سكب القليل من القهوة على ثيابك، وقوع إناء وانكساره من غير قصد، هل هذه حوادث عادية أم أنها علامات جالبة للحظ الجيد؟


ما هو الحظ وهل له وجود أصلًا؟


بداية لنتفق بأن الحظ ليس خاصية ملموسة كالكتلة أو الطول، ولكنه تعبير عن كيفية سير الأمور بطريقة جيدة.


فماذا نعني ب"سير الأمور بطريقة جيدة"؟ على سبيل المثال طفل عربي نجا من قصف مميت دون أن يصاب بأذى "عمليّ" وعاش بعدها حياة طويلة، هذا الطفل نجا من تجربة مروعة، مما يجعله محظوظًا، أو ربما علينا القول أن حقيقة حدوث أمر سيئ كهذا له يجعله غير محظوظ على الإطلاق؟!


كما ترى هنا من المرجح بالنسبة للمتفائلين أن يروا تجارب الآخرين على أنها محظوظة، بينما يركز المتشائمون على سوء الحظ في نفس المجموعة من الحقائق، وهذا يعني أننا محظوظون فقط بقدر ما نعتقد.

يقول أستاذ الفلسفة في جامعة بلومزبيرج "ستيفن هيلز" : "قد لا يكون الحظ صفة حقيقية للعالم على الإطلاق، الحكم على الحظ هو مسألة منظور".


في بعض المواقف قد تكون محظوظًا لأنك لا تزال على قيد الحياة، نظرًا لأن الجميع قد ماتوا.

وقد نجد أنفسنا نقول عن شخص قطعت كلتا ساقيه: إنه محظوظ!



زيادة مقدار الحظ السعيد في العالم


قضى عالم النفس التجريبي البروفيسور ريتشارد وايزمان من جامعة هيرتفوردشاير بإنجلترا عقدًا من الزمن في دراسة "عامل الحظ"، حيث درس دور الحظ في حياة الناس وتحدث عن حيل لزيادة مقدار الحظ السعيد في العالم:


1. تعظيم الفرص


هل تعاني من مشكلة نقص الفرص؟ أو ربما تكون المشكلة الحقيقية هي قلة انتباهك وخوفك من المخاطرة؟


في إحدى الدراسات طلب ريتشارد وايزمان من أشخاص قالوا إنهم محظوظون وغير محظوظين قراءة صحيفة، وفي منتصف إحدى الصفحات كتب بأحرف كبيرة: "أخبر المجرب أنك رأيت هذا وفزت بـ 250 جنيهًا إسترلينيًا." كتب وايزمان أن الأشخاص الغير محظوظين يظهرون مزيدًا من القلق مما ينقص من قدرتهم على الملاحظة.

في حين أن الأشخاص الذين قالوا إنهم محظوظون كانوا أكثر عرضة لمشاهدة الإعلان، وتم تحديدهم على أنهم محظوظين وحصلوا على المال، ثم استمروا بالشعور أنهم محظوظون وفقًا لتقاريرهم الخاصة.


يفترض وايزمان أن الشعور بسوء الحظ يخلق الخوف والقلق، وهذا بدوره يجعلنا أقل احتمالًا لرؤية الفرص. الأشخاص المحظوظون هم أولئك الذين يبقون أعينهم وعقولهم وقلوبهم مفتوحة لكل الفرص.


ولكن لا يزال بإمكانك زيادة فرصك من خلال التأثير على الصدفة، من أجل رفع احتمالات الحظ باستخدام التقنيات التالية:

تغيير الروتين اليومي عن طريق اتخاذ طرق مختلفة إلى نفس المكان أو تناول الطعام في مطاعم مختلفة، أو

مقابلة أشخاص مختلفين من بيئات مختلفة، كل هذه الأشياء توسع حدود حياتك العادية وتوفر مساحة أكبر للفرص الجديدة.


2. الاستماع إلى الحدس


يستمع الأشخاص المحظوظون دائمًا إلى الإشارات التي ترسلها أجسادهم وعقولهم، ويتعلمون كيفية قراءتها بشكل صحيح. ومع ذلك فإن غير المحظوظين قلقون للغاية من ملاحظة هذا الشعور الغريزي ويخافون الاعتماد على حدسهم.


كان "ستيفن جوبز" يشعر بالخوف والرعب ولكنه كان يشعر أيضًا أن الأمور ستكون أفضل إذا ترك الدراسة، وتوقف عن حضور الدروس التي لم تكن تروق له، والاستمرار في حضور الدروس التي يحبها ويهتم بها فقط.

بعدها قال "جوبز" أنه لولا قراره القديم بحضور دروس الخط لما عرف العالم ربما أجهزة الحاسوب التي تعرض الخطوط المنظمة التي تحتسب بدقة المسافات المتروكة بين الحروف.

يقول "جوبز": "عندما يتأمل الانسان الماضي يكتشف النقاط التي تواصلت مع بعضها لتكون مستقبله، لكن عليه أن يثق في شيء ما لتحفيزه لمواصلة مشواره مثل شعوره الداخلي..."، ويرى "جوبز" أن هذه الطريقة في التفكير لم تخذله يوماً وهي التي صنعت الفارق الكبير في حياته.


3. توقع حظا سعيدا.


في عام 2010 كان أداء لاعبي الجولف الذين قيل لهم إنهم يستخدمون "كرة الحظ" أفضل بكثير من أولئك الذين قيل لهم إن الكرة كانت "نفس الكرة التي استخدمها أي شخص آخر حتى الآن".


كان أداء الأشخاص الخاضعين للاختبار أفضل عندما سُمح لهم بالتمسك بـ "سحر الحظ"، افترض الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم "سحر الحظ" بجانبهم استمروا في المشاكل لفترة أطول لأنهم شعروا بمزيد من الفعالية، كما لو أنهم حصلوا على مساعدة من قوة أخرى.



4. تحويل الحظ السيئ إلى جيد.


تركت مظلتك في المنزل في يوم ممطر؟ إنها اللحظة المثالية للرقص تحت المطر.

أنت تعيس الحظ لأنك كنت على وشك الاصدام بسيارة أخرى؟ أنت محظوظ لأنك نجوت من حادث مريع.


تلقى "جوبز" صدمة هائلة وهو في الثلاثين من عمره وهي فصله من الشركة التي أسسها شخصيًا "آبل" وذلك بعد عام واحد فقط من إطلاق أقوى إصدارات الشركة حينها وهو "الماكنتوش".

ظل الشعور بالإحباط مسيطراً على "جوبز" لعدة أشهر، وكان يشعر بالخجل الشديد من الجميع لدرجة أنه فكر في مغادرة المنطقة.


لكنه اكتشف في وقت لاحق من حياته أن طرده من "آبل" كان أفضل شيء حدث له في حياته على الإطلاق، فقد تحول "عبء الشعور بالنجاح" إلى "تجربة أكثر تحررًا من الأعباء للبدء من جديد"، وقد جعله ذلك أكثر استعدادًا للمجازفة، فبدأ أكثر مراحل حياته ابداعًا ابتكارًا، فأسس "جوبز" عدداً من الشركات الناجحة مثل "نيكست" و"بيكسار" التي حققت نجاحاً باهراً في مجال الرسوم المتحركة التي يتم إنتاجها عن طريق الكمبيوتر.

ثم استحوذت "آبل" على "نيكست"، فعاد "جوبز" مديرًا لـ "آبل" من جديد، وتعد التكنولوجيا التي طورتها "نيكست" جوهر الازدهار التقني الذي تشهده صناعة الآيباد والآيفون.

أكد "جوبز" أنه كان يحتاج إلى صدمة طرده من "آبل" ليحقق كل هذا الابداع!


لماذا يجب أن تحاول؟


عندما درس ريتشارد وايزمان ظاهرة الحظ أثبت أن الناس لا يولدون محظوظين أو سيّئي الحظ، وفقًا لورقته البحثية "The Luck Factor"، فإن الحظ السعيد ليس نوعًا من السحر - بل إنه في الغالب سلوكك.


الأداء الاستثنائي سواء أكان جيدا أو سيئا لا يعكس دائمًا القدرات بصورة دقيقة، لنفترض أنك قمت بامتحان معين 5 أو 12 مرة، بعض الدرجات عالية والبعض الآخر متدنية، فالنتائج تتأثر بالأحداث المصادفة التي لا يتوقعها أحد، مثل: عدم الحصول على نوم كافي، أو حل اختبار تعرف جميع أجوبته، فالأشخاص الذين يؤدون أداءً متميزًا عادة ما ينقص أداؤهم المرة المقبلة، ولكن المعدل هو ما يعكس قدرتك الحقيقية


الناجحون الحقيقيون في العالم لم ينجحوا بالصدفة أو ضربة الحظ، إذا قمت بإعداد طاولة البلياردو وطلبت منك التسديد يمكننا اكتشاف ما إذا كانت تسديدتك حظًا أم مهارة من خلال القيام بذلك عدة مرات: قد تكون محظوظًا مرتين، لكن من غير المحتمل أن تكون محظوظًا عشر مرات متتالية.


القليل من الحظ ليس كافيًا ما لم تعمل بجد على اقتناصه! والأحداث غير المحتملة تصبح مضمونة تقريبا إذا أعطيت الوقت الكافي.

تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة