هل كنا قبل عقود أقرب للطبيعة والاستدامة منا اليوم؟ كيف نعيد علاقة الإنسان ببيئته في ظل التحديات التنموية المتزايدة؟

لا يزال المحتوى العربي الذي يتناول قضايا التنمية المستدامة والأبعاد التنموية المحلية للأهداف العالمية للتنمية المستدامة شحيحا وضحلا. فالأهداف السبعة عشر التي تبنتها دول العالم في العام 2015 بغرض الوصول إلى عالم أفضل في العام 2030 شاملة ومتداخلة وتكاد تلمس كل جانب من حياة المجتمعات وتحمل في تفاصيلها ومؤشرات أدائها ما يخدم كل مؤثر ومتأثر بالتنمية بمختلف قطاعاتها ومواقعها.


إذا، لم نقف – في المجتمعات العربية – إما منكرين أن الشأن العالمي يعنينا، أو مهتمين ولكن من وجهة نظر محدودة تقليدية تباعد بين الإنسان وعالمه المتشعب المتداخل؟

اسمحوا لي أن أحاول بمعيتكم استعراض الأسباب المحتملة لما يمكن أن نسميه ضعف الثقة بمفهوم التنمية المستدامة وتجسيده محليا وربما الولوج إلى عناصر وأمثلة ناجعة لجعل الاستدامة أقرب وأعظم أثرا.


أهداف التنمية المستدامة: بين العالمية وواقع الحال71755616842271544


لسنوات بل لعقود منذ قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، بدأ وانحصر الاهتمام والالتزام بالتنمية المستدامة ضمن نطاق عمل الحكومات واقتصر حشد التأييد والتوعية حوله في عدد من البيئيين الذين بادروا لتأسيس جمعيات بيئية غير حكومية، أفخر بأنني تطوعت وبشغف مع عدد منها. ومع تزايد الاهتمام الدولي بدور الجمعيات والمبادرات ومؤسسات المجتمع المدني، أضحى التوجه نحو تأسيس المزيد من الجمعيات التي حظيت بحصة وافرة من الدعم الخارجي لتنفيذ مشاريع تخدم الأهداف الإنمائية للألفية هو التوجه السائد. ولا يمكن أن ننكر أن تلك الجهود كانت ملائمة، ولحد ما، لما احتاجته تلك الحقبة من رفع الوعي وتحفيز دور المجتمعات والأفراد من خلال المشاريع والعضوية والتطوع في الجمعيات.

أما الجهود الحكومية فركزت آنذاك على إدخال مفوم الاستدامة ضمن القطاع العام من خلال لجان عليا والتزامات دولية وضعت الأردن في مصاف الدول العربية التي تبنت هذا المفهوم. كما طورت في تلك الحقبة أول استراتيجية للاستدامة البيئية "أجندة 21" وما صاحبها من خطط للتوعية والاتصال التي ربما لم تتعرض لتحديث جوهري منذ ذلك الوقت، إضافة إلى قانون حماية البيئة والأنظمة والتعليمات المتعلقة به.

وكتعبير أوضح عن التزام القيادة الأردنية بحماية البيئة واستدامتها، أنشئت وزارة البيئة ومنحت صلاحيات عززت من دور هذا القطاع ضمن الأولويات الوطنية والمواقف العالمية.


لا شك أن فرادة الموارد البيئية وعلاقة الطبيعة ومواردها الرئيسة مثل المياه والطاقة بالإنسان والتنمية لعبت دورا هاما في استمرار وتزايد الاهتمام بالاستدامة كمفهوم وكتطبيقات. ولعل معظم أهداف المؤسسات في مختلف القطاعات غدت تتضمن "التنمية المستدامة" بشكل أو بآخر. واستمرت المسيرة سواء من القطاع العام أو الخاص أو المجتمع المدني ولكن بأنماط وتوجهات متباينة، منها ما نلمس اثره بوضوح ومنها ما يدفع الكثيرين للتساؤل عن مدى فاعليته في المساهمة في التنمية المستدامة وتحفيز الجهود نحو تحقيق أهداف مشتركة وأثر مستدام. واليوم نفخر بأعداد الخريجين والخريجات من التخصصات المعنية بالبيئة وبأعداد المؤسسات غير الحكومية التي تضع البيئة في قلب غاياتها وبأعداد الاتفاقيات التي نصادق عليها التزاما منا بالعمل البيئي وبالمبادرات التي تسعى لإحداث فرق نوعي في بيئتها المحيطة.



أهداف التنمية المستدامة: بين العالمية وواقع الحال29178073789084590
unsplash.com



أذكر أن منزل عائلتي الذي بناه جدي – رحمه الله – في السبعينات احتوى على خزان لتجميع مياه الأمطار وسخان شمسي لتسخين المياه، وذلك في وقت لم تتوفر فيه أي حوافز أو أدوات لدعم مثل هذه الممارسات ولكنه كان توجها سائدا وطبيعيا. ولا أنسى أن الأردن ومنذ ستينات القرن الماضي أسس أول مؤسسة تعنى بالطبيعة والحفاظ على مناطقنا المحمية، ثم أول صرح علمي بحثي في السبعينات وكلاهما يساهم حتى اليوم في دعم التنمية المستدامة بطرق وبرامج مختلفة.


فهل كنا قبل عقود أقرب للطبيعة والاستدامة منا اليوم؟ مالذي أبعد الإنسان والمجتمع عن البيئة والممارسات المستدامة؟ ومالذي يمكن أن يعيد العلاقة الأزلية الطبيعية بيننا وبين بيئتنا بل وأن يعززها في زمن تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ونحتاج فيه إلى كل فرصة تعطي أملا في حياة أفضل؟ أطمح من خلال هذه المدونة إلى أن أسلط الضوء على أهداف التنمية المستدامة من منظورها العالمي والمحلي داعية إلى فتح المزيد من الفرص لتعظيم وتوجيه المشاركة المحلية في تحسين نوعية الحياة في عالمنا الصغير الكبير، بصرف النظر عن التسميات والمفاهيم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف بيئة

تدوينات ذات صلة