"الكتاب أوفي صديق وأصدق معلم، ونور على الطريق، والقراءة هي الطريق من العقل إلي القلب ذهابا وايابا"
منذ عدة شهور– وعلى غير عادتي اليومية أو على الأقل الأسبوعية – اكتشفت أني لم اقرأ كتب أو مقالات أو روايات لغيري بسبب انشغالي الشديد بأمور العمل. ولكني ومنذ أسبوع ولحسن الحظ، شعرت بملل تجاه كل ما أقوم به من أعمال وظيفية، أو علمية، أو ثقافية، أو أدبية. حينئذ، قررت أن أعود للقراءة وهي من أفضل الطقوس لدي وأسرعها والتي تأخذني إلى عالم آخر له أزمنته وأمكنته الخاصة التي أختار منها ما ألفته وما يشجني ويرطب عقلي ويرتبه.
وهنا اخترت عشرة كتب كنت أحتفظ بها في ملفاتي الإلكترونية منذ فترة حتى يأتي الوقت لقراءتها. شعرت بشغف وشهية مفتوحة للقراءة خاصة أني أعشق قراءة الكتب في صورتها الورقية لأنها من طقوس تذوق القراءة. وتلك الكتب العشرة هي: تكنولوجيا الحب، بصراحة غير مطلقة، المناعة الفكرية ومقولات أخري، ذكريات في باريس، عصر العلم، المنطق وتاريخ العلم، وتاريخ العلم، نحن والعلم، الحب السائل، مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية.
ومع أني لم أنته من قراءة الفصول الكاملة لهذه الكتب، إلا أن الاستمتاع العقلي والوجداني الذي انتابني، بل وتملكني أثناء قراءتها، جعلني أشعر بالحماس لمشاركتكم ببعض خواطري عن هذه الكتب التي أتمنى أن يقرأها زملائي وطلابي لينالوا ما نلت من تذوق واستمتاع وفائدة لا تقدر.
الكتاب الأول
"تكنولوجيا الحب" لمجموعة من كتاب سوريا
فريق “مئة كاتب وكاتب” الذي انطلق (2018)في دمشق بجهود كوكبة من الشباب المؤسس من عشاق اللغة العربية والإرث الأدبي المتصل بها حيث يعمد الفريق الى اقامة مجموعة دورية من الأنشطة الداعمة للمواهب الصاعدة في مختلف حقول الأدب و تسليحها بأصول اللغة الأم وجمالياتها الآسرة بالإضافة إلى تطوير تجاربها و تقييمها من قبل أسماء وضاءة في حقول الشعر و النثر و اللغة.
تمت كتابته في فترة الحجر الصحي وحظر التجول في سوريا بسبب انتشