عندما تتغاضي عن خطأ ارتكبته، فلن يكون عندك مانع في تقبل المزيد من الاخطاء ... سراب

تكاد أن تختفي أشعة الشمس المطلة على الممر، والحركة عليه ضبابية فلا تمشى غير أرجل بسيطة، الصمت يخيم على المكان الا من صوت فرك سلمى ليديها التي ترتعش أطرافها وهي جالسة على كرسي الانتظار، تستطيع أن تلاحظ بسهولة مدى القلق المكسو على تفاصيل وجهها الجميل، ينطلق من صدرها تنهيدات توحي بالألم والحسرة، تغمض عينيها وكأنها تحاول الدخول في عالم أخر ليريح بعض ألامها في ذلك العالم.


ينفتح باب بجانبها وتخرج منه فتاه ترتدي زي التمريض لتخبرها بأن الطبيب في انتظارها، تنظر لها سلمى للحظات وكأنها لا تريد الدخول، ثم تقف ببطء متظاهرة بالتماسك وتدخل الغرفة.الطبيب رجل ستيني من النظرة الأولى في وجه يتملكك شعورا بالراحة، شعيرات رأسه البيضاء أكسبته الوقار والاحترام. يبتسم في وجه سلمى ويجلسها أمامه، يحاول أن يحدثها ببعض الكلمات اللطيفة الممزوجة مع ابتسامته لعله ينجح في رسم بعض ملامح التفاؤل على وجهها ولكن عين سلمى لم تتحرك عن ملف وضع أمام الطبيب فأيقن أنه عليه أن يدخل في الموضوع مباشرة بدون أي مقدمات.-

- أنا أسف كنت عاوز أقولك خبر سعيد.

أطالت سلمى نظرتها في الطبيب بدون أن تتحدث فلم يجد غير أن يفتح الملف الذي أمامه، أخرج منه عدد من أوراق التحاليل والأشعة الطبية وظل ينظر فيها وكأنه يتأكد من كافة تفاصيلها ثم نظر إليها.-

-- السرطان دمر الكبد تماما، العلاج معتش جايب نتيجة، لازم تلاقي متبرع في أٌقل من شهر.


ظلت الجملة تتردد في عقل سلمى طوال طريق عودتها إلى منزلها، لازم تلاقى متبرع في أقل من شهر.دخلت شقتها حاملة الملف الطبي في يديها، وقفت في الصالة ناظرة إلى باب غرفة نومها، وكأن وجع الدهر كله قد ألم بها فنزلت دمعة على خدها أزالت كحل عينيها الجميلتين، جميلة هي سلمى بملامح وجهها الرقيق، نضرة البشرة، بيضاء كقمر أطل في ليلة تمامه، بجسد ممشوق فُصلت فيه معالمها الأنثوية ببراعة واتقان. تنقلت سلمى ببصرها بين الملف الطبي وباب غرفة نومها مستعيدة ما ذكره لها الطبيب إلا انها حاولت أن تستعيد واقعها فمسحت الدمعة من على خدها وضبطت كحلها وكأنها قد اتخذت قرار ما.وضعت الملف على الطاولة ثم اتجهت إلى باب غرفة نومها ووقفت امامه للحظات وفتحته بعد أن أخذت نفسا طويلا راسما ابتسامة على وجهها. -


اسفة حبيبي تأخرت عليك.قالتها سلمى لزوجها عمار، الممد بجسده على الفراش، حاول أن يرسم ابتسامة على وجهه ولكنه لم يقدر فملامح المرض الواضحة على وجه المكسو بالعرق قد أنهكت جسده. تناولت سلمى منديلا ومسحت العرق من على وجهه بحنان وهي تبتسم.

---- استحمل يا حبيبي معلش كلها أيام وبعد العملية هتكون كويس.-

-- عملية، عملية أيه.-

-- الدكتور قال إنه هيعملك عملية زرع كبد وراح تكون بخير بعدها.-

-- زرع كبد، ومنين أجيب متبرع.-

-- هو دا الخبر الحلو اللي جيباه لك، الدكتور عمل التحاليل وطلعت عينتي مطابقة معاك.-

-- مستحيل أوافق على حاجة زي كدا.


أمسكت سلمى بشفتي عمار بلطف وقبلته على جبينه، ماسحة على رأسه والذي خلى من الشعر بعد تساقطه أثر العلاج الكيماوي، وغاصت في ماضيها إلى وقت كانت فيه فتاه صغيره أنهت لتوها المرحلة الثانوية كانت تشعر بسعادة عند نجاحها راسمة لنفسها مستقبلا كبيرا وأملا في الالتحاق بالجامعة ولكن قرار والدها فاجأها بتزويجها من أحد معارفهم وهو عمار. كان عمار يكبر سلمى بنحو عشرون عاما قضى معظمهم في السفر إلى بلد خليجي وعاد إلى بلده حاملا الكثير من الأموال فلم يستطع أبو سلمى رفض عرضه في الطلب الزواج منها، رفضت سلمى الامر في البداية ولكنها عادت وقد وافقت بعد ما رأته من عمار من طيبة قلب وكرم زائد اتجاهها واتجاه أهلها.ولدت سلمى في عائلة من ذوات الدخل المتوسط فوالدها موظفا حكوميا يكاد يكفي راتبه قوت يومه هو وعائلته الصغيرة، فكان زواجها من عمار طوق نجاه لهم جميعا، حتى يستطيع أخواتها على الأقل اكمال دراستهم الجامعية.


لم تستطع في بداية زواجهم التأقلم على فرق السن الذي بينهم فكان عمار جديا غير محبا للهزار له اهتماماته التي تناسب عمره والذي أراد أن يفرضها على سلمى، ومن معاشرته عرفت سلمى أنها بالنسبة له أمراه فقط من النوع الذي ينجب ويهتم بطلباته لا أكثر، تعبها الامر في البداية ولكنها لم تجد غير التكيف مع الوضع حتى تستطيع أن تعيش بسلام. ومرت معها السنون ولم تشعر بسعادة قط في حياتها قدر ما شعرت به عند ميلاد ابنتها الوحيدة مريم رغم عدم الرضا الذي رأته على وجه عمار عند انجابها فهي تعلم جيدا أنه كان يتمنى أن تنجب صبيا لا بنتا، كان جافا صارما في تعامله مع مريم وكم من خلافات دبت بينه وبين سلمى بسببها وكثرت الخلافات والجفاف عندما علم أن سلمى لن تستطيع الانجاب مره أخرى،


انقلب البيت رأسا على عقب فكم من مرة أخبرها أنه سوف يتزوج عليها وكم من مره عايرها بعدم انجابها غير البنات ولكن سلمى صبرت واستحملت فقط من أجل بيتها وبنتها.


تتبع ..........................


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رائد يونس النبراوي

تدوينات ذات صلة