قد يكون حلمك زهرة والله يريد لك بستاناً ، اصنع لك مخزوناً وفيراً من ذخيرة القناعة فإن كنت راضياً رضي الله عنك وسلك لك سبل السعادة وأضاء لك نور الحياة





انقضى فصل الخريف منذ مدة ،وأصوات حفيف الأشجار وهرير الرياح يوحي للسامع كلل الأشجار من الثلوج المتكدسة ، وعلى نافذة شرفتي تلقي الشمس أشعتها تصافح عينة من الثلج تركتها الغيوم في الليلة الماضية لتبشرها بقدوم الربيع، والليل يعقُب النهار والصيف يتوارى خلف التلال ، والعمر يمضي يوم بعد يوم والورقة لازالت باهتة لا يجددها تغيّر الزمان وإن آويتها في كتابك ستبقى جافة لا يؤثر فيها اختلاف أرقام صفحات الكتاب، ولن تصقلها السطور التي كتبت فيه. إلّا إذا فتحت الكتاب وأسقطتها منه قصراً عنها.

هشة صغيفة إن حاولت مسكها بيدك ستتفتت حتماً.


ليست كحال الورقة المتشبثة بغصن الشجرة لا تشبهها بتمسكها القوي رغم تغير حالات الطقس ،ورغم ضعفها في الخريف، لا يستطيع لهيب شمس إذابتها ولا برد قارس يستطيع تجميدها ، نعم هي تلك الورقة التي تصورتها في مخيلتك الآن لا شك أنها لفتت إنتباهك باختلافها و بلونها الأخضر وسط اصفرار أقرانها، هي نفسها تلك التي انفردت عن غيرها وحافظت على رونقها هي نفسها تلك التي إن اختطفتها ووضعتها في نفس الكتاب ستبقى مخضّرة.


وأنا وأنت ورقتان إحدانا باهت والأخر جَلِّي فأيَّما الورقتين نحن؟ وما الفرق في التشبيه ؟! فكلانا ابن آدم وكلانا نحمل الصفات البشرية المعروفة من جسد وعقل وقلب وحواس والخ...


دعني أخبرك ما الفرق...


الله عزوجل عندما خلق آدم عليه السلام وطلب من أهل السماء السجود له لم يستطع عزازيل تحمُّل تفضيل المخلوق البشري الترابي الآدمي ورفض باستكبار الخضوع لأمر الله تعالى نظراً منه أن خلقه أعظم ، رغم أنه كان من أكثر الجن إخلاصاً في عبادته لله عزوجل ورغم معرفته القطعية بجبروت الخالق ورغم علمه التام بأن الكبر لله وحده، إلّا أنه اشترى النعيم بالجحيم بثمن زهيد


ولأنه منقوص شاء لنفسه أن يكون الورقة الباهتة التي سقطت من أعلى الجنان الى أسفل السافلين ليحمل اسم إبليس وليستعاذ به بلايين المرات يومياً على لسان آدم


الذي عندما ذاق الشجرة المحرمة عاد الى ربه تائباً مستغفراً طالباً غفرانه راجياً عفوه فكان مصيره أن يكون ورقة خضراء سقطت من شجرة الجنة لكن سقوطها كان البداية الجديدة للإنبات فكان المصير أن يشكر آدم ويكفر ابليس.


الله شاء وقدر وفعل ولكنه جعل كلا المخلوقين مُخَيراً لا مُسَيراً ، كلاهما كان باستطاعته تحديد من سيكون وعلى أي هيئة سيبدو فاقتنع الأول والثاني امتنع


فكيف كان ذلك؟


لكل منا ميّزة تجمِّله عن غيره، ولكل منا رواية خاصة به، ولكل منا حياة جميلة كتبها الله له لابد أن يعيشها على أكمل وجه ، ولحظات جميلة لابد ان يستشعرها بكل مشاعره ، وتجارب لابد ان يخوضها . وفي هذا ترك الله عز وجل لك الاختيار إما أن تكون قانعاً بروايتك فتقرأها بروية وتستمتع بحروفها، وإما أن تمتنع عن قراءتها


قد تختلف الوجوه والأنساب وتتفاوت المشاعر ولين القلوب وتتشارك الأفكار والتجارب وتتلاقى المواهب وتتشابه العثرات وتتنافس العقول .إلّا أن لكل منا مقدار معين من النصيب سيحتسيه ،ولكل منا قدر هو آتيه وقضاء هو صائبة ومصير هو لاحق به فلا داعي لتشتيت ذهنك بنعم قد أفضى بها الله على غيرك يا عزيزي ، كن قانعاً بكل أنعمك راضياً بكل ما قدر لك من خير أو شر سواء أكنت راضياً به أم جازعاً منه


وإن من أهم ما حذرنا منه ملك الملوك تمني نعمة انعم الله بها على غيرنا فإننا لا ندري أي ابتلاء سبق تلك النعمة وأي مصيبة تنافست معها وأي ذنب كان سببا في زوالها تمعن قوله تعالى قليلا...


