إن الثورة الصناعية الرابعة هي البيئة المتطورة المستوحاة من اندماج العوالم الرقمية والبيولوجية والفيزيائية

بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للتكنولوجيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والتقنيات اللاسلكية المتقدمة والمركبات ذاتية القيادة. وهي تطوير "للثورة الصناعية الثالثة" التي تسمى أحيانًا بالثورة الرقمية، والتي اعتمدت على تطوير أجهزة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات التي ظهرت منذ منتصف القرن العشرين. لقد جاءتا هاتين الثورتين بعد "الثورة الصناعية الأولى"، التي كانت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتضمنت تحولًا من المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية، نتيجة لاختراع المحرك البخاري والتطورات التكنولوجية الأخرى في ذلك العصر. ثم جاء عصر التكنولوجيا التالي "الثورة الصناعية الثانية"، وكان مدفوعًا باختراع الكهرباء وشمل التوسع في الصناعات والإنتاج الضخم بالإضافة إلى التطورات التكنولوجية. ولقد اشارت بحوث عديدة إلى ان الثورة الصناعية الرابعة سوف تحول الدول التي تمتلك أدواتها أو تستطيع الاستفادة من تقنياتها إلى دول متقدمة.

فمثلا تستخدم تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة في محاربة الفقر ولخلق فرص عمل جديدة، فيمكن أن يؤدي انتشار التقنيات الرقمية إلى تمكين الفقراء من الوصول إلى المعلومات، وفرص العمل، والخدمات التي تحسن مستوى معيشتهم. فيمكن لتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبلوكتشين تعزيز فرص جمع البيانات وتحليلها لاستراتيجيات أكثر استهدافًا وفعالية للحد من الفقر. لقد شهدنا بالفعل القوة التحويلية للخدمات المالية الرسمية من خلال الهواتف المحمولة، مثل خدمة "M-Pesa"، والتي هي خدمة تحويل الأموال وتوفير التمويل الأصغر القائمة على الهواتف المحمولة، والتي أطلقتها شركة فودافون في عام 2007م في كينيا وتنزانيا. وقد توسعت منذ ذلك الحين إلى أفغانستان وجنوب أفريقيا، والهند، ورومانيا، وألبانيا. وتسمح هذه الخدمة للمستخدمين بالإيداع والسحب وتحويل الأموال ودفع ثمن السلع والخدمات بسهولة باستخدام جهاز المحمول. وبالتالي تتيح هذه الخدمات المالية للأسر الادخار في أدوات آمنة لتوسيع قاعدة أصولها. أيضًا تتيح تكنولوجيا البلوكتشين التحقق الفعال من سجلات الممتلكات والمعاملات للأفراد والشركات، وتوسيع نطاق الوصول إلى الائتمان في بعض القطاعات غير الرسمية في الاقتصاد التقليدي. مما يؤدي إلى تقليل الاحتيال وبالتالي تكلفة المخاطرة. في الواقع، فإن الثورة الصناعية الرابعة تغير الان بشكل جذري أنظمة العمل والإنتاج العالمية، ويتطلب من الباحثين عن عمل تنمية المهارات والقدرات اللازمة للتكيف بسرعة مع احتياجات الشركات التي سوف تعتمد على التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة.

وفي مجال الزراعة توفر الثورة الصناعية الرابعة فرصة الاستفادة من الإمكانات الكاملة للقطاع الزراعي لأي دولة، فهي توفر -مثلا- المعلومات المتعلقة بالأسعار التنافسية لمحاصيلهم، ونصائح الوقاية النباتات من الأمراض، فمثلا تقدم شركة "فارمر لاين" "Farmerline" وهي شركة برمجيات اجتماعية مهمتها تحويل ملايين المزارعين إلى رواد أعمال ناجحين. فهي تربط المزارعين بالأسواق وجهات التمويل وتوفر لهم توقعات الطقس ونصائح الزراعة الجديدة وخدمات المعدات، كما إنها تقدم خدمة إرسال الرسائل النصية القصيرة والرسائل الصوتية حول التنبؤات الجوية وأسعار السوق والتقنيات الزراعية الجديدة والتطبيقات الكيميائية الزراعية والتمويل إلى الهواتف المحمولة للمزارعين باللغات المحلية. وأيضا يستطيع المزارعين من خلال هواتفهم المحمولة الاتصال بالأسواق العالمية وشراء المستلزمات الزراعية. لقد تأسست "فارمر لاين" في غانا وتعمل الآن في الكاميرون وملاوي ونيجيريا وسيراليون، حيث وصلت إلى 200000 مزارع، في حين يستخدم رواد الأعمال والشركات الناشئة في المكسيك وبيرو "إنترنت الأشياء" لمساعدة المزارعين على تحسين الإنتاجية وتقليل النفايات من خلال تقنيات "الزراعة الدقيقة" التي تعتمد على البيانات.

وفي مجال الصحة يمكن أن تساعد تقنية الثورة الصناعية الرابعة في تخفيف التهديدات الصحية وبناء أنظمة رعاية صحية مستدامة. فقد أصبحت تكنولوجيا الأجهزة المحمولة منبرًا لتحسين البيانات الطبية وتقديم الخدمات، مثل نظام "mTrac” الذي يستدم للإبلاغ عن مخزون الأدوية. وبرنامج "SMS for Life"، الذي يعمل على تقليل نقص الأدوية في مرافق الرعاية الصحية عن طريق استخدام الهواتف المحمولة لتتبع وإدارة مستويات المخزون من الأدوية الأساسية. أيضا استخدام الطائرات المسيرة في عمليات نقل الدم إلى المناطق النائية. كما عملت التكنولوجيا على تحسين الاستجابة للكوارث: فمثلا أثناء تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014م، أصبح WhatsApp وسيلة سهلة لنشر المعلومات وفحص الأعراض، كما يتم تطبيق الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء في تشخيص سرطان عنق الرحم وغيره من العيوب بشكل صحيح في دول عديدة كالهند.

بالتالي من الواضح أن الثورة الصناعية الرابعة تقدم فرصًا كبيرة وكذلك تحديات للدول النامية. وتتمثل القضية الرئيسية في كيفية وضع الاستراتيجية والسياسات للاستفادة من تكنولوجيات هذه الثورة مع إدارة التحديات التي تطرحها واتخاذ خطوات حاسمة لسد الفجوات في المهارات الرقمية والبنية التحتية والبحث والتطوير، لتحقيق أقصى استفادة منها، لامتلاك نمو مستدام وشامل.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة