نص كتب برواية قطرة الماء لنعي أهمية الماء في الحياة



مُنْذُ الأًزَلِ وَ قَديمِ الزَمانِ وُجِدْتُ عَلى الأَرْضِ , ظَنَنْتُ أَنَني مِثلُ البَشَرِ أَنْمو وَ أَكْبُرُ مِثْلًهُمْ لَكن أَدْرَكْتُ بَعدْها أَنّي أَساسُ الحَياةِ, فَبِدُوني لا تَصْلُحُ حَياةُ الإِنْسانِ.

أَنا شَيءٌ نادِرٌ خُلِقْتُ قَبْلَ أًنْ يُخْلًقَ البَشَرُ لِأُغَذيهِمْ وَ أُكَبِرَهُمْ, بِي تَقومُ الحَياةُ وَ تَصْلُحُ, وَأَنا سَبَبُ نُهوضِ الأُمَمِ وَ الحَضاراتِ وَ اسْتِمْرارِ الحَياةِ. فَيالِيْتَ البَشَرَ يَعْتَبِرونَ مِنْ هَذهِ النِعَمةِ التي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِمْ بِها , فَالإِنْسانُ يُمْكِن أَنْ يَبْقى مِنْ دُونِ غِذاءٍ لَكِنَهُ لا يُمْكِنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ شُرْبِ الماءِ وَ إِلاّ فَسَيَموتُ من العَطَش.


مُعاناةٌ شَديدةٌ فِي الحَياةِ . فَالواحِدُ مِنّا لا يَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جاءَ وَ لا إِلى أَيْنَ سَيَذْهب , نَبْذُلُ كُلَّ هَذِهِ الصِّعابِ لِنُغَذِيَ كائِناتِ الأَرْضِ حَتى تَتَمَكَنَّ مِنْ النُّمُوِ لِاستِمْرارِ الحَياةِ . وَلَكِنَّهُمْ لا يُقَدِرُونَ هَذِهِ النِّعْمَةِ .أَنا لا أَظْهَرُ كَواحِدَةٌ بَلْ أَظْهَرُ مَعْ أَشْباهِي كَكُلٍ , فَأَنا أَتَجَمْعُ مَعْ مَثيلاتِي لِنُشَكِلَ مُسَطًحاً مائِياً , وَ لَكِنْ أَحَدُ أَعْدائِنَا وَ هِي الشَمْسُ تَأتِي لِتُفَرِقَنَا عَنْ بَعْضِنا , فَتُحَوِلُنَا إِلى بُخَارٍ يَنْتَثِرُ فِي الجَوِ وَ يَتَلاشَى , بعدهَا تَظْهَرُ قُوَتُنَا لِنَعُودَ وَ نَظْهَرَ مَعَاً بِصُورَةِ غَيْمةٍ تَتَحَرَكُ مِنْ مَكانٍ لِآخَرٍ . نَحْنُ اعتَدْنَا على السُيولَةِ فَلا يُمْكِنُنَا العَيْشَ كَبُخارٍ فِي الجَوِ لِذَلِكَ نَعودُ لِنَسْقُطَ كَقَطَراتٍ مُتَتابِعَةٍ عَلى سَطْحِ الأَرْضِ , مِنَّا مَنْ يَتَسَرَبُ تَحْتَ الأَرْضِ وَ يُحْصَرُ فِي خَزاناتِ المِياهِ الجَوْفِيَةِ وَمِنَّا مَنْ يَجْري بِسُرْعَةً لِيَذْهَبَ لِأُمِهِ أَلاَّ وَ هِي البَحَرُ أو أَباه المُحيط .نَعِيشُ مَعْ بَقِيَةِ الكَائِناتِ الحَيَةِ فِي فُصولٍ أَرْبَعَةٍ ,نُعَانِي فِي فَصْلٍ يُفَرِقُنَا عَنْ بَعْضِنَا البَعْض, يُشَتِتُنا , يَلْفِظُ بِنَا إِلى المَصيرِ المَجْهولِ أَلاَّ وَ هُوَ الصَّيْفُ . وَ مُقابِلُ ذَلِكَ نَفْرَحُ فِي الشِتاءِ الذِي يُعِيدُنا وَ يُجَمِعُنا مِنْ حَيْثُ جِئْنَا.


اللهُ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الأَرْضَ اعْتَرَفَ بِفَضْلي عَلى الخَلْقِ , بِقَوْلِهِ فِي كِتابِ التَّحْكِيمِ : (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ), وَ كَذلِكَ سَيِدُ الخَلْقِ نَبِيُّنَا مُحَمَدٌ - صَلًّى اللهَ عَلَيْهِ وَ سَلَمْ – النًّبِي الأُمِّيِّ دَعَا لِعَدَمِ الإِسْرافِ بِنَا . حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ - :(لَا تُسْرِفْ بِالماءِ لَوْ كُنْتَ عَلى نَهْرٍ جَارٍ). انْظُرْ إِلى مَنْ يَسْتَخْدِمُني لِحَاجَتِهِ , يَشْرَبُ , يَسْقِي النَّباتَ وَ الزَّرْعَ , وَ يُنَظِفُ مَنْزِلَهُ بقَطَراتِ المِياهِ , فَلَقَدْ استَفادَ مِنْ نُمُوِ النَّباتِ لِتَكُنْ غِذَاءَاً لَهُ , فَهَلْ سَيَنْمُو النَّباتُ دُونَ الماءِ , وَ هَلْ سَتَنْمُو أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسانَ بِدُونِ النَّباتِ؟ لِذلِكَ أَنَا أَساسُ نُمُوِكَ وَ نُمُوِ كُلِّ مَا حَوْلَكَ .مِنْ أَهَمِ أَعْمالِيَ أَنْ أُحَارِبَ الجَراثِيمَ وَ الفِطْرِياتِ وَ الأَوْساخَ المَوجُودَةُ فِي الجَوِ لِأُوَفِرَ لَكَ أَيُّها الإِنْسانُ طَهارَةً وَ نَظافَةً لِلْعَيْشِ بَعِيدَاً عَنْ الأًوْبِئَةِ وَ الأَمْراضِ.أَيْضَاً أَيُها الإِنْسانُ يَجِبُ أَنْ تَشْكُرَنِي على مَا أُقًدِمُهُ لَكَ لِأُحَافِظَ عَلى صِحَتِكَ , فَأَنَا أَمْنَحُكَ الحَيَوِيَةَ لِتَتَمَكَنَّ مِنَ القِيامِ بِأَنْشِطَتِكَ الحَياتِيَةِ اليَومِيَةِ , وَ أُخَلِصُّكَ مِنَ السُّمومِ وَ الرًّواسِبِ وَ أَحْميْكَ مِنَ الجَفافِ الّذي قَدْ يُؤَدي إِلى الوَفَاةِ .وَ فِي النِهايَةِ , أَيُّها الإِنْسانُ , حَافِظْ عَليًّ , لا لِرَغْبَتِي في الْحِفاظِ على كَيْنونَتِي وَ وُجودِي بَلْ لِأَنِّي أُدْرِكُ أَنَّكَ لا تَسْتَطيعُ العَيْشَ بِدونِي, فَأَنا نِعْمَةٌ لا أَتَكَرَرُ لِذَلِكَ حَافِظْ عَليَّ مِنَ الفُقْدانِ , فَإِذا أَسْرَفْتَ فِي اسْتِعمالِي سَتَفْقِدُنِي إِلى الأَبَدِ .


كتابة : نور غانم

نور غانم

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نور غانم

تدوينات ذات صلة