"الماء هو سر الحياة التي تسري في النبات والحيوان والإنسان"

لماذا الماء البارد ألذ بقلم د. محمد لبيب 68321036209364424



إذا ناولكَ أحد كوبًا من الماء الدافئ عندما تشعر بالعطش بعد يوم عملٍ طويلٍ وشاق، فعلى الأرجح أنك لن ترغب في تذوّقه، وعلى عكس ذلك يتوق معظم الناس إلى شرب كوب من الماء البارد ليروي عطشهم. ولكن إن وُضع في نفس كوب الماء الدافئ ثلج سيبدو لك أن نكهته قد تغيّرت بالكامل! فما السبب في تغيُّر الذوّق المصاحب لتغيّر درجة حرارة الماء؟

فمنذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها الحياة على كوكبنا، كان الكون كله يعتمد على حيوية الماء. والماء وهو المادة الحية، الأكثر شيوعًا والأقل فهمًا. قد يتحدى القوانين الأساسية للفيزياء، ولكنه يحمل مفاتيح الحياة. يُعرف الماء عند القدماء بأنه جهاز إرسال من وإلى الكائنات الحية، ويحتفظ بالذاكرة وينقل المعلومات إلى الحمض النووي. ومع ذلك، يمكن أن يموت الماء إذا تمت معالجته بشكل سيئ. يمكن أن يتأثر ترتيب جزيئات الماء بعوامل مثل الصوت والأفكار والنية والصلاة، وكذلك بسموم مثل الكلور التي تؤثر على كل ما يتلامس معه كما سوف اذكر بعد قليل من خلال كتاب نال شهرة واسعة.

ونعود للسؤال الشيق في صدر المقال وهو لماذا نشعر أن طعم الماء البارد أفضل من طعم الماء الدافئ؟ فعلي الرغم من أن الماء لا طعم له كحقيقة علمية تعلّمناها منذ الصغر، إلا أننا نشعر أن للماء البارد طعمًا يختلف عن الماء الدافئ! على مر العصور، اعتقدَ الناس أن ما قد يُعطي الماء طعمًا هو المعادن الذائبة فيه، لكن حتى الماء المقطّر النقي لديه نكهة مميّزة. فما المسؤول عن هذه النكهة أو الطعم؟


فمع أن الماء المقطّر لا طعم له فعليًا. مع ذلك، إلا أنه بمجرد فتح الزجاجة، تذوب كميات قليلة من ثاني أكسيد الكربون وغاز الأكسجين في الماء. وعندما تسكب الماء في كوب، فمن المتوقع أنه يختلط مع الشوائب المتواجدة في الزجاج “مهما كانت قليلة في الكمية، وتُغيّر قليلًا من مذاقه. كذلك، فإن شوائب الطعام التي تبقى عالقة باللسان والفم ترتبط هي الأخرى مع جزيئات الماء وتُغيّر من طعمه مع أول رشفة منه، وتُعطي للماء طعم محدد. لذلك قد نجد أن طعم الماء يتغيّر بين كل مرة وأخرى!

وأول ما يتبادر للذهن وراء اختلاف طعم الماء البارد عن الدافئ أنه بسبب أن الجسم عندما يكون متعبًا بعد العمل الشاق، ترتفع درجة حرارته. وفي مثل هذه الحالة، يساعد الماء البارد على خفض درجة حرارة الجسم بسرعة وفعالية، مما يوفر لك شعورًا منعشًا في هذه العملية. ولكن قد تكون هناك أسباب كيميائية.

فقد اتضح أن برودة الماء تحجب فعل بعض العوامل "السيئة" التي تُغيّر من طعم الماء النقي. أما الشوائب التي قد تُعكّر من طعم الماء وتُغيّره يُصبح من الأسهل اكتشافها عندما يكون الماء دافئًا. بمعنى آخر، ارتفاع درجة حرارة الماء يُحفّز تأثير مواد معيّنة على الظهور، في حين يختفي تأثير هذه العوامل في درجات الحرارة المنخفضة., وبالتالي يختلف طعم الماء ويكون أطيب عندما يبرد.

وقد اتضح أيضا أن شكل بلورات الماء تتغير عند اختلاف درجة الحرارة وبالتالي يتغير إحساس براعم التذوق في اللسان للماء. فمن المعروف أن حاسة "التذوّق" نستشعرها عبر اللسان الذي يحتوي علي الآلاف من براعم التذّوق المختلفة، والتي يستشعر كل نوعٍ منها طعم معيّن. وترتبط براعم التذوّق على اللسان بخلايا تقوم بإرسال إشارات إلى الدماغ لتشعر بطعم الأشياء في فمك. ولذلك يُمكن اعتبار "التذوّق" بأنه مزيج من التفاعلات الكيميائية المختلفة التي تتم على اللسان.


وعند استشعار الأطعُمة والسوائل المختلفة، يتم اكتشاف الملوحة عبر استجابة خلايا البراعم الخاصة بتذوّق الملح (مركّب كلوريد الصوديوم) أو أي أملاح مشابهة. وبالمثل يتم استشعار الحموضة عبر تفاعل المستقبلات على براعم تذوق الحموضة مع بعض الأحماض (مثل حمض الستريك أو الخليك). وهنا تبدأ الاستجابة الخلوية السريعة من خلايا براعم التذوق بإطلاق الناقلات العصبية إلى الدماغ، الذي بدوره يُشعرك بالطعم في فمك في هذه العملية الحيوية المعقّدة التي تتم بجزء من الثانية. وبذلك نري الماء وما فيه من أملاح أو معادن أو أي شوائب عالقة وطبيعة شكل بلوراته قد تتسبب في تغير طعمه.


لماذا الماء البارد ألذ بقلم د. محمد لبيب 5234132374764444


وقد نال الماء اهتمام العديد من العلماء في العالم. ففي ثلاث كتب شيقة جدا عن الماء وتأثيره على الحياة عموما وعلى الإنسان خاصة قام العالم الياباني الشهير ماسارو إيموتو Masaru Emoto بشرح كيمياء الماء ومدي جمال بلوراته ومدي تغيرها بالأمواج الصوتية التي يتعرض لها.


والعالم ماسارو إيموتو هو باحث ياباني مشهور عالميًا اكتسب شهرة عالمية. تخرج من قسم العلوم الإنسانية والعلوم بجامعة يوكوهاما، وحصل على شهادة دكتوراه في الطب البديل من الجامعة الدولية المفتوحة. وقد كانت كتبه الأكثر مبيعًا في أمريكا، والتي تم نُشرها بأربع وعشرين لغة. وعنوان الكتاب الأول "الشفاء ببلورات الماء: الموسيقى والصور لاستعادة صحتك" Water Crystal Healing: Music and Images to Restore Your Well-Being والذي تم نشره في 17 أكتوبر 2006.


لماذا الماء البارد ألذ بقلم د. محمد لبيب 16857627264245156


وقد ذكر د. إيموتو في هذا الكتاب علي سبيل المثال أنه اكتشف سبب فوائد بعض الموسيقى العلاجية الكلاسيكية والتي لجأ الناس اليها منذ قرون لآثارها المهدئة والمريحة. فقد وجد أنه يمكن للموسيقى ذات الإيقاع والنغمة واللحن المناسب أن تصحح الترددات المشوهة داخل خلايانا، مما يساعد على صحتنا وشفاءنا وذلك من خلال حث الماء علي تكوين بلورات بشكل معين.


وقد قدم د. إيموتو هذه النتائج من خلال مجموعة فريدة من أبحاثه عن علاقة الماء بالاختلالات الجسدية والعاطفية الشائعة. وشملت الفوائد المحتملة انخفاض آلام المفاصل والظهر. تحسين وظيفة الجهاز العصبي والدورة الدموية واللمفاوية والجهاز المناعي؛ والتخلص من المشاعر السلبية مثل القلق والشفقة على (جلد) الذات والاكتئاب. إن الجمع بين الصور والكلمات والموسيقى في هذا الكتاب الفريد يركز الوعي بشكل لم يسبق له مثيل، مما يوفر تجربة فريدة للشفاء. ولذلك شكلت هذه الأبحاث لدكتور إيموتو وعيًا جديدًا لكيفية التأثير الإيجابي للماء على الأرض وصحتنا الشخصية.


ويتحدث الكتاب الثاني "بعنوان قوة الشفاء من الماء" The Healing Power of Water والذي تم نشره له 1 سبتمبر 2008 والكتاب الثالث بعنوان "اسرار الماء الخفية – The Hidden Secrete of Water - والذي تم نشره في 5 يوليو 2011 – والذي كان الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز، عن الرسالة الخفية في الماء.


فقد اكتشف د. إيموتو باستخدام التصوير الفوتوغرافي عالي السرعة أن البلورات المتكونة في الماء المتجمد تتغير عندما يتم توجيه أفكار محددة ومركزة تجاهها. كما وجد أن المياه من الينابيع الصافية والمياه التي تعرضت لكلمات المحبة أظهرت أشكال هندسية من بلورة ثلجية لامعة ومعقدة وملونة.


وفي المقابل، أظهرت المياه الملوثة، أو المياه المعرضة لأنماط سلبية، تشكيلات غير مكتملة وغير متناظرة وظهرت بألوان باهتة. وهكذا يشرح العالم الياباني د. إيموتو كيف يمكن لأفكارنا وكلماتنا ومشاعرنا أن تؤثر على جزيئات الماء بشكل إيجابي على الأرض وعلي صحتنا الشخصية.


وسبحان الله .... فالماء يعتبر من أهم المواد التي يحتاج إليها الجسم للحفاظ على الصحة، خاصة وأن نسبة ما تحويه أجسامنا من الماء يقدر بين 60 - 70 %، لأنه يمثل أهم العناصر الأساسية لبناء الخلية وللتفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الخلايا. ولذلك فإن نقص الماء يؤثر في العمليات الحيوية للجسم، حتى قبل أن يشعر المرء بالعطش، حيث يشعر بانخفاض مستوى التركيز وضعف قدرة جهاز المناعة على مقاومة المرض والإحساس بالخمول ما يجعلنا أكثر عرضة للإجهاد.


والإنسان يحتاج عادة إلى ثلاث ليترات من الماء يوميا لكي يقوم جسمه وعقله بالأداء الصحيح، وفي أشهر الصيف عندما يكون الطقس حارا وجافا ينبغي زيادة هذه الكمية لأن نقص الماء يجعل المرء أكثر عرضة لخطر السموم، إذ يحتاج الكبد والكليتان إلى كمية كبيرة منه لطرح السموم اليومية الناجمة عن الكافيين، والوجبات السريعة والعقاقير والمواد الأخرى التي تضاف للطعام من اجل النكهة، أو اللون. والماء ضروري أيضا للجهاز الهضمي، ولذلك فإن نقصه يؤدي إلى الإمساك والصداع والتهاب المفاصل وتهيج الأمعاء وفي الوقت نفسه يصبح الجلد أكثر عرضة للتجاعيد.


وسبحان الله العلي القدير الذي ذكره في كتابه العزيز بلفظ الماء ثلاثاً وستين مرة، وبلفظ الغيث، والمطر، والوابل. وقد جاء لفظ الماء في القرآن لمعنيين، بمعني المطر، كقوله تعالى (فأنزلنا من السماء ماء)، وبمعنى النطفة كقوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا) الفرقان: 54.


والماء أيضا من جند الله. فمن قدرة الله تعالى أنه ينجي ويهلك بالسبب الواحد وفي آن واحد، فقد نجّا الله نوحاً في السفينة على الماء وأهلك به قومه، ونجّا الله موسى بالماء وأهلك به فرعون، وأنزل الله الماء على رسولنا صلى الله عليه وسلم فكان ثباتاً لأقدام المؤمنين في معركة بدر، ووحلاً وطيناً على مشركي قريش في مقابلهم، (ولله جنود السماوات والأرض). والبيان القرآني يخصص المطر بالعذاب، وأما مطر الرحمة فلا يذكر إلا بلفظ الماء، قال تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم اذى من مطر) فعبر بالمطر لأنه أذى. وأما الرحمة فكقوله تعالى (أنزل من السماء ماء) أو تسميته غيثا خاصة بعد الجفاف لأن به غيث الناس المضطرين كما ذكره الله تعالى في كتابه في ثلاثة مواضع: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) لقمان: 34. (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته) الشورى: 28. (كمثلِ غيثٍ أَعجبَ الكفارَ نباتُه) الحديد: 20. وأما الوابل فهو المطر الشديد، كما قال تعالى: (فإن لم يصبها وابل فطل).


وقد شبه الله تعالي الدنيا بالماء. فقد ضرب الله مثل الحياة الدنيا فيقول (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) يونس: 24. وهذا النوع من التشبيه هو تشبيه تمثيلي. والمعنى هنا أن الدنيا مثلها في سرعة ذهابها مثل ما على الأرض من أنواع النبات في زوال رونقه وذهاب بهجته بعد أن كان غضاً مخضراً طرياً قد تعانقت أغصانه المتمايلة وزهت أوراقه المتصافحة. وقد يكون التشبيه الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقى على حال واحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة، كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يَدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعاً منبتاً، وإذا جاوز المقدار كان ضاراً مهلكاً، وكذلك الدنيا، الكفافُ منها ينفع وفضولها يضر.


وقد شبه الله أيضا الذين يدعون من دون الله شركاء بأنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فقد ضرب الله في ذلك مثلاً (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) الرعد: 14. فالذي يشعر بشدة العطش يمد يده إلى الماء ويجعلهما مبسوطتين ناشراً أصابعه فلا يستقر الماء عليهما، فلا تنال كفاه من الماء الغزير شيئاً ويظل ظمآن.


وقد اختبر سيدنا طالوت جنوده بماء النهر {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} أي عندما خرج إلى مكان إقامة الجيش بدأ في مباشرة أولى مهماته كملك، حيث أراد أن يختبرهم، لأن منهم رجال من كانوا قد وقفوا ضد تعيينه ملكاً عليهم ، لذلك أراد أن يدخل الحكم على أرض صلبة. فقال لهم عن الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ}.


وهكذا أوضح لهم طالوت أنهم مقبلون على مهمة في سبيل الله، وهو سبحانه الذي سيجري عليكم الاختبار، وليس هو لأن الاختبار يكون على قدر المهمة؛ هو مشرف فقط على تنفيذ هذا الأمر الإلاهي ، فالله مبتليهم بنهر من يشرب منه فليس منا إلا من اغترف غرفة بيده. ولكن الكثير منهم يا للأسف فشلوا في الاختبار.


سبحان الله العلي العظيم الذي جعل من الماء كل شيء حي وخلق الحيوان من الماء "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ" وخلق الانسان من طين هو من تراب وماء.

فلعلنا نهتم الماء ونقدر قيمته واهميته في زمن أصبح الماء سلاح عبر الدول والقارات.

مع خالص تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة