أمازال بوسعي أن أحلم أم أني أصبح الحلم شيء مجهد للقيام به أو ربما مت بينما اتنفس ؟

أنا أصرخ هل تسمعني ؟ هل يوجد لصوتي صدى ، هل انا ميت ؟ لما لا أقوى على الوقوف ؟ أين قدمي ؟ هل كنت أحلم ! لما صوت الرصاص ما زال يتردد بأذني ؟

الجميع يظنون إني بلا عقل لكن كل ما انا في الامر اني لا أستطيع تقبل الواقع ، أعيش بعالمين بعد أن متُّ للمرة الأولى بحياتي .

كنت اظن أن الانسان يموت لمرة واحدة فقط وهي عندما يسحب آخر الانفاس التي كانت ملكه من هذا العالم . لكنني علمتُ إني مخطئ .. وبشدة. لقد علمت أن هناك نوع آخر من الموت ، النوع الأصعب ، والأشد إرهاقاً . جميعنا نعيش ونحن مُتأكدين بأن هناك يوماً سوف نذهب به ، اليوم الذي سيذهب كل ما فعلناه مع اتجاه الريح ، و كنتُ جاهزاً لهذا النوع من الموت كل يوم بِحكم طبيعة عملي ، لكن لم أكن خائِفاً ، فأنا أعشق عملي وإن ذهب بي إلى الجحيم ليس إلى الموت وحسب لكن لم أكن جاهزاً لتجربة هذا النوع الجديد من الموت الذي هو أعمق وأقوى .

رقيب الجيش الأول ، الذي كانت الأرض تهابه ، و العيون تلاحقه ، الذي و برغم صغر سنه وصل الى رتبة عاليه تأخد من حياة الآخرين عشرات السنوات للوصول إليها أصبح يُنظر إليه بعيون الشفقة .

كان شغف الطفولة ، هل تعلم ما معنى الشغف الطفولي ؟ أن تولد و أنت ترى نفسك بوظيفة او بمنصب لا يمكنك حتى التخيل بأنك في مكان آخر غيره ،أن تكون مُعجباً ومتلهفاً و مُهتماً لأمر ما بحيث لا يمكنك رؤية سواه ، أن تقضي به الساعات وتشعر بها مجرد دقائق .

هكذا كنت بطفولتي مُعجباً برجال الجيش و أُريد أن أكون واحداً منهم ، كُنت أقضي أغلب في مشاهدة الطريقة التي يحاربون بها ، كنت أقلد ما يفعلون بحذافير الأمور ، ظن الجميع إنه إعجاب طفولي و لكن كبرت السنين و كبرت معها ، وكبر شغفي تجاه حلمي ، على مدار سنوات حياتي لم أفكر بوظيفة أخرى ، و لم يقل حبي تجاه حلمي .

لم يكن حبي لوظيفتي وشغفي اتجاهها و تعلقي بها وليد لحظة او حتى نشأ بفترة قصيرة بل كان حب استعمر قلبي عشرات السنين

عندما حُسم الأمر وأصبحت بالسن المناسب للتسجيل في الجيش حاولت أُمي منعي ، رُبما كانت تظن أن الطفل الغبي كان فقط يعبث لم تعلم أنني كنت آخذ الأمر على محمل الجد ، كانت تمنعني بحجة أن وظيفتي ستكون أكثر خطورة من أي وظيفة أخرى ممكنة يمتلكها شخص آخر كمهندس مثلا ، و ستكون أيضاً أقل استقراراً و أنني من المحتمل أن لا أكون قادراً على تكوين عائلة ، من الممكن أن لا أعود أبداً . لكنني للأسف عدت و فقدتُ شيئاً أثمن من حياتي .


رغم محاولات عائلتي لتغيير رأيي وجعلي أحظى بوظيفة وحلم آخرين إلا انني لم أستمع لهم، رفضت أن أخذل نفسي و أخذل حلم الطفل الذي كنته قبل سنوات ، أبيت أن أتخيل نفسي بشيء آخر ، لم أستطع خيانة حلمي وموقفي حتى إن كان بعقلي أو مخيلتي.

بقيت مُصراً على موقفي حتى علم الجميع إنني لن أكون يوماً الا جندياً بالجيش أصبح الجميع في ذلك الوقت يراني كما كنت أرى نفسي . أما الآن فأنا لا أرى الا ظلي و لست قادراً حتى على رؤية نفسي .

تعاقبت السنوات التي كانت متعبة بالنسبة لأي شخص آخر الا أنا ، فبالرغم من التدريب الصعب و قلة النوم الا ان هذه الامور كانت محببة لقلبي ، كل شيء سيوصلني إلى ما أُريد هو حلو حتى لو كان ينافس القرع بالمرارة . الأذى الذي لحق بي لم يؤلمني ، قلة النوم كانت تجعلني نشيطاً ، التعب كان يسعدني ، كلمات الثناء القليلة التي كنت اسمعها كانت من الممكن ان تجعلني أتدرب شهراً كاملاً بلا استراحة ، كنت سعيداً لدرجة إنني ظنت نفسي بحلم .

يوماً بعد يوم تسلمت أول منصب لي كجندي بعد أن تأكدوا انني اجتزت كل التدريبات بنجاح و صعدت درجة درجة ورتبة رتبة إلى أن وصلت الى رتبة الرقيب وخلال هذه السنوات تزوجت و أصبح لدي طفلين ، و بالرغم من كل شيء كان شغفي بعملي أكبر و بقيت أقضي به أغلب ساعات يومي ، لم أكن زوجاً مثالياً ولا حتى أب مثالي .

حياتي كانت تساوي عملي ولا شيء آخر سواه كنت قد تقوقعت على وظيفتي لا أُريد أي شيء آخر بجانبها .


هل ربما بالغت بالأمر ؟ أن أن الحياة هي من بالغت بجعلي متألماً بهذه الطريقة ؟ أم انه عقاب على فعل سيء قمت به ولا أذكره ؟

رُبما كان ذنباً كبيراً جعلني أجلس بمنزلي مبتور الساقين بدلاً من أكون بساحة تدريب الجنود او حتى ساحة معركة جعلني أتلقى نظرات شفقة من الجميع في حين كانت نظرة واحدة مني مرعبة لدرجة تجعل جسد القابع أمامي يرتعد بمكانه . أصبحت أتلقى معاملة خاصة بعد ان كنت اتلقى الاحترام فقط . هل كان على اللغم أن ينفجر بي أنا فقط ؟ لما انا ولست شخصاً آخر . الآن علمت أن هناك معنى آخر للموت و هو أن تصبح غير قادراً على فعل الأمر الذي تحبه و قد ولدت من أجله. حينها تصبح ميتاً ، مثلي تماماً أنا الآن ميتاً لا أشعر بشيء أنا أكون فقط الرقيب القوي ذو العيون الحادة على ساحات التدريب والمعارك إما أكون هكذا او لا أُريد أن أكون من الأساس . لا أُريد أن أكون عاجزاً بهذا الشكل الذي لم أكن حتى أتخيله والذي أصبح واقعاً يسبب لي الغثيان . كل ما أفعله الآن هو انتظار موتي الحقيقي فلم يعد لي شيئاً أرغب بالبقاء من أجله موجوداً أُحاول المناضلة لكن الأمر برمته أصبح في قاع المحيط أصبحت عاجزاً عن سماع صوت قلبي و اهتزازه أصبحت لا أسمعه الا عندما ارتطم بالواقع فهذه اللحظات بدأت تصبح أبديه لا مفر منها بعد أن توقف بي الوقت أصبحت أركض و أقفز و لكني أعوذ لذات المكان لا شيء يؤثر بي بعد الآن ولم يعد قلبي ينبض لأي شيء و كان هذا موتي الأول الذي لم أحسب يوماً حسابه والذي ظننت أنني لا أهابه . لم يعد الوقت يشفيني !أصبحت أخفض صوت الواقع و أسرح بحلمي الى عالم افتراضي آخر حتى يسمع صوتي و أموت. أنا أصرخ بقوة أُريد الموت الآن هل تسمعني ؟

Monasaleem

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائعة جدا ... شكرا لهذا التألق

إقرأ المزيد من تدوينات Monasaleem

تدوينات ذات صلة