رأيت في تشييعها تشيع كل شهيد فلسطيني وكأنه عزاء بكي المعزيين فيه علي موتاهم لا علي الفقيد الاخير فقط..
أراد أعرابي أن يضع حزمة قش أخيرة فوق بعيره الذي كان يئن من كثرة ما يحمله من متاع؛ فأخذ يضع علي ظهر الجمل قشة تلو الأخري وعند وضع اخر قشة سقط الجمل؛ فصارت القشة التي قصمت ظهر البعير..
دائما ما أترقب نفاد تحملنا لأننا حينها لن نسقط وإنما سنستشاط غضبا؛ ستتحرر صرخات سخطنا ويفتت حنقنا فوهات البنادق وهراوات الجنود تحت أقدامنا؛
سنبكي مائة عام فائتة ونرثي مائة ألف وأكثر ونلتفت للأطلال والأنقاض أخيرا؛ بأسي..
ذلك الأسي الذي تراجع واضعا يده علي فمه محاولا إبتلاع الدمعات بينما تقدم الضيق والغضب والإصرار علي الثأر في عيون واسعه بنية لطفلة صغيرة تدعي يارا تسرد بثبات وصوت عالي حكاية تعاد كل يوم منذ قرن.
حكاية هدم دار فلسطيني بغية طمس أحقية أصحابة في المكوث بأرضه وتحت سقفة؛ بغية توسع الإستيطان الثقيل الجاثم و التخلص من الابدية الفلسطينية الراسخة والمتمثلة في اشجار الزيتون وحجارة الاطفال و رايات الوطن وابواب الديار وحكايات الجدود و تطريز الجدات وشواهد القبور وعيون الصغيرة يارا.
رق صوتها بعد ذلك وخفت الغضب به وهي تجيب عن سؤال "إيش راح من الدار"
خرجت حروفها مختلطة بغصة مُره "راحت غرفتي وألعابي وراحت أواعييا وراحت خزانتي وراح تاختي"
راح عالمها الخاص الصغير الهادئ ولكنها أكملت بصدق "مش رايحين نطلع من القدس" ..
مائة عام وأكثر من السلب والنهب والإعتداءات والاغتيالات ولكن فاجعة 48 كانت القشة ..
مائة صحفي فلسطيني وأكثر قتلوا خلال خمسون عاما ولكن شيرين كانت القشة..
رأيت في تشييعها تشيع كل شهيد فلسطيني وكأنه عزاء بكي المعزيين فيه علي موتاهم لا علي الفقيد الاخير فقط..
أري دائما أن الاوطان تشبه أسماء أبناءها؛ وشيرين تعني الحلوة والعذبة تماما كفلسطين...
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات