مجرد رؤية البحر يشعرنا بالراحة التامة و التأمل و الصفاء الذهني، و يعطينا الطاقة الإيجابية اللازمة لمتابعة يومنا بالكامل.


مُنذ الصغر كنا نذهب أنا وعائلتي كل صيفٍ إلى البحر‘ أنتظر بفارغ الصبر الصيف للذهاب هناك، لممارسة رياضة السباحة و اللعب مع الصغار، كبرت و زاد حُبي كثيراً للذهاب هناك. لكن ليس لتمضية الوقت في السباحة وإنما للتأمل و الصفاء الذهني و الراحة التامة مجرد التأمل في الساحل الأزرق الجميل.


مازل طَبْع متواجد لدّي كل مرة كنت أركض للسيارة لأكون بجانب النافذة المُطلة على البحر، مجرد ما أن تقترب السيارة من الشارع الساحلي، أرى زُرقة البحر الشاسع وأشعة الشمس الذهبية عليه التي تعطي المياه لمعة، تلك اللحظة كانت تُسحرني دائماً وأشعر بقلبي يقع بين يداي، وهكذا بكل مرة كنت أرى فيها البحر تصيبني دهشة كأنني أراه للمرة الأولى في حياتي.


أحبُ البحر كثيراً، وطوال حياتي كوّنت ذكريات كثيرة تدور حول البحر، كأنني كنت سمكة تعيش في البحر وبخطأ ما انتقلتُ للعيش على اليابسة. ترتبط ذكريات طفولتي بالساحل الأزرق الذي يحتضن مدينة غزّة، أجملها في ذاكرتي هي رحلاتنا للبحر مع أبي بسيارتنا الصغيرة ونحن نستمع لأغاني عمرو دياب. ظلت تربطني بالبحر علاقة حب حتى عندما أضعت فيها أموري المفضلة على شاطئه.


لا أعتقد أنني الوحيدة من قطاع غزة التي تربطها علاقة خاصة بالبحر، جميعنا في غزّة نحب ذلك البحر الأزرق، لربما لأنه المنفس الوحيد لأكثر من مليون ونصف مليون نسمة محاصرين منذ أكثر من عقد من الزمن. أو ربما لأنه الشيء الوحيد الثابت الذي لم يتغير في مدينة غزّة التي تغيرت معالمها خلال الحروب التي خاضتها ضد الإحتلال الصهيوني، أو لربما لأنه يعطينا إحساس بالحرية في مدينة تغلق نوافذها في وجه العالم. بحر غزّة بالنسبة لي، عالمي الخاص الذي به أضع ما أملك من أفكار.


كثيراّ نواجه متاعب الحياة بكافة أشكالها و تأتي لنا بصورٍ عدة، حين يتراكم كل شيء وأشعر بأن الدنيا ضاقت لدّي‘ أهرب من العالم الواقعي الذي أتواجد فيه وأذهب إلى مكاني الذي أجد نفسي فيه، حينما أذهب لزيارة البحرتكون على وجهي ابتسامة بلهاء أشعر بأني تملكتُ الدنيا مجرد رؤيتي ساحل البحر الأبيض المتوسط، هدوءه وغروبه وهواءه يرتب الأشياء المتناثرة فيك.


كُنت أتسائل نفسي ماذا يحدث لي لو لم يكن هناك بحرٌ في غزّة؟ تراودت في ذهني عِدة أجوبة، شعرتُ أن هناك فجوة صغيرة تُفتح في قلبي، أنني سأفقدُ البحرالذي أحب، بعدها نشلتُ الأفكارالسيئة التي راودتني في خيالي وعُدتُ إلى الواقع الذي فيه أجد نفسي. لوهلةٍ أستطيع سماع صوت أمواجه التي تنبع منه صوتُ الموسيقى الهادئة التي تأخذلك لعالمٍ جميل تتصور فيه أجمل أيام حياتك، تغسل الروح من أوساخ الحياة اليومية، الحب يبحث عن كلمة، مؤثرات الأمواج الصوتية تجعلك في نهاية المطاف إلى أن تصبح قُدراتُنا على إتخاذ قرارت عقلانية أمام أي شيء فيه أمراً صعباً.


أشعُر بالفرحة لأنني في مدينة يحيطها البحر، من الطبيعي أن يكون أول شيء أفعله خلال يومي هو زيارة شاطئ البحر، “الكورنيش” هذا المسمى يطلق عليه رصيف البحر يجده البعض أو غالبية الأشخاص المكان المناسب لقضاءه مع العائلات في أيام الإجازات يكون مكان مرتب ونظيف، بالنسبة لي تُدلي قدميك و تتراقص مع شاطئ البحر وأمواجه القادمة نحوك التي تُصدرموسيقى يقدمها لك وترقص على أنغامه، إذا لم تَعِش هذه الأجواء كأنك لا تعرف ما هو البحر، شعورٌ في غاية الجمال تشعر بأنك بعالم كأنه عالمك.


عليك أن تعبر عما بداخلك بطريقتك الخاصة التي تحبها و تجد نفسك بها، أخصص يوم صباحي من أيام الأسبوع للوصول إلى الشاطئ، لأرى الضباب يملأ المكان، وجو هادئ جميل و مشاهدة شروق الشمس تلك الأشعة الجميلة التي تشرق كلّ يوم من جديد، حاملة معها الأمل والتفاؤل بيوم جديد وأحلام جديدة.


قررتُ أن أُخبر البحر الذكريات التي تَحصل معي بِحلوها و مُرها وبعدها أتراقص على أنغامها وأَتناسى ما مررتُ به، هناك أحداث تبقى لها رونقها الخاص على شاطئ البحر المتمثلة بإزدحام الشاطئ صيفاً بأعداد هائلة من سكان قطاع غزّة، الكراسي البلاستيكية على الرمال، بائع الذرة والبرّاد، أصحاب الجِمال يعرضون عليك تجربة ركوب الجمل، أكواب القهوة التي اعتدتُ أن أشربها مع عائلتي، والكثير من الأحداث التي تبقى دوماً وتشعرنا بأننا أبناء البحر، بحرغزّة الذي أحبه كثيراً، أفكر فيه كأنه شيء خاص لي، بحرٌ واسع كَالحِلم الذي لا نهاية له وبلونه الأزرق في الصباح و لونه الأسود في الليل الكاحل ينفطر قلبي بسحر جماله.

رولا حمد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف عائلة

تدوينات ذات صلة