في العتمة، كحال كل الاشياء التي تتوارى، يكفي الحدس المرهف ليصنع اليقين،

هكذا تتبع بيتهوفن خطوات الموسيقىٰ القادمة من إحدى شوارع فيينا في ليلةٍ مقمرة حين كان يمشي و أخوهُ ليقوده التوّق لدخول منزلٍ غريبٍ يفتقر لكل شيء إلا من إيقاع حُلمٍ خافت،كان يتدفق بِحسرة من أصابع فتاة عمياء تعزفُ على آلةٍ قديمة يجاورها أخوها الذي كان منهمكاً بصناعة زوج أحذية . ما أن بدأ بيتهوفن العزف حتى إنطفأت الشمعة الوحيدة التي كانت تُنير المنزل ليعمّ الظلام المخيف ،أسرع الشابُ لفتح النافذة فسقط ضوءُ القمر على العُتمّة وتوهجت الموسيقىٰ، لتولد من رحم الأحاسيس و الأحزان أشهر سوناتا عرفها التاريخ "سوناتا ضوء القمر "هكذا يكونُ للظلام مصدر اللاشيء والشيء . وهو ما دفع بالشابة الضريرة لتصرِخ بأعلى أوهامها أخيراً : أنت بيتهوفن "!.وفي الثلاثينات ، كان بيتهوفن يراقب عن كثب يأس البيانو منه وهو يفقد الق سمعه شيئاً فشيء ، كتب إلى صديقه الطبيب رسالةً" يال شدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع أنا سماعه" هذا العازفُ المرهف الذي تُميته تلك الفكرة ، قرر أن يموت وهو يعزفُ على أن لا يعزف مطلقاً وتحول في نهاية المطاف حرفياً إلىٰ "سوناتا "والتي تعني إصدار الصوّت من آلة وأكثر "كتب بخط المرض في آخر مسيرته " كُدت أضع حداً لحياتي اليائسة لكنه الفن . الفن وحده " وفي عام ١٨٢٤ حضرت كلّ فيينا مصفقةً لخظأ بيتهوفن الأشهر السيمفونية التاسعة والأخيرة ، التمرّد على نصِ الصمم و شيخوخة الأحزان، وهذا ما عجزت الصحافة أدراكهُ آنذاك واصفةً العمل" بالفوضوي " ويبقى السؤال هنا هل نستطيع؟ نستطيع أن نخرج من عالم الصمت؟ أن نخترق الصمم، وحشية المرض وعُتمة الحياة الغامضة، بهذا الملخص بذات العنوان الشهيّ - ضوء القمر - " ؟



نور الحسني


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة