هكذا نحن، نريد من طفلنا أن يتميز، أن يبدع، أن يتفوق، أن ينجح... لكننا نريده أن يسكت!

نربي أبناؤنا على الصمت، على الممنوع، على الاحترام لمن لا يستحق أحياناً، على الخوف من الاختلاف، على التقيّد بالمعطيات حتى وإن كانت خاطئة، على أخذ الإجابة كما هي... عدم النقاش، عدم التفكير، حتى أننا نمنعه من التخيل والإبداع من خلال استكشاف محيطه وتوسيع مداركه! (بلاش يوسخ حاله، أو يوسخ الحيطان)، والأخطر أننا نجبره على أشياء قد لا يكون مقتنع بها دون محاولة إقناعه أو إعطاءه المبرر (ويا ويله اذا اعترض)! وبعد كل هذا القمع نتوقع منه أن يتميز.


غريبون نحن، كم منا يتذكر توبيخه في البيت وفي المدرسة وفي الوظيفة. مشاهد كثيرة في مجتمعنا تعكس ظاهرة "اسكت". بدءاً من الأب الذي يتمنى أن يتميز ابنه والذي في لحظة خروجه عن النص يعاقبه. فهو يريده نسخة طبق الأصل عنه بفكره ومبادئه وكأنه هو المثالي الخالي من الأخطاء.


عندما يفكرون أطفالنا أو يسألون، فهذا دليل وجودهم... ودليل على أن لهم آفاق لا نهاية لها تدور في عقولهم... نخجل من أسالتهم أحياناً ونعتبرها ضمن دائرة العيب، فنقمع تساؤلاتهم ونعودهم أن يتقبلوا الأمور كما هي. وفي المقابل، خوفهم من ردود فعلنا على أسئلتهم تؤدي إما إلى حصر معلوماتهم أو إجبارهم على أخذها من مصادر خاطئة "أخطر" من السؤال بحد ذاته وبراءة ما يدور في عقولهم.

عندما يفكرون أطفالنا أو يسألون، فهذا دليل وجودهم

فبدل اسكت! لنتنحى ونعطي المجال لأطفالنا ليبدعوا... ليسألوا... ليستكشفوا... لماذا نقمع؟ فنحن حالما يخرجون إلى الدنيا نبدأ بوضع "الممنوع" و"المسموح" فيعتادوا على الرضوخ وعدم التفكير...نسكتهم ليس لنعلمهم بل حتى لا يخرجوا عن النص وكأنه النص المثالي.


أيها الشباب! يا آباء الغد القريب إن شاء الله... اتركوا أولادكم يتفكرون! دعوهم يتكلموا وأجيبوهم عندما يسألون بدون أجوبه مختصرة أو بعيدة عن الواقع! تعرفوا على مصدر وسبب أسئلتهم خاصة الاسئلة المتعلقة بمواضيع حساسة كالدين، الوجود، الجنس وغيرها! ولا تنسوا مراقبتهم ولكن مع احترام خصوصيتهم... فأولادنا ينتقلون لمراحل عمرية مثل البرق!


وفروا لهم الأمان بدون المبالغة ودعوهم يخاطروا ويكتشفوا بأنفسهم... أعطوهم المساحة لأن يتخذوا القرار! حتى لو كان خطأ أحياناً! وجهوهم ولا تعززوا خوفهم بل دعوهم يجربوا ويتعلموا من أخطائهم! ستنصدموا أحياناً من إماكنيتهم لحل المشاكل والتعامل مع الصعاب والمطبات... كل ما عليكم فعله هو تحميلهم مسؤولية قراراتهم وتذكيرهم أنهم لا يستطيعون لوم الآخرين وإختلاق الأعذار، فنحن مجتمع – للأسف – يتمتع بلوم كل شي إلا نفسه... فنحن لا نرى ولا نعترف بعيوبنا، وكأننا المثال الأفضل للتفوق وكأننا ختمنا الإبداع والتميز والأخلاق.

أعطوهم المساحة لأن يتخذوا القرار! حتى لو كان خطأ أحياناً!

إن كان الأب في مجتمعنا مثالي... والمعلم مثالي... والمدير مثالي... فلماذا نحن على ما نحن عليه اليوم؟ فلنسأل أنفسنا ذلك... لماذا نحن دائماً التابعون... المقلدون... لماذا نحن شعب مستهلك وليس منتج... لماذا البطالة والفقر... لماذا لا نحترم الوقت والمواعيد... لماذا شوارعنا مليئة بالنفايات... لماذا انتشار العنف والجرائم... لماذا تعنف زوجاتنا... لماذا النميمة والبغض والحقد... لماذا البعد عن كل ما جاء في تعاليم أديان السماوات وأخلاقيات أنبياؤنا؟قال الله تعالى في كتابه الحكيم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب 21]وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مبدعة كالعادة أستاذتنا ❤️

إقرأ المزيد من تدوينات عريب العارف العريان

تدوينات ذات صلة