كيف نواجه أنفسنا والحياة بين متناقضاتها الخارجية والداخلية، ونعيش بحب وسلام وتقبل لكل ماهو في الداخل والخارج دون أحكام.

عندما تكون لديك براءة الأطفال، وصدق ونية الصبيان، تحب الجميع وتكن لهم كل الاحترام والتقدير، لم تخض معارك شرسة في هذه الحياة ولا قدرة لك على خوضها، تذهب بعيدا عن عالم الناس، إلى عالمك الخاص، الذي صغت فيه أشخاص من حولك على شاكلتك، في واقعك المعاش، وآخرين مثلهم في خيالك، فأصبحت محاطا من الداخل والخارج متقوقع على أفكارك متشبع بها، بنيت عالما داخلي كله بهاء وجمال بأحلام وردية، هروبا من الشر وأهله،


المخاض الذي يسبق الإستعاب


لم يكن عقلك الصغير يستوعب أن في هذه الدنيا شر كما فيها خير، أو لم تكن تريد معرفة ذلك، برغم أنك سمعت عنه الكثير، لم تكن تؤمن بوجود شيء لم تراه عيناك، كنت تتخيل أن حكايات الشر التي تروى لك مجرد أوهام ومكائد في عقول من يروونها، لم تكن تستوعب أنه يمكنك أن تكون أنت بنفسك مصدرا للخير والشر على حسب طبيعتك البشرية القابلة لكل الإحتمالات، وأن هذه هي سمفونية الحياة, يجب أن تختار من تكون، فالحياد واللون الرمادي لامعنى له، تبقى دائما غريب عن نفسك مالم تخض تجارب واحتكاكات مع المحيط الخارجي غير الذي أحطت به نفسك، فعلا كانت الرغبة ملحة في معرفة من أنا الحقيقية، لكشف ذلك اللغز وكسر ذلك الجمود، كان إحساس ملح أنه ثمة شيء يستحق الخروج لهذا العالم، وأفكار تطل بين الفينة والأخرى تعصف بالذهن، فمن يفلتها من عقالها؟ وأحداث تجول في الخاطر فمن يكشف عنها النور ويخرجها من سراديبها؟من يشعل فتيل الأحاسيس حتى تشع في بهائها؟ كيف يصبح اللون الواحد ألوان؟والطيف الواحد أطياف؟ كيف يبدل الشعار الواحد فيصبح شعارات؟ ونقبل حقيقة السواد، الذي بداخلنا ونتعامل معه، كما قبلنا حقيقة البياض، مالذي يجعلنا لا نتقبل أنفسنا حين نخطئ ولا نتقبل الآخرين كذلك؟أهي تلك الصورة البريئة التي رسمناها لأنفسنا عن أنفسنا؟ نخاف من ضياعها، أو نخاف من ذهاب المكانة التي بنيناها في الواقع والخيال، وهل الإنسان منا لا يعرف نفسه على حقيقتها إلا عندما يخوض معارك ضارية بين الخير والشر الذي بداخله؟ وهل يجب أن نهرب من الشر وأهله حتى ننجوا بأنفسنا؟ ربما هذا الرهاب الشديد والخوف من الزلل والزيغ عن الطريق من يجعلنا نقع في المساوئ والأخطار، ولو كنا واجهنا الشر بإرادة المؤمن وتقبلنا وجوده فينا وفي الآخرين، بدون حكم عليهم، وبرفق ومحاولة للإصلاح، لما ابتلينا مثلهم، ولو سألنا عن الشر وكيف نتجنبه، لكان خير من أنخاف منه الخوف السلبي الذي يوقعنا فيه،

قال الصحابي الجليل رضي الله عنه: حذيفة ابن اليمان: {كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي}

من فطنته رضي الله عنه، أنه علم وجود الشر لامحالة، شيء طبيعي في الحياة، فاستعد له بطمئنينة وحزم.


التعايش والسلام مع الأنا والآخر


ومن الفطنة أن تتعايش أنت أيضا، وتتقبل نفسك أولا كما أنت، بكل ود وحب، لأنك إن لم تفعل لن تصل لذاتك العليا لتتصل مع الخالق، كيف تكون على وصال مع الخالق بدون حب وتقدير واحترام الأمانة التي كلفت بها، ومحاولة تهذيبها وتصويبها، بالتي هي أحسن، وهي نفسك التي بين جنبيك أولا، ثم تتعايش وتتقبل كل اختلاف، سواء في الطبع أو الأراء، أو الطوائف، أو الملل ونحوه...، لأن هذه هي سنة الله في كونه، كلنا نكمل بعضنا، جئنا لتجربة في هذه الحياة لننمو ونتطور ونعي الدروس، ولو لا وجود الشر ماعرف الخير، ولو لا وجود الضلال ماعرف الهدى، ولو لا وجود الليل ماعرف النهار، الخير فينا والشر كذلك، ونحن مسؤولون عن أي جانب نزكي وبأي جهة نرتقي، قال سبحانه وتعالى:

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا


كلما عملنا على أنفسنا بتقبل الشر الذي فينا أولا كما تقبلنا الخير، وبحثنا عن مواطن الشر فينا وعرفناها، حتى تصبح جلية واضحة كلما سهل التعامل معها، وترويدها شيئا فشيئا، مع التسليم التام للمولى، والإعتراف ببشريتنا، وأن الكمال لله وحده.

وشتان بين براءة وطفولة من هو غافل، ساذج، وبراءة وطفولة من هو صاح وواع متقبل لكل المتناقضات فيه وفي الآخرين، سواء كان خيرا أم شرا. فأنت لست شرا ولست خيرا، ولكنك الخيار الذي بينهما. فكن ما تشاء.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

متالقة ما شاء الله عليك 💛💛

إقرأ المزيد من تدوينات حــــنـــــان مرزاق

تدوينات ذات صلة