{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}


أيضا في قوله:


{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}


صدق الله العظيم عندما قال( رزق ربك خير) نعم هو خير لك حتى وإن حرمت شيئا ما تمناه قلبك وودت لو أنك تملكه، انظر في نفسك ستجد أنه أعطاك نعما لا تعد ولا تحصى عوضاً عنه ولو أنه علم فيه خيراً لك لأعطاك إياه ، وما تدري لعل الله يريد لك من الحرمان ثواب يجزيك به يوم القيامة؟؟ (وهي أبقى)أي أدوم وهذا الثواب هو أبقى من متاع الدنيا


دائما ومنذ صغري ما كنت ألقي بنفسي بين يدي أمي حفظها الله لي وابتدئ سيمفونية مسائية نكدية عجيبة تستسلم فيها أنفاسي للضيق، دموعي للانهمار، و أُظْهِر بين شهقاتي احتياجي لأختي التي لم يشأ الله لها أن تكون في حياتي


كنت اشتكي ببراءة ممزوجة ب لماذا، لم أكن راضية فهذا المصير لطالما أيقظ عندي شدة التلهف والحزن، ولكنني عندما اشتد تعلقي بخالقي أيقنت أن الله لم يمنعها عني إلا لخير وبالوقت ذاته بحثت حولي وإذ بي أجد اكبر نعمة في حياتي أمام عيني وانا عنها كنت تائهة ،رزقني بأمي التي كانت هي العوض الأكبر عن الأخت والصديقة


يحدث كثيراً أن نتمنى شيء ويكون بحوزتنا الشيء الأعظم منه ولكننا لم نبحث عنه، لم نعره أي اهتمام، أو أننا سهت منا الأعين فغض طرفنا وما التفتنا للجهة التي هو فيها، صدقني لو أننا علمناه وأيقناه لرضينا كل الرضى


تماماً كمريض سرطان حُرِم العافية ولكنه راضٍ بمرضه متصالح مع ضعفه، فتراه يسعى لطلب العلم والعمل لدنياه وقطع طرف الاكتئاب وتجديد الأمل يوما بعد يوم بالشفاء رغم تكرار صدى صوت الطبيب في أذنيه عند كل جرعة باقتراب أجله


صديقنا الذي حرم العافية رزق الأمل


وكثيراً ما نسمع عن إنجازات عظيمة حققها أناس من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن هم بلا أيد رسّامون وبقدم واحدة متسلقون ، وبُكْمٌ كاتبون وشُلَلٌ مخترعون


أولئك اللذين حُرِمُوا أطرافهم ورُزِقوا الإرادةَ و الموهبة


وإذا ما سألت أحدهم وجدته شاكراً سعيداً راضياً فيكف تبلغ ما هو بالغه من الرضى؟؟


إليك قواعد عدة إذا اتبعتها سيترسخ مفهوم القناعة لديك...


١. اشكر الله في السراء والضراء فإن شكرته على نعمه عليك زادك♡


٢.كن راضيا قانعاً بصورة وجهك و بالخلقة الحسنة التي خلقك الله عليها ، طويلا كنت أم قصيراً سميناً أم ضعيفاً، قبيحاً أم جميلاً ...مهلاً مهلاً !! قبيحاً ؟الله تعالى لم يخلق شيئاً قبيحاً فقد أحسنَ كل شيء صنعه ، لذا لا تسمح لأحد بالانتقاص من جمال صُنْعِ الخالق فيك وإن كان مازحاً بانتقاصه♡


٣.كن فخوراً بنسبك، معتزاً بهويتك♡


٤. لا تلم نفسك على تجربة فاشلة أيقظت فيك البكاء ونزعت من حياتك السعادة♡

٥.انظر بلطف ومحبة لإنجازات الغير واجعلها حافزاً لك وغيرة إيجابية لا سلبية للتطوير من نفسك♡


٦.انظر لجمالياتك وتجنب التدقيق في سلبياتك الطفيفة فإن عظمتها أنت عَظُمَت♡


٧.حاور روحك بهدوء وتصالح مع عيوبك الخلقية♡


٨.تسامر مع مشكلاتك وأجبرها على الرحيل♡


٩.اظهر تفوقك وأنجازاتك لهذا العالم فهو مليء بالداعمين والمصفقين♡



ولتتم القواعد التسعة السابقة بالقاعدة العاشرة عليك أن تصفق لنفسك أولاً وتسعى للحفاظ على لونك الأخضر ♡ في الوقت الذي انتشرت فيه الكثير من الأوراق الباهتة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ماشالله ❤️

إقرأ المزيد من تدوينات راما الكميتي

تدوينات ذات صلة