يقولون دائما أن الصبي مميز، يأتي محفوفا بفرحة عظمى، يأتي ليشعرك بالامومة يأتي حقا مختلفا..

كانت فرحتي عظمى حين أخبروني أنك قادم..

لم تسعني أرضي الواسعة، فكيف كانت ارضك الصغيرة ياصغيري..

أشعرت ايضا بفرحتي وشاركتني ذلك، أم انك استشط غضبا لذا استمريت بركلي ومحاولة الفرار هاربا قبل الأوان.

يقولون دائما أن الصبي مميز، يأتي محفوفا بفرحة عظمى، يأتي ليشعرك بالامومة يأتي حقا مختلفا..

كنت أتفق معهم وأجزم ان ما من بهجة اعترتني بقدر عمق سروري بقدومك، أنت يا بكري.

احببتك من اللحظة التي سمعت بها نبضك، جئت مختلفا تملك تلك الروعة والذهول المصاحب للمرة الأولى، كنت الأول في كل شيء..

في امتلاك قلبي دون رؤيتك، في شعوري الباذخ بأنني أحمل الدنيا وما فيها في احشائي، في التعب الشاق الذي لا يهونه سوى حركاتك..

جئت مطرا روى جفاف صحراء أمومتي..

وحملتك باردًا.. أبرد من اللازم ياصغيري..

اذكرها جيدا، تنخر في ذاكرتي تلك اللحظة حين توقفت عن الحراك، خلتك نائما مطمئنا في أحشائي، ولم أخلها موحشة بالنسبة لك..

ظننتك ستبقى أطول، ستقاول معي عناء التسع أشهر وسنبكي سويا عندما تغادر رحمي..

لكنك رحلت أبكر، غدوت وحيدة دون سابق عهد، استسلمتَ مبكرا ياصغيري ولم يتبقى سوى إسبوعان.. فطرت قلب أمك ياحبة القلب.

لمَ كل هذا الوجع والحزن عليك وأنا لم ألمسك حتى، لم تقع عليك عينيّ ولم أسمع حسيسك، لمَ ياكل القلب فعلت هذا بأمك..

بت ثكلى أفقد ما لم ألد، موحشة أنا دونك أنت..

إنتظرتك كثيرا، طويلا، عجاف كن تلك الأشهر، ولقيتك ملفوفا بكفن أبيض، صغيرا ياصغيري كنت..

لم تتهادى إلي صرخاتك، ولم أشدك إلى صدري، ولم تذق حليبي ياحبيب أمك..

تركتني فحسب أحمل وجعك وصدمتي بك إلى أبدي القريب..

سلبوني إياك، أخبروني أنهم سيدسون التراب عليك، سيضعون ركاما فوق ركامي، سيدفنون قلبي الصغير ليغدوا طيرا في الجنة..

ستغادرني رضيعا لم تذق لبنا.. اي وجع بحق السماء ملّكتني لأكمل به حياتي، وأي حياة دونك..

خلتك ستكبر أمامي، ستضحك كثيرا، تحبو ثم تقف فتذهلني بخطواتك الاولى، ظننتك ستغدوا إبني البار الذي أثرت فيه تربيتي الصالحة..

أنا لست قوية يابني أبدا لأحمل ألم كهذا في صدري..

يقولون لي أن أنجب غيرك، أن أتناساك وأكمل حياتي، أن لا أغدو بائسة وأدمر عائلتي بحزني المفرط، لاكنني لست حزينة البتة..

قلبي مفطور لاغير..

أنا تائهة، جديد عليّ الحال دونك، شاق عليّ نسيان نبضك..

كيف أستبدلك بطفل ٱخر لا أفهم، كيف أخبرهم انه ليس مجرد أي طفل وكفى، ليس استبدال هو.. أنه لأجلك أنت أردت أن أصبح أمًا، لك أنت، لنبضاتك الخافتة، لركلاتك التي بالكاد كانت تتوقف والألم الذي خلته أزليا، لكل نوبات الهلع، للغثيان الذي كان يمزق كبدي لبطني التي حملتك، أنا تحملت كل هذا لأجل أن تظهر أنت..


طيري الصغير..

أسفة كل الأسف لأنني لم أستطع حمايتك، لأنني كنت أضعف من أن أحملك أياما أكثر في رحمي المسمم..

أسفة لأنني أهملت المراجعة لضماني وجودك داخلي، لكنني أقسم لك بأن غفلتي هذه يستحيل أن تكون عمدا، يستحيل أن أجازف بك..

أسفة لأن ما من وعد قطعته لك إستوفيته..

وأسفة لأن كلمات الكون كله لو إجتمعت ما استطاعت أن تهون عليّ ألم فراقك..

أنا ياصغيري ضعيفة وفكرة أنك ستأتي كانت تجعلني أقوى..

أردت أن أصبح أما صالحة، غيرت كل عاداتي، إلتحقت بكل الدورات التدريبية لمعرفة كيفية الإعتناء بك، تعلمت الحياكة لأجل أن أصنع لك وشاحا صوفيا..

قلي أين أذهب بكل ملابسك، أيجب علي دفنها معك..

تقول جدتك أنك الٱن بت تحلق في الجنة، ولكنني لا أفهم..

هل ستتعرف عليّ يوم أبعث، هل ستميز أمك وسط كم الحشود المنتظرون، هل سأحتضنك على باب الجنة..

أم أنك ستغدوا محلقا الى الأبد، الى حيث عشك الذي يحتويك، الى مصير أفضل.

على أي شاكلة سأقابلك..

تخبرني أمي كلما قابلتني بأن أصمت وأن أكف عن طرح هذه الأسئلة الشركية، تخبرني بأن أصبر فحسب وأنها هي الأخرى فقدت ثلاثا ولم تكن مهزوزة مثلي هكذا..

كيف أخبرها بأنني لست مثلها، بأن فقدي هذا هو كارثتي الأعظم وأني أحتاج تفسير كي أصمت الى الأبد، أحتاج لوقت كي أطوي هذه الصفحة وأتخطاها، إنها ليست منافسة من منا فقد أكثر..

وأني أحتاجها هي أن تصمت وتحتضنني فقط..

أن لاتطلق أحكامها عليّ، وأن تكف عن أخباري أن أنجب غيرك..

أنا ما عدت أريد أن أصبح أما البتة، ماعدت قادرة على المجازفة وحمل طفل ٱخر بريئ..

لا يمكنني قتل صبي أخر، ولا أريد أن أصبح قوية بأي شكل من الأشكال..

سأضل هكذا حتى ألحقك، لعلي ألقاك في الجنة..

وأتمنى أن تشفع لي خطيئتي ياصغيري ..




أ/منى السايس،،

وشكرًا

كيان

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات كيان

تدوينات ذات صلة