"مقالة هي نتاج إجتهاد عقلي قد يعلوها الخطأ أو الصواب. إنها معادلة صعبة حاولت التدبر والتفكر فيها بيولوجيا لفهم طبيعة النفس التي أعيت صاحبها"
الإنسان مخلوق رائع ولكن خلقه مملوء بالآيات الجسدية والنفسية والروحانية التي لا توجد في مخلوق سواه. فإذا قورن بالملائكة المُسَيرة لطاعة الله بوظيفة محددة فهو مُخير في كثير من الأشياء. وإذا قورن بالشيطان الذي اختار معصية الله مع سبق الإصرار والترصد ، ففيه الجانب المتعلق بالصفات الملائكية والجانب الاخر المتعلق بالصفات الشيطانية بالإضافة إلي وسوسة نفسه والتي هي أشد وطئا من وسوسة الشيطان.
وتدبرنا لخلق الإنسان بيولوجيا قد يساعدنا علي الإجابة علي السؤال الذي يشغل النفس المؤمنة في كل عصر ومكان وهو : هل خلق الإنسان مخيرا أم مسيرا؟
والإجابة علي هذا التساؤل بيولوجيا يتطلب معرفة مكونات النفس البشرية والتي من الممكن حصرها في ثلاث عوامل داخلية تتمثل في الجسد والروح والعقل وعوامل خارجية تتمثل في الظروف البيئية من أسرة وتعليم وإعلام ومجتمع. فبيولوجيا نجد أن جسد الإنسان ما هو إلا مجموعة من الجينات المعبأة في نواة داخل كل خلية بعدد ثابت في كل البشر. يأتي نصف هذه الجينات من الأب والنصف الآخر المشابه له من الأم. ولذلك فالانسان ببساطة هو مجرد جسد تحركه الجينات تأثير التي هي نفحة من الله وكذلك أمانة العقل التي هي الأخري نفحة من الله. وتأتي الظروف البيئية لتمثل العوامل الخارجية التي تؤثر في تشكيل النفس البشرية من فعل وسلوك.
العامل الأول: إكتساب الجينات
الجينات هي من العوامل الأساسية في تكوين الإنسان والتي ليس له دخل في إكتسابها. ومع أن عدد الجينات واحد إلا أنها تختلف في بصمتها من شخص إلي آخر فتتحكم في الطول والعرض والذكاء والشكل والهيئة ولون العين والشعر وغيرها من الصفات الشخصية بما فيها السلوكية. وإذا كان الإنسان ليس له خيار في نوعية هذه الجينات بيولوجيا فهو ليس مخير بيولوجيا في صفاته وسلوكه المعبأة في جيناته التي من أبويه وأجداده.
العامل الثاني: التبادل الجيني
التبادل الجيني هو من العوامل الاساسية المؤثرة في تكوين الإنسان والذي ليس له دخل في اكتسابه. ويحدث التبادل الجيني بين قطع من جينات الأب والأم بعد تراصها جنبا الي جنب في صفين فتتبادل فيما بينها قطع محددة لا يعلمها إلا الله لتعطي تركيبة جينات مكودة لصفات تختلف من فرد إلي آخر. وبـالطبع الإنسان ليس مخير في هذا التبادل الجيني العجيب الذي يجعل كل منا فردا مختلفا عن الآخر. وعليه فالإنسان ليس مخير بيولوجيا في تبادل جيناته.
العامل الثالث: نفحة الروح
الروح التي تدب في الانسان هي التي تحرك جسده فعلا وسلوكا .والروح ليس للانسان دخل فيها لأنها نفحة من الله التي تنفخ في حسد الجنين بعد تمام ثلاث شهور من فترة الحمل من التكوين الجنيني. ومع أننا لا ندري طبيعة الروح إلا أن المرجح أن طبيعتها قد تختلف من شخص لآخر حسب إرادة الله. ولأن الإنسان ما هو إلا جسد معبأ فيه الروح التي تمثل البعد الرابع للتفس والتي تشكل وجدانه وعاطفته ونفسيته ولأن الروح نفحة من الله وليس للإنسان دور فيها ، إذا فالإنسان مسير روحيا.
العامل الرابع: أمانة العقل
العقل هو أمانة الله التي أودعها في كل نفس . ونحن لا ندري ماهية العقل وكيف يتحكم في الجسد وسلوكه بطريقة لاسلكية مائة في المائة بل قد تتعدي هذا التعبير اللفظي المحدود إلي مايمكن وصفه بعالم ما وراء الطبيعة نظرا لعدم قدرة الإنسان علي فهم أو حتي تصور آلية العقل الذي يمثل هو أيضا بعدا خفيا في الإنسان. ولأن الإنسان ليس له دور في ماهية العقل ، فهو ليس مخير فيه .
العامل الخامس: البيئة الخارجية
البيئة الخارجية والتي قد لا يكون للإنسان دخل في إكتسابها إبتداءا من الأسرة إلي المجتمع والتعليم والإعلام وغيرها من العوامل البيئية تؤثر هي الأخري وبدرجة كبيرة في تكوين نفس الإنسان التي بالطبع يستقبلها كل إنسان بطريقة مختلفة تعتمد علي تكوينه الجيني والروحي والعقلي المسير فيها كما أوضحنا.
وإذا أخذنا هذه العوامل الداخلية التي تكون النفس البشرية من جينات التي ممكن تمثيلها "بالهارد وير" والروح والعقل التي ممكن تمثيلها "بكهرباء أو الطاقة التي تشحن الجسد" نجد ان الانسان مسيرا فيها . وبالتالي فان البصمة النهائية وهي خليط من البصمة البيولوجية والبصمة العقلية والروحية مع بصمات العوامل الخارجية نجد ان الانسان في معظمه مسير في نواتجها .
فهل معني ذلك أن الإنسان مُسير وليس مخير. أم أن الإنسان مُسير فيما خُير فيه أم أنه مُخير فيما يسره القدر. في إعتقادي أن الإنسان في مجمله مسير بيولوجيا من حيث الجينات والعقل والروح واعتقادي أيضا أنه مسير الي حد كبير بيئيا حسب الظروف الإجتماعية والمالية والتعليمية التي يولد فيها.
ومع كل هذه الأدلة البيولوجية والبيئية التي تشير إلي أن الإنسان مسير ، فإن إعتقادي أيضا أن النية والتي محلها القلب هي العامل الأكبر الذي يجعل الإنسان مُخيرا حتي ولو لم ينفذ نياته علي أرض الواقع. وقد يفسر ذلك محاسبة الله للإنسان علي نياته قبل أفعاله.
النية والتي محلها القلب والتي يحركها العقل قد تكون هي أساس العلاقات والأعمال الإنسانية سلوكه وبصماته في الحياة و بالتالي قد تكون هي البعد الخفي في النفس البشرية التي تجعل الإنسان مخيرا فيما يسر له.
وخلاصة القول أن الجواب علي سؤالي قد يكون أن الإنسان مخيرا بنياته تحت تأثير عقله ومسيرا في صفاته تحت تأثير جيناته. والله أعلم.
بقلم أ.د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة - كلية العلوم - جامعة طنطا -مصر
عضو اتحاد كتاب مصر
جامعة طنطا – مصر
e-mail:[email protected]
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات