيداً في طريق الحياة. وقد يصيبه الغرور أحياناً أخرى فيشعر أنه يستطيع المضي قدماً بمفرده، فيواصل السير وحيداً وما أن يصل إلى محطته التي أرادها حتى يصرخ بأعلى صوته قائلاً: لقد فعلتها وحدي.من المؤسف أن نعتقد أن فوزنا في سباق الحياة هو من مجهودنا الشخصي فقط، ونتناسى أن هناك من علمنا المشي أولاً قبل أن نبدأ السباق. عند نقطة محددة، قد تكون فعلتها بمجهودك الشخصي، ولكن هذا المجهود لا يعد سوى لقطة واحد في فيلم استمر العمل على إنتاجه عشرات السنين.

إن سمعنا يوماً أن أحد الأفلام قد حصل على جائزة الأوسكار مثلاً، ثم صعد بطل الفيلم متباهياً على المنصة ليلقي بكلمته، فنجده يتفوه بكلمات عن عدد الساعات التي كان يقوم بها بأداء مشاهده، وأنه بذل الكثير من الجهد لكي يكون تمثيله رائع وذلك فقط ما أدى لنجاح الفيلم، وبعدها يختم كلمته بعبارة : لم يساعدني في نجاح الفيلم أحد، لقد فعلت ما فعلته بمفردي.

عندها لن يغضب الجمهور منه بل سيبدأون بالضحك عليه؛ فهم يعتقدون إما أنه أحمق يعتقد أن نجاح الفيلم يعتمد على جانب التمثيل وحده دون الحاجة لمعدات ضخمة وطاقم كامل من المصورين والمخرجين وغيرهم من الأفراد الذين عملوا أيضاً لساعات طويلة كي ينجح الفيلم. وإما أنه يحاول أن يكون خفيف الظل بإلقاء بعض النكات كي يكسب إعجاب الجمهور ويحظى بتصفيقه. ولو أنه أدرك أن لولا الفريق الذي يعمل خلف الكواليس، لكان المكان الوحيد الذي سيشاهد به نفسه هو المرآة، والشيء الوحيد الذي سيُعجب بتمثيله البارع هو القط الذي يقطن في الجوار، عندها سيدرك أنه يجب أن يظهر بعض التقدير لجهود الآخرين.

والتقدير لا يحتاج لجهود هائلة، كل مافي الأمر أن نظهر الإمتنان بقيامنا بأفعال مسؤولة تجلب لمن كان له الفضل في بنائنا الراحة والسعادة بدلاً من البؤس والشقاء. ولا ضرر في أن يصاحبها بضعة عبارات تعزز تلك الأفعال؛ فالأفعال تغذي البصر والكلمات تغذي الروح. ولا ننسى أن الجذع يبقى راسخاً أكثر كلما مددناه بمزيد من الماء وإلا سنجد الثمار ملقاة على الأرض تغطيها الأغصان وأوراقها.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تماماً 💙💙

فنحن ننقض على كتب النجاح والتحفيز وننسى أن أكبر حافز لنجاحنا يقف أمام أعيننا.👌💯🌹

❤️❤️❤️

إقرأ المزيد من تدوينات سلمى عديلي

تدوينات ذات صلة