الاستمرار في تقبل الخطأ يجعلنا نستمر في ارتكابه... وقد الوقت قد تأخر

واستمرت حياتها على ذلك المنوال فلم تشتك يوما لأحد ما تعانيه مع زوجها حتى جاء ذلك اليوم الذي مرض فيه عمار وأخبره الطبيب بأن السرطان قد تمكن من كبده، لم تتخيل سلمى أن ترى عمار ذلك الرجل والذي قد تخطى حاجز الأربعين عاما الا انه كان قوي البنية مهندم الهيئة جميل السحنة، أن يتأكل جسده فينخفض وزنه ويبهت وجهه ويتملك الضعف منه مع مرور الأيام حتى بدا أنه ليس له في تلك الدنيا غير أيام معدودة.


عادت سلمى إلى واقعها ثم أمسكت بيد زوجها وقبلته ثانية على جبهته قائلة-

  • هيكون جزء صغير من جميلك عليا أنا وأهلي.

حاول بعض من أفراد أهلها اثنائها على ما ستفعله معللين لها أنها ما زالت صغيره في السن وأن ابنتها في حاجة إليها وأنهم يستطيعون أن يجدوا متبرع قد يدفعوا له المال مقابل تبرعه ولكنها قد أخذت قرارها مؤكده انها لن تستحمل ألم زوجها في انتظار متبرع.


وُضعت سلمى مع زوجها في غرفة واحدة قبيل العملية، كانت دائما تترك سريرها وتجلس بقربه محاولة التخفيف عليه حتى من يراه لا يصدق انها أيضا ستكون معه في نفس العملية. بدت قوية وثابتة صلبة لم يظهر عليها أي خوف أو تردد، رفضت أن يكون أحد من أهلها معها في ذلك اليوم حتى لا يرى زوجها رفضهم لما ستفعله في عيونهم. وقبيل العملية بدقائق بغرفة العمليات وقبل أن يتمكن المخدر منهم مسكت يديه قائلة:-

-- كل شيء هيخلص بسرعه، متقلقش.


بعد العملية وُضع الاثنين كل منهما في غرفة نقاهة منفصلة، لحظات الافاقة على سلمى صعبة ومؤلمة، بالكاد تستطيع فتح عينيها، نغز في موضع العملية بدأ في الظهور، والكلمات تخرج من حلقها بصعوبة بالغة.اقترب منها الطبيب وكأنه عرف ما تود قوله، مال على أذنها وبلهجة مطمئنة قال لها: اطمني عمار بخير.وكأن سلمى كانت تنتظر تلك الجملة فأراحت رأسها وأغمضت عينيها.


بدأ عمار في استرداد عافيته شيئا شئيا وقد أفرح ذلك سلمى رغم ما تعانيه، فجسدها أصبح أكثر نحولا وبدا على وجهها الضعف وأسمرت بشرتها بعض الشيء، ذلك أن الطبيب أخبرها أن جسدها عانى من بعض المضاعفات من جراء تبرعها بجزء من كبدها لزوجها، ولكنها كانت تتحامل على نفسها وتقوم بواجباتها المنزلية ولم تشعر عمار يوما بألمها، حمل لها عمار جميل صنعها بعد العملية فكان يلبى جميع طلباتها دون تردد، حاول ألا يجهدها كثيرا ودائما ما كان يطمئنها بانه ليس الا وقت وستعود إلى جمالها وعافيتها مرة أخرى. ولكن تعب سلمى قد طال وأصبح النعاس يغالبها معظم الوقت وجسدها لم يعد قادر على أي مجهود.


ثم بدأت سلمى تلاحظ بعض تغيرات في طباع عمار من ناحيتها، لم يعد يأكل طعاما في البيت، ويغيب لساعات متأخرة وأيام كثيرة أصبح لا يبات في المنزل، وكلما حاولت أن تناقشه في الأمر زادت حدته في الكلام معها.بدأ الشك يسايرها في أن عمار يعرف أمرأه أخرى عليها فلم تقدر على فعل شيء غير مواجهته بالأمر، كل ما كانت تتمناه أن ينكر عمار الأمر لا من أجل نفسها ولكن من اجل ألا يهدم منزلها ولكن عمار لم يفعل ذلك، بل قال لها وبكل صراحة ووضوح أنه قد تزوج عليها أمراه أخرى فالشرع قد حلل له الأمر وهي امراه مريضه لا تقوي على أداء واجباتها الزوجية.


فجأة توقف الواقع من امامها وشعرت بضباب يغيم على كل تفصيله من حياتها، هل هي السبب في كل ما حدث؟ هل سكوتها وتنازلها عن أخطاء هو ما جعله يتمادى في أخطائه. لم تعلم ما الذي يجب عليها فعله، وكأن جسدها المريض أثر على سلامة تفكيرها، ولكن بعد دقائق قررت الا تتغاضى عن خطأ مرة أخرى، قررت ألا تحافظ على بيت فيه رجل لا يريد الحفاظ عليه، رجل كسراب يحسبه الظمآن ماء.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رائد يونس النبراوي

تدوينات ذات صلة