للحديث حول خطوات تطوير الذات لا بد من إيضاح فكرة التجزئة في هذا المجال؛ فإنَّ تناولَه جملةً واحدةً دون تفصيل وتجزئة سيسلبنا القدرة على تطبيقه،

يمكنكم الاستماع للنص المكتوب أدناه بصوت الرقيقة أسيل البرادعي عبر بودكاست كمان بالنقر هنا


في خِضَمِّ الحديث حول تطوير الذات تُطرح العديد من المسارات والتي تُسهم بشكل أو بآخر بتكوين المفهوم العام لهذه الكلمة( تطوير الذات ).



فما هي هذه المسارات؟


تختلف التسميات لهذه المسارات من متحدِّثٍ لآخر، ومن كتاب لآخر ولكننا من الممكن أن نجملها في مسارات ثلاثة على الشكل الآتي:


المسار الأول: مسار التفكير الذاتي والذي يخصُّ الشخص بعينه ويحدِّد كيفية نظرته للأمور والطريقة التي يفكر بها، وايضاً النهج الذي ينهجه في حياته، مبادئه ومعتقداته، قراراته وتقديره لذاته، ويتبع ذلك مقدار ثقته بنفسه، وكيف يراها ومقدار احترامه لها، بمعنى آخر هذا المسار يدور حول ( علاقة الشخص بنفسه ).


المسار الثاني: مسار التعامل مع الغير، سواء في العمل أو مناحي الحياة الأخرى، فهو مسارٌ شاملٌ لكل من يقع في دائرة علاقات الشخص في حياته، سواءً كانت هذه العلاقة عميقة أو سطحية وهذا ما يمكننا أن نجمله تحت مسمى ( علاقة الشخص بغيره ).


المسار الثالث: مسار المهارات والمسيرة العلمية والعملية للشخص، وتشمل:


1- ما يتعلَّمه الإنسان من مهارات، سواء كانت لغة جديدة أو حرفة لطالما كان شغوفا بها.

2- تحصيل العلم من مصادره المختلفة، سواءً كان بدراسة ٍأكاديمية نظامية، أو دورات أو حتى قراءة في مجال أحبّه. وهذا ما يمكننا إدراجه تحت مسمى مسار ( علاقة الشخص مع مهاراته وقدراته؛ معرفتها والإيمان بها والقدرة على تطويرها ).


أصبح واضحا لنا الآن أن هذه المسارات المختلفة تلتقي مجتمعةً لتشكِّل أيقونة تطوير ذواتنا بشكل تكاملي، وتسير بنا على منهج واضح في خطوات تطوير الذات.


والسؤال المنطقي هنا، هل تتباين أهمية هذه المسارات فيما بينها؟

في حقيقة الأمر كلُّ مسارٍ منهم يُكسِبُ الشخصَ قدراً معيناً من الثقة بنفسه؛ فهم يشكِّلون معاً لوحةً متناغمة، وقد يصل الأمرُ إلى حدِّ كونِهم مرتكزين على بعضِهم البعض،


ولكن كيف ذلك؟

لا بُدَّ وأن صادفتك بعضُ الشخصيات والتي تلمح بعد فترة وجيزة من التعامل المباشر معهم أنهم أشخاصٌ متوازنون ومتصالحون مع ذواتهم، يعتريهم النقصُ كما هو الحال مع جميع بني جنسهم، ولكنهم يحتفظون بصورتهم الطيبة في نظرك، فهم ما زالوا بالنسبة لك ناجحين وملهمين ولكن، كيف؟ ولماذا؟


لوأنك تعمَّقتَ قليلاً في تفاصيل هؤلاء واطَّلَعتَ عل حالهم، لوجدتهم ملِمِّين على قدر حاجتهم بالمسارات الثلاثة التي تحدَّثنا عنها سابقاً، وضع خطاً عريضاً تحت كلِمَتَيْ ( على قدر حاجتهم ) ستسألني: لماذا؟


حسناً، سأخبرك في السطور اللاحقة عن السبب، ودعنا الآن نكمل حديثنا عنهم، كما قلنا ستجدهم أشخاصاً متصالحين مع ذواتهم، ويملكون تفكيراً ناضجاً بعلاقاتهم، يأخذون من المهارات والعلم ما يخدمهم في تحقيق أهدافهم، ولا يبدِّدون طاقتَهم بصدامات لا جدوى منها مع أنفسهم ومن حولهم ولا يضعون أنفسَهم في مِحَكّات تستنزفهم وتشتت تركيزهم.


خلاصةُ القول: ستجدُ أن العمل على تطوير هذه المسارات الثلاثة مجتمعةً ( علاقة الشخص بذاته وغيره ومهاراته)، تُنتِج شخصية تَتَّسم بالنضج والنجاح، تملك السعادة والرضا وتعكس للآخرين الإيجابية والقبول، ولا يعني هذا أبداً أن الشخص الساعي إلى تطوير ذاته سيبلغ مرحلة الكمال بأخلاقه وتصرفاته ويصبح إيجابيا بالكامل لا نقص فيه ولا خلل، ولكنه سيبلغ بالتأكيد تلك المرحلة التي سيرى فيها من كل عثرة دافعاً، ومن كل خطأ يقترفه درساً يتعلم منه، ومن كل ابتلاء اختبارا لصبره وتزكيةً لنفسه.


في هذه المرحلة قد نصل سويّاً الآن إلى التساؤلات الآتية:


هل يملك كلُّ مسار منها معاييرَ خاصة لنجاحه؟

هل من وصفةٍ علاجية وخطة ممنهجة وسلوكيات بعينها عليَّ إتقانها لأُتِمَّ كلَّ مسار؟

هل هناك مستوى محدد يجب علي بلوغُه في كلِّ مسار؟

هل من خطواتٍ محددة يسلكها الناجحون في كل مسار لأسير على دربهم؟


سأجيب على سؤالك بسؤال وهو: هل تعلم بأن مجرد هذا التساؤل هو بداية الفشل والإخفاق في ترقية ذاتك؟ أتعلم لماذا؟؟؟؟


الإجابة وبكل بساطة هي أن لكلٍّ منا احتياجاته وميولاته وظروفه وقدراته والتي لا تشبه بشكل أو بآخر ما لدى الآخرين؛ فما تحتاجه أنت في حياتك، قد لا يحتاجه غيرك، وما يهتم به غيرك، قد لا يعني لك شيئاً. كن على يقين بأن التطوير الحقيقي لذاتك لا يكون إلا بانشغالك في تحسين ما تحتاجه أنت في مسيرة حياتك الخاصة، أنت فقط الخبير بما تحتاجه لترفع من تقديرك لذات، وما ينقصك تعلمه لجعل علاقاتك تبدو أكثر اتزانا، وأنت، نعم أنت فقط الشخص الأكثر علماً بما تحتاج لتنميته من مهارات لديك؛ لأنك تعلم ما ينقصك وما من شأنه ان يجعل حياتك العملية مزدهرةً أكثر.


إنَّ كل ما يلزمك هنا هو ان تُنشئ حواراً صادقاً تجرُّدياً من التعاطف مع الذات بينك وبين ذفسك ؛لِتُحكِمَ قبضتك على ما تريد العمل على تطويره في نفسك؛ فلن يغوص غيرُك في أعماق عقلك وقلبك ليَطَّلِعَ على ما فيهما ولكنك المستطيع الوحيد لخوض رحلة الغوص تلك، فقط كن صريحاً مع ذاتك وحدِّد أولوياتك تِبْعاً لاحتياجاتك الشخصية ولا تتبع خطى غيرك؛ فما يُصلحُ غيرَك قد يُفسِدُك والعكس صحيح.


ليست كل الوصفات ناجحة للجميع، اصنع لنفسك كُتَيِّباً للتعليمات يوائم جسدك وروحك وعقلك وقدراتك وظروفك أنت ثم اعمل به وكن على يقين بأن من نال النجاح لم يكن له ذلك إلا لأنه سعى بوعيٍ لإصلاح ذاته بما هو متاح له، فعاش النسخة الفُضلى من نفسه، قاد زمام أموره، ركَّز في مضمارسباقه الخاص وترك مراقبة الآخرين ولو أنه سمح لداء المقارنة مع الغير بالدخول إلى حياته لفَسَدَ وفَسَدَت حياتُه.


هل يُمكننا القول الآن بأنني قد أجبت على سؤالك في الأعلى حول سبب الأخذ من المسارات على قدر حاجتنا فقط وتحذيري من السماح لتيارات التطوير العاتية أن تجرفنا بكثرتها وزخرفها؟؟؟

بوعيك العالي أراك قد أدركت السبب.


قد يعارضني أحدكم قائلاً: ولكن أليست القدوة الحسنة محفزا قوياً لتطوير الذات؟


نعم هي كذلك، ولكنَّ متغيراتٍ بسيطة بين مكوناتها قد تقلب المعادلة وتؤتينا من النتائج أسوءَها، وحَرِيٌّ بنا في هذا الموضع أن نتمكن من التمييز جيداً بين الطموح والمقارنة، الَّذَيْن وبالقليل من سوء الفهم قد نخلط بينهما ونمنحهما نفس التعريف وهم بعيدان كل البعد عن بعضهما البعض في حقيقة الأمر؛ عندما تضع لنفسك مثالاً ينسجم مع ما تحتاجه لتستقيم حياتُك وتصبح أفضل، هذا طموح، فمثلاً؛ فلانٌ أراد أن يصبح مهندساً، واتخذ قراراً بأن يرقى درجات تحصيل العلم في هذا المجال حتى نهايته متخذاً شخصية معينة لطالما ألهمَتْهُ قدوةً له، فلَزِمَهُ وتابع خطواته التي سار بها للوصول إلى غايته، أخذ من سيرة ذاك الشخص ما يناسبه لبلوغ غايته، وترك ما لا يتناسب مع ظروفه واستطاع أن يوجِد البدائل إذا لزِمَ الأمر مستغنياً تماما عما لا يستطيعه إطلاقاً.فكان له ما سعى إليه بطريقة مختلفة عن غيره، وصل لنفس نتيجة قدوته مع اختلاف تفاصيل الرحلة.

فلانٌ هذا نفسه لو أنه سلك منهج المقارنة تحت مظلة مسمى القدوة الصالحة لأخفق واستسلم في بداية الطريق.


أتسأل لماذا؟ حسناً سأجيبك:


لأنك إما ستجده سرعان ما يوجد الأعذار مع كل عثرة؛ فهو دائم المقارنة لجودة أدائه والظروف المتاحة لكليهما مُسقطاً إخفاقَه على الظروف غير المتكافئة، وسيجد من سوء ظروفه متكئاً سهلا يُسنِد إليه فشلَه. أو قد تجده مقارِناً دائم النَّقَمِ والبُغض على من يزيد عليه في الكفاءة والفضل، وفي كلتا الحالتين يكون قد خسر الهدف الأساسي من القدوة الحسنة التي اتخذها لنفسه فور تأطيرها بهالة المقارنات تلك.

كن واعياً لمفهوم القدوة، وانتقِ بحرصٍ شديدٍ قدوتك الحسنة لتصل إل مرامِك وتُصلح ذاتك.

وعليه نكون قد توصلنا سويّاً إلى أن مفهوم تطوير الذات يدور حول إعادة برمجة نظرتك لنفسك وعلاقتك بذاتك وطبيعة الحوار الذي تنشئه في عقلك مع نفسك وكيف تخاطبها، منتقلاً لعلاقتك بالآخرين والأسلوب الذي يسلكه عقلك في تحليل المواقف المنبثقة عنها وقدرتك على احتوائها والتعامل معها، وصولاً إلى قدرتك على معرفة قدراتك وتنمية مهاراتك العلمية والمهنية والحياتية منها.ولنا في هذا المجال لقاءٌ قريبٌ بإذن الله في الجزء الثاني من هذه السلسلة والتي ستحوي ومضاتٍ عديدة لتنير ذهنك في مجال علاقتك مع نفسك ومع الآخرين (أي المسارَيْن الأول والثاني من مسارات تطوير الذات)، تأتيكم على هيئة خواطر منفصلة تنقلكم لزاوية التفكُّر بذواتكم،( بإمكانك الانتقال إلى الجزء الثاني بالنقر هنا ) على أن نجعل للمسار الثالث مقالاً منفرداً نسلط الضوء فيه على معوقات الإنجاز والعقبات التي نواجهها عند الشروع باكتساب مهارة ما. ولا تنسَوا أن تأخذوا من هذا وذاك ما يَصلُحُ لكم ويُصلِحُ حالكم ، وإلى حينها دمتم في رعاية الله وحفظه.





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

💯💯💙

👍👍👍👍❤

إقرأ المزيد من تدوينات ريم الصيرفي

تدوينات ذات صلة