يقول جون نيشم مؤلف كتاب" High Tech Start Up" إن الصبر هو خصلة المبتكرين ورواد الأعمال الناجحين،

وأنا أؤكد أنه لا يستطيع المبتكر أوالريادي وأي أنسان أن ينجح بدون الصبر على البحث والتجربة وانتظار النتائج وتحمل معوقات تقديم شيء جديد للمجتمع وتحمل أعداء النجاح والنقد السلبي له ولفكرته ولعمله. فلن تجد في صفحات كتب التاريخ وقصص الناجحين من حولك قصة نجاح لشخصية (سواء ذكر أو أنثى) إلا وكانت حياته صعبة، ولن تجد قصة شخصية عاشت حياة سهلة وفعلت شيئا يستحق الذكر.

إن طريق النجاح لا يكون أبدا سهلاً وميسراً ومفروشاً بالورود، فالذين حققوا إنجازات باهرة في حياتهم، وخلد التاريخ أسماءهم، قد تجرعوا مرارة الفشل وصبروا على الاذى طويلاً قبل أن يحققوا هذه النجاحات، فالنجاح الحقيقي الدائم لايأتي عادة إلا بعد صراع مرير مع الفشل، وفي الحقيقة إن ظروف الفاشل هي التي تصنع له النجاح، وأن النجاح الحقيقي لا يولد إلا من رحم الفشل. فمثلا لخص "إبراهام لنكولن" الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية عام 1860م -عندما بلغ الثامنة والخمسين من عمره- تجربته في النجاح والفشل بمقولة أعجبتني جدا فقد قال:" كنت فاشلا في أي عمل يسند إلي، حتي تجاوزت الأربعين عاما، وعندما سألني أحدهم عن سر نجاحي الذي جاء متأخرا بعد فشلي أكثر من عشر مرات في انتخابات مختلفة، قلت له : لقد علمني والدي كيف أعمل ولكنه لم يعلمني كيف أحب العمل، و كيف أصبر لكي أتعلم و أحقق هدفي، ولقد تعلمت الصبر وحب ما أعمل بعدما تجاوزت السابعة والاربعين من عمري لذلك نجحت". وهذا "توماس أديسون" مكتشف الكهرباء يفشل أكثر من مئات المرات وينتقد من معظم المجتمع، بل ويتهم بالجنون والشعوذة، بل أنه كان يسمى في مدرسته بالمغفل وكان أساتذته يقولون له أنه لن يستطيع أن ينجح في أي شيء، لكنه صبر ولم يلتفت إلا لحلمه الى أن وصل إلى نجاح أبهر العالم أجمع. "ووالت ديزني" الذي كان محرراً لإحدى الجرائد، وطرد منها بسبب ضعف الأفكار التي يقدمها، وعدم قدرته على الابداع، ولكنه صبر وأصر على تحقيق حلمه وعلى أن ينجح، حتي أنه لأجل حلمه أفلس خمس مرات قبل أن يفكر في عمل أكبر مدينة ألعاب في العالم، ورغم وضوح خطتة لتنفيذ المدينة، إلا إنه فشل في الحصول على التمويل الازم لبناء المدينة أكثر من ثلاثمائة مره، لأن جميع البنوك اعتقدت أنه مجنون، ولكنه حاول ولم ييأس أكثر من مرة إلى أن نجح، وقام ببناء مدينة ديزني لاند، وبصبره على المعوقات واستمراره في العمل حصل على العديد من الجوائز والتكريمات، لعل من أهمها جوائز الاوسكار -التي تعتبر أهم وأرقى جوائز تقدم للجدارة الفنية والتقنية في مجال صناعة السينما- التي فاز بها أكثر من عشرين مرة، وترشح لأكثر من سبعة وثلاثين جائزة أوسكار أخرى، وبالإضافة إلى هذا فقد حصل على ثلاث جوائز فخرية للأوسكار، هذا كله بعد أن كان في نظر الكثيرين فاشلاً!

وغيرهم الكثير ممن صبروا وحاولوا ولم ييأسوا وركزوا فقط على تطوير وبناء أنفسهم، وكان جميعهم محركهم الأساسي للنجاح والابتكار هو التفكير الإيجابي. فالمتفائل يرى النتائج أمام عينه ويتضح درب تحقيقها في مخيلته، ويسعى نحو تحقيقها ويرى أن الصبر على المعوقات والاذى هو الثمن الاساسي للنجاح. يقول "روبيرت نويس" أحد مؤسسي شركة "انتل"، والمؤثرين في بدايات تكوين وادي السليكون الأمريكي "التفاؤل عنصر أساسي في الابتكار".

إن جميع الاديان السماوية ركزت في بناء الفرد والمجتمع على الصبر والتفاؤل كأهم أحد لبنات بناء الانسان، فمثلا في الصبر قال تعالى: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ"، وقال تعالى: "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏"، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة كل البشرية على مدى العصور في القدرة على التحلي بالصبر على الأذى. وعن التفاؤل قال تعالى في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بى إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله"، ورغم ذلك أجد الكثير مننا لا يصبر ومتشائم، وأحيانا كثيرة لا يسعى لتحقيق حلمه أو حتى لتطوير نفسه بحجة أن الحياة والظروف حوله -التي هي في معظم الوقت نتاج أعماله وافكاره- صعبة!

نعم الحياة صعبة، ونعم هناك قوم خلقوا لتعطيل مصالح الناس وايذائهم، ونعم هناك من يكون هدفه تحطيم أي ناجح، أو عرقلته، او تشويه صورته، أو تعبه وعمله لتدميره نفسيا، ونعم هناك مفسدين لا يريدون إلا مصلحتهم ومصلحة من يتبعهم. لكنك إنسان كرمك الله بالعقل ومنحك كل القدرات والصفات التي تجعلك ناجح، بل وعبقري، فجميع البشر بلا استثناء يولدون عباقرة وهذه حقيقة أكدتها معظم البحوث العالمية التي درست سلوك الاطفال، والتي أكدت ان جميع الاطفال يولدون عباقرة، وان سمات العبقرية ممكن أن تختفي نتيجة البيئة التي ينمو فيها الطفل وطريقة تتعامل بها اسرته معه. ولكنك، حتى لو ولدت في بيئة لم تساعدك على اكتشاف موهبتك وعبقريتك فيمكنك ان تكون عبقري وأن تبدأ الان مهما كان سنك، فقط عليك أن تبذل المزيد من الجهد مع الصبر والتفاؤل، ولا تنس أن العبقرية في الأصل عبارة عن 99 % جهد، و1% إلهام كما أكد جميع من نجحوا!!!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة