وصولك إلى هذا الجزء من السلسلة ينبؤك الكثير عن نفسك، أنت ترغب حقًّا في تطوير نفسك، أهنئك.
تحدّثنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة باستفاضةٍ ومن خلال بعض الومضات المثيرة للذهن حول المسارين الأول والثاني من مسارات تطوير الذات( للاطلاع على الجزء الثاني)،
وكما وعدتكم فيه فإن حديثنا في هذا الجزء سيكون حول المسار الثالث منها وهو مسار المهارات، والذي لن يكون هدفي منه إحصاء المهارات المتاحة لك لتبنِّيها، ولا تحديد المجالات التي تستطيع خوض غمارها لتكون من فئة مطوِّري ذواتهم؛ لأن هذا باعتقادي كلام نظري أكثر من كونه عمليًّا قابلًا للتطبيق؛ فتعدُّد مجالات المهارات في زماننا هذا وكثرتها وتشابهها في الأهمية أَخرجَ المألوفَ لدينا من خانة القواعد، حتى غدا ما نعدُّه سابقًا من الغرائب واقعًا يُعاش له من المتقنين الكُثُر، ليصبح شيئًا فشيئًا أساسًا في حياة الناس، كالألعاب الالكترونية واستخدام الهاتف النقال والتي تعد القدرة على التعامل مع برمجتهما وإصلاحهما على سبيل المثال مهارة مطلوبة ومهمة.
يُعدُّ تعلُّمُ لغة جديدة من المهارات التي تُكسِب صاحبَها قيمةً عليا في عمله ، وتمنحه أولوية على قرنائه في الحصول على الوظائف الفضلى، ونرى أن هذه المهارة اكتسبت شيوعًا وضرورة لم يكونا ظاهرَيْن سابقًا وذلك بسبب الانفتاح الذي يشهده العالم اليوم، (واحدة من أفضل القنوات لتعليم اللغات)
إذًا ما المراد من هذا الجزء تحديدًا؟
سأجيب بكل تأكيد، ولكن أجبني من فضلك أولًا،
ما الذي يؤخرك عن البدء في اكتساب مهارة كنتَ قد عقدتَ النية على اكتسابها؟
وإن كنتَ قد بدأتَ بالفعل، هل واجَهَتْكَ معيقاتٌ أثنتْكَ عن مواصلة المسير؟
إن كانت إجابتك عن أحد هذين السؤالين أو كليهما بنعم فإن هذه الأسطر تحديدًا لك، وفيها الإجابة على سؤالك حول مرادي من هذا الجزء.
إذًا فلنبدأ رحلتنا معًا.
معوِّقات الإنجاز
كثيرةٌ هي العوامل المحيطة بكلٍّ منا والتي تلعب دورًا هامًّا في إعاقة سير عجلة الإنجاز في حياتنا، منها ما نعدُّه خارجًا عن سيطرتنا ومنها ما يقع تمامًا تحت ولايتنا وقد نعترف بمسؤوليتنا في إدارته وقد لا نفعل،
دعونا في هذه الرحلة نتعرَّ ف عل عدَّة عوامل لها من الدور أهمَّه في إعاقة إنجازنا واكتسابنا للمهارات التي نحتاج في حياتنا:
1_ التخطيط
دعونا نتّفق في بداية الأمر أنّ للتخطيط المُسبَق دورٌ كبيرٌ ورئيسٌ في إنجاز المهام المطلوبِ أداؤها، لما لذلك من أثرٍ عظيمٍ في تنظيم الوقت وترتيب الأفكار والمهام بحسب أولويتِها، مما لا يدع مجالًا للدماغ بالتشتُّت والضياع.ولكنَّ كون التخطيط أمرٌ إيجابي يساعد في الإنجاز لا يعني البنَّة أن الإفراط به أمرٌ محمودٌ كذلك، إذ أنَّ المبالغة في التخطيط تحمل آثارًا سلبية تنعكس بشكلٍ أو بآخر على سرعة إنجاز المهام وجودتها في كثير من الأحيان،
ولكن كيف يكون ذلك؟
إنَّ التخطيط المبالغ في دقَّتِه بالساعة والدقيقة قد يؤدي بالعمل إلى هاوية السرعة على حساب الجودة، كما أنه يرهق الشخص أكثر مما يساعده؛ إنه بذلك يُكبِّلُ يديه بقيود لم يُلزمه بها أحد،
أتّفق معكم أنّ لبعض المهام ( deadline ) لا بد من الالتزام به، ولكنّ البعض الآخر لا يتطلَّب كل هذا التشدُّد والتعسير. غالبًا ما يكون الحرص على جودة الأداء أولى من الحرص على سرعته، ويُراعى عند أداء المهام ذات الوقت المحدّد القيام بأفضل ما يمكن بأسرع ما يمكن.
إنَّ توالي إخفاقاتك بالالتزام بتلك الخطط الدقيقة سيذهب بك إلى زاوية اليأس والتكاسل، وقد يُثنيك عن إكمال عملك ويخلق بداخلك شعورًا بالفشل، وهذا معاكسٌ تمامًا لهدفنا الأساسي من التخطيط. ( في بعض الأحيان يكون التخطيط ذو النقاط الرئيسية المطلوب إنجازها هو الحل).
وهذا يقودنا مباشرة للحديث حول النقطة الثانية من تلك المعوِّقات.
2_ منطقيَّة التخطيط
إن غياب الوعي لدينا بأهمية مراعاة منطقية الخطط الموضوعة ( كَجَدولة خطةٍ تتطلَّبُ أيامًا لإنجازها وحصرِها في يومٍ واحد ) لن يُخفض من عزيمتك وحسب، بل قد يتسبَّب في توقُّفِك عن عملك الذي كنت قد بدأتَ به، ولربما يوصِلك إلى نتيجة خاطئة في عملك، ويُوَلِّد في عقلك فكرةً سلبية حول ذاتك، وذلك عن طريق إيهامك في الوقوع بدائرة الفشل والإخفاق، لتصبح مع الوقت دائم الاتهام لنفسك بالتقصير، وما الأمر كذلك في الغالب وإنما سوء تقدير الوقت مع كَمِّ العمل المراد إنجازه هو من أوصلك لهذه القناعة.
لا يكمن الخلل دائمًا بقلة التزامك بالخطة المرسومة ( مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قد يكون الأمر كذلك في بعض الأحيان ) ولكن دراسة المهام وتقدير الوقت الصحيح المطلوب لأدائها ( بل وربما إعطاؤها وقتًا أكثر مما تتطلب بقليل)، سيعزِّز ثقتك بنفسك ويجعل منك شخصًا قادرًا على قيادة عجلة المنافسة مع ذاتك لإنهاء المهمة قبل أوانها – فالوقت يسمح بذلك_ وهذا من شأنه أن يُنَمِّي رغبتَك في التخطيط والإنجاز وسيزرع في شخصك الالتزامَ المطلوب.
3_ توهُّم المثالية ونشود الكمال
من أقوى وأهم معوِّقات الإنجاز ،بل يحق لنا أن نسميه ب(هادم النجاح وعدوّه الأول )؛ إنه المسؤول الأول عن وأد المواهب حتى قبل ولادتها، فكم من مبدع ٍ عاش منتظرًا وهم الكمال ذاك أن يُخيِّم على أعماله، حتى حرم نفسه لذة النجاح، مات وماتت معه أفكارُه ومواهبُه، فعاش ميتًا ومات ممتلئًا لم يمنح نفسه ولو فرصةً واحدة ليُفرِغ أيًّا من إبداعاته، أبقاها حبيسة صدره وانتهى ذِكرُه بموته.
لا بأس ببعض النقص في كل شيء، إنها حقيقٌة كونية شئنا أم أبَيْنا، ولو أرَدنا الحقيقة فإن توقُّعَ الكمال هو الإخفاقُ بعينه،
ألم يكن لهذه الأسطر أن تكون أفضل مما هي عليه الآن؟ ابتغائي للكمال بهذا المقال لم يكن ليمنحك فرصة قراءتها أبدًا.
4_ التسويف والتّأجيل والمماطلة
لن يزيدك تأخير البدء سوى زيادة في التفكير بما تنوي القيام به ، وهذا من شأنه أن يزيد ثقل العمل عل كاهلَيْك وبدوره سيمنعك من الشروع به،
لماذا؟ لأن عقلك يميل دائمًا لإبقائك في منطقة الراحة الخاصة بك حفاظًا عليك.
أرجوك لا تفكر كثيرًا وابدأ؛ إنَّ مكوثك الطويل في منطقة الراحة وركونك لحالة اللاإنجاز تلك سيجعلك تألف السكون وتستمرئ الراحة
وقد تكون النقطة التالية سببًا في تسويفك ومماطلتك تلك.
5_ انتظار الوقت المثالي للبدء
إن كنتَ من متبنِّي هذا الفكر، فالأفضل لك أن تقضي عليه بداخلك قبل أن يبادر هو بفعل ذلك بك.
لا يوجد ما يسمّى بالوقت المثالي،
دع عنك هذه الأعذار الواهية، أنت لا تملك من الزمن القادم شيئًا،
لحظتك التي تعيشها الآن هي وقتك المثالي،
تولَّ أنت عجلة القيادة بهذا الشأن،
ابدأ ولا تترك المجال مفتوحًا ولسان حالك يقول: سأبدأ عندما يحين الوقت المناسب؛ فدائمًا ما ستجد وقتًا للترفيه ونادرًا ما يوقظك ضميرك للإنجاز، اغتنم يقظتَه وسِر مع الرَّكْب.
الظروف الملائمة تمامًا نادرًا ما تتاح لأحد، غالبًا ما تأتيك المعطيات الصحيحة في الوقت الخاطئ أو العكس تمامًا، ترى الوقتَ وقد سمح لك باتخاذ الإجراءات الصحيحة لتُبرزَ لك الظروفُ السيئة أنيابَها.
ما عليك سوى أن تبدأ وتدع القافلة تسير، ولولا أخذي بهذه الجزئية أيضًا لما داعَبَت كلماتي هذه عيناك وعقلَك.
6_ مقياسُك لقيمة عملك
اعتمادك على نظرة الناس في تقييم أهمية العمل الذي تقوم به أو المهارة التي تعمل على اكتسابها، واهتمامك الزائد بآرائهم والبحث عن قيمته عندهم من جهة، وممارسة الناس لسياسة الإحباط والتسخيف المستمرَّيْن لكل فكرة وعمل جديدَيْن من جهةٍ أخرى، يؤدِّيان معًا دور معول الهدم والتثبيط لأي إنجاز تنوي القيام به.
قيمة ما تفعل وما تتعلَّم مبنيٌّ عليك وحدك، أنت من يعلم سبب حاجتك لهذه المهارة، أنت من يملك شغفًا لامتلاكها،أنت فقط القادر على تقييم مدى أهميتها بالنسبة لك، وأنت كذلك من يحسن تقدير قيمتها؛ ذلك وبكل بساطة لأنها مبنية على طموحاتك وأحلامك وأهدافك أنت وحدك.
7_ أنت معول هدمٍ لذاتك
من؟
أنا؟
وكيف ذلك؟
نعم أنت وأنا كثيرًا ما نفعل ذلك دون وعيٍ ولا إدراك منّا بِتأثير ما نفعل،
وكيف يمكن لنا أن نعمل ضدَّ أنفسنا بهذه الطريقة؟
حسنًا سأخبرك، إنّ لقلةِ الاعتراف بصغار الإنجازات التي تقوم بها، بل وربما تسخيفها في كثير من الأحيان أثناء حديثك مع نفسك، إمّا لأسبابٍ نفسية ناتجة عن طريقة تنشئتك (جعَلَتْكَ دائم الحديث مع نفسك بهذه الطريقة) أو لكثرة مقارناتك التي تعقدها مع إنجازات الآخرين، دورًأ أساسيًّا في إعاقتك عن الإنجاز وقتل عزيمتك وإرادتك.
يا عزيزي إنَّ كلَّ إضافةٍ إيجابية لمهاراتك وعقلك وعاطفتك أيضًا إنجازٌ بحد ذاته يستحق الاحتفاء به،
وكيف تنمِّي هذا الفِكرَ لديك؟
ما عليك سوى الانتقال للنقطة التالية لتعرف واحدةً من أهم الوسائل.
8_ المكافأة
نعم تمامًا كما قرأتَ الآن (المكـــــــــــــــــافأة)،
لمن؟ إنها لك بكل تأكيد.
هل تظنُّه أسلوبًا متَّبَعًا مع الأطفال فقط؟
إذًا فَلْتَعُدَّ نفسَكَ طفلًا أرجوك، ولتكافئ نفسك في كل مرة تحقِّق بها إنجازًا وتُنهي بها مَهَمَّةً في وقتها، سيسمح لك ذلك بفرصة الاحتفاء بذاتك.
ولا بُدَّ لنا في هذا الموضع أن نتفق على أنَّ النفس البشرية تميل لتقدير إنجازاتها، لا بأس بسهرةٍ مميزة مع أصدقائك، أو هدية تقدِّمها لنفسك لطالما وَدِدتَ اقتناءها، إنَّ أي مكافأة تترك في نفسك شعور الامتنان لذاتك على ما قد أنْجَزْته للتوّ ستفي بالغرض.
9_ الجهل بمحفِّزك الذاتي
إن قِلَّة الإدراك بأنواع المحفِّزات على الإنجاز، وجهلك أنت بمحفِّزك الشخصي بين قوسين، معوِّقٌ جديد يتوارى خلف ستار الجهل بالشيء؛ إن منّا من يحفِّزه التنافس والاطِّلاع على إنجازات الآخرين في نفس المجال ويشحذ همَّتَه ، ومنا من يثبِّطه ذلك ويسلبه ثقته بنفسه لتراه يُفَضِّل العمل بمنأى عن المقارنة مع الغير.
لتتجاوز هذه العقبة ما عليك سوى تجربة كلا المحفِّزَيْن لتعرف أي الفريقين أنت، وأن تتحلى بعدها بالعزيمة لاتخاذ المسار الذي يناسبك منهما.
10_ التفكير الشمولي
إن التعامل مع أي مهارة أو مهمة جديدة على أنها كلٌّ يتوجَّب إنجازه دفعة واحدة، وإلزام الشخص لنفسه ولو بمجرد التفكير بضرورة الإلمام الكامل بحيثياتها، يُثني عقلنا في الغالب عن الرغبة في إنجازها أو حتى مجرد البدء بها ( عقلُك يخشى الضجيج ).
حَرِيٌّ بك أن تعمل على تجزئة العمل إلى أهداف صغيرة؛ إذ أن العمل بغير هذا الأسلوب ( أسلوب تفتيت وتجزئة العمل ) سيصوِّر لعقلك صعوبة تحقيق الأمر بل واستحالته أحيانًا، مما سيؤدي بك إلى التقاعس والدخول في دوامة التسويف والمماطلة.
إذًا جرب في المرة المقبلة عند الشروع باكتساب مهارة جديدة أو تحقيق إنجازٍ ما، أن تُجزِّئ هدفك الكبير هذا إلى أهداف صغيرة، كلُ واحد منها يُقرِّبك خطوة من بلوغ هدفك، إنها بمثابة حجار الأساس لبناء طموحك،
العنصر الأهم في ذلك هو الالتزام والديمومة،
ويُعدُّ اتباع أسلوب الإضافة البسيطة مثاليّا في هذا المَوْضِع؛ فأن تتبنّى فعلًا بسيطًا جدًا بشكل يومي أو على الأقل بشكل دوري بطريقة ما _كلٌّ حسب وقته وهدفه _ سيجعل هذا الفعل يدخل في طور العادة،
وسيصبح أداؤه مع الوقت لا يتطلب جهدًا وتخطيطًا كما كان سابقًا، وغالبًا سيتمخّض ذلك عن تقدمٍ وإنجازٍ مُبهرَيْن، لم يكونا ليتحقَّقا لك لو أنك وضعتَ الحِمْل على رأسك دُفعةً واحدة فغدوت متحمسًا يومًا ومتثاقلًا شهورًا حتى غلبك الشعورُ باستحالتِه.
كن على يقين أن أفضل الطرق للوصول إلى تحقيق هدف ما، أن تمنحه الوقت الكافي بتبنِّي العادات البسيطة الدورية.
11_ التشتت وتعدُّد الاهتمامات
والمقصود به هنا الاهتمام بالعديد من الأمور والتي لا يجمعها رابطٌ واحد، ويُشَكِّلُ كلٌّ منها مسارًا منفصلًا عن الآخر، وهذا يختلف بالكلية عن تعدُّد الأهداف لديك، تلك الأهداف التي تصبُّ كلُّها في تحقيق مسار واحد كما ذكرتُ في النقطة السابقة عند حديثي حول تجزئة الهدف الكبير ( المهارة) إلى أهداف صغيرة تؤدي مُجتمعةً مَهمَّة اكتساب الهدف الكبير ( المهارة المطلوبة ).
دعونا نتفق أن الإنسان بطبعه ملول وعجول وفضولي،
إنّه يحبُّ الإلمام في كثيرٍ مما حوله من المستجدات، ومع انفجار ثورة التكنولوجيا التي نعيش أصداءها وتسارعها المَهول، نجد أنه ومن الطبيعي أن تنشأ طبيعة تعدُّد الاهتمامات تلك لدى الكثيرين من الناس ( من باب الفضول ).
وفي حال تفرقة وقتك وجهدك في مسارات متعددة ستغلب عليك طبيعتُك ( ملول وعجول )،
ستسألني: كيف سيكون ذلك مع كثرة المتغيرات وتنوعها؟
حسنًا سأقول لك،
أنت كائنٌ بشري، والبشر بطبيعتهم يحبون لمسَ نتائج جهودِهم ورؤيتِها والافتخارِ بها ولو كان ذلك على المستوى الشخصي _ أي أمام أنفسهم فقط_ ؛ ليشعروا في التالي بأهمية وجودهم،
والآن مع عدم حصولك على مبتغاك وتأخرك به نتيجة تشتت جهودك ووقتك وتباطؤ التطور في كل مجال من مجالات اهتماماتك على حِده، سيكون معقولًا لو قلنا أنك ستفقد ثقتك بنفسك وتُطفئ شعلة الحماس بداخلك وهذا بدوره قد يؤدي بك إلى عدم الوصول لاكتساب المهارة المطلوبة في أي اهتمامٍ منهم.
أنوِّه في هذا المَقام إلى أن تعدُّدَ الاهتمامات قد يجلب لك المتعة، ولكنه لن يصل بك إلى تحقيق أهدافك وبلوغ الإنجازات المنشودة بالكفاءة المطلوبة.
أنصح هنا بكتاب the one للكاتب gary keller والذي يركز فيه الكاتب على تحقيق النتائج الكبيرة، بإمكانك الاطلاع على تلخيص مميز للكتاب باللغة العربية في الفيديو أدناه.
والسؤال الذي قد يراودك الآن هو: كيف يتَّفق هذا الكلام مع وجود أمثلة كثيرة بيننا، لشخوصٍ كانوا قد اكتسبوا العديد من المهارات بل وبرعوا في معظمها معًا؟
وهل يعني ذلك أنه لا يمكن لي أن أكون شخصًا متعدد المهارات وفقًا لما تمَّ ذكره سابقًا؟
بالطبع لا، إنَّ ما ذَكَرتُهُ لا يعني بشكلٍ أو بآخر أن محدودي الاهتمامات هم أشخاص محدودو المهارات، بل على العكس، ولكنَّهم أشخاصٌ عرفوا قيمة الإنجاز فجمعوا تلك المهارات بفضل خطوتين رئيسيَّتَيْن:
1_ التوالي في اكتساب المهارات
بأن كثَّفوا جهودَهم وجعلوا تركيزَهم منصبًّا على واحدةٍ بعينها وعند الوصول لمرحلة كافية تخدم حاجتَهم وهدفَهم انتقلوا لأخرى.
2_ التخطيط واتباع الأسلوب المُمَنهج
فتراهم يأخذون من المهارات ما يخدم بعضُها بعضًا ويجعل الأخرى أكثر سهولة في التحصيل، أو تلك التي تُعزِّز المهارة السابقة وترفع من قيمتها، كأن يكون هدفُ أحدِهم تعلم مهارة استخدام الحاسوب فإنه هنا وبكل تأكيد سينتفع من البدء باكتساب مهارة تعلم اللغة الإنجليزية، والتي ستجعل الوصول إلى هدفه الأساسي وإتقانه له أسهل وأسرع.
12_ سلوكياتنا الافتراضية وغير الافتراضية
دعونا نتعرَّف بدايةً على مفهومَيْ السلوكيات الافتراضية والأخرى غير الافتراضية:
السلوك الافتراضي: هو السلوك الذي تمارسه بعفويةٍ دون تفكير أو جهد ذهني نتيجة اعتياد أدائه أو لكونه سهلًا مُحبَّبًا لنفسك، أنت تقوم به عادةً دون تفكير يُذكر فقد تأطَّر عندك بإطار الروتين الاعتيادي، يميل العقل لدفعك إل فعله دونًا عن غيره لِيُبقي نفسَه في منطقة الراحة ظنًّا منه أنه بذلك يحميك من المخاطر.
السلوك غير الافتراضي: هو عكس ما سبق ذكره في تعريف السلوك الافتراضي تمامًا، إنه جامعٌ لكل سلوك تمارسه بترتيب وتفكير مُسْبَقَيْن، يحتاج جهدًا ذهنيًا وجسديًا أحيانًا، أنت لا تمارسه باستمرار وهو بذلك يقع خارج إطار العادة والروتين الخاص بك، ولذلك فإن أداءه يحتاج جهدًا وطاقةً مضاعفَيْن، وهذا ما يعدّه العقل منبوذا ويسعى جاهدًا أن يجنِّبك الوقوع فيه من خلال التسويف والتأجيل وما إلى ذلك.
وتأتي إنجازاتك غالبًا من دائرة هذه السلوكيات كنتيجة طبيعية لأدائها والالتزام بها، وهي التي تُحدِث فارقًا في مهاراتك المُكتسبة.
ولكن مع صعوبة هذا وسلاسة ذاك، كيف لي أن أغيّر المعادلة لتغيير النتائج في حياتي؟
ليس سهلًا علينا البتة استبدال السلوكيات غير الافتراضية بتلك الافتراضية بين ليلةٍ وضحاها، ولكن لحسن نحن وبقليلٍ من الإصرار يمكننا العمل على إعادة برمجة عقولنا، بحيث تصبح تلك السلوكيات غير الافتراضية أكثر قابلية للتطبيق وبشكلٍ أسهل، ويمكن لهذه الخطوات أن تساعدك في الوصول إلى ذلك:
مقترحات تساعدك في تحويل سلوكك غير الافتراضي إلى سلوك افتراضي :
1_ القيام بكل ما من شأنه أن يجعل السلوك غير الافتراضي أسهل من سلوكياتك الافتراضية الأخرى،
دعني أوضح لك ذلك أكثر بمثالٍ بسيط،
مادام كتابُك ملازمًا لمكانه على المكتب في الغرفة الداخلية بينما يحتفظ الهاتف بمكانه محمولًا بين يديك أو في جيبك على مدار الساعة، بكل تأكيد سيكون سلوكك الافتراضي هنا يتلخَّص في لزوم التصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي بكل سلاسة، بينما ستجد في نفسك تثاقلًا عن البدء بالدراسة أو القراءة في كتابك البعيد ذاك،
ما يتعيَّن عليك فعلُه هو أن تجعل تصفُّح الهاتف يبدو أكثر صعوبة من قراءتك وتصفُّحك في كتابك؛ نعم ضع الهاتف بعيدًا عن متناول يدك، واجعل الكتاب ملازمًا لمكان جلوسك المتعارف عليه في البيت.
والآن قس على ذلك كل الأمور.
2_ هل تصنع في العادة لكل سلوكٍ غير افتراضيٍّ تقوم به كالقراءة أو الرياضة مثلًا طقوسًا خاصة تساعدك على أدائه؟
حسنًا، في الواقع هذا أمرٌ جيد، ويساعد على إضفاء طابع الخصوصية كما أنه يُشجِّع على الإنجاز في كثيرٍ من الأحيان، ولكن ليس له نفس التأثير دائمًا؛ فاتخاذُك لوقت المساء أن يَحِلَّ والهدوء والسلام أن يَعُمَّا المكان، والشموع والإضاءة الخافتة شروطًا لا تنازُل َعنها حتى تبدأ إلهامَك أو تمارس رياضتك، سيُقلِّص عددَ فرص الإنجاز لديك إلى النصف ولربما أقل من ذلك؛ لأن الظروف المثالية نادرًا ما تُتاح لنا،
قل لنفسك: لا بأس ببعض الطقوس العاتية أحيانًا، وأقبل على ممارسة ما ترغب بإنجازه بروح التقبُّل والإقبال.
3_ لا بأس من استخدام أسلوب الإيهام والإيحاء لعقولنا في بعض الحالات،
أوهِم عقلك بأن الفترة الزمنية التي يتطلبها أداء سلوكك غير الافتراضي الذي تشرع بأدائه قصيرةٌ، وأنك بدورك لن تمنحه سوى القليل من الوقت، الآن قم وابدأ بأداء جزئية بسيطة منها، وما أن تفعل ذلك حتى تجد نفسك مسترسلًا بذاك العمل، وقد تُُمضي فيه وقتًا أطول مما كنت تطمح إليه.
كانت هذه بعضًا من أهم المعوِّقات التي تواجهنا عند البدء أو خلال مسيرتنا في اكتساب المهارات، ولا أدَّعي الإلمامَ بها جميعها بين ثنايا هذه السطور؛ ذلك أن هذه المُعَوِّقات تتعدَّد بتعدُّدِ الأشخاص والظروف، قد يواجهك منها ما تقتله أنت بسيف الأمل والطموح لتصل إلى مبتغاك، وقد لا يعترض أحدَهم منها سوى الفتات فتراه يتخذ منها مبرِّرًا وشماعة يعلِّق عليها فشله وإخفاقَه.
ويبقى الفيصل هنا هو المثابرة والطموح والصدق مع النفس في الرغبة بالإنجاز للتغلُّب عليها.
دمتم بِوُدٍّ منجزين متفرِّدين، لا تثنيكم عقبةٌ مهما كانت عن مواصلة الطريق الذي اخترتموه.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
بارك الله فيك أستاذ إسلام
أسعدني مرورك الكريم على المقال والصفحة.
وأرتقي بإلهامكم ودعمكم
حياك وبياك في كل وقت
ما شاء الله أستاذة ريم.
مقال ثري ومفيد جدًّا.
وأسلوب رشيق وسلاسة في الأفكار.
قرأته على عجل.
وأعيد قراءته مرة أخرى إن شاء الله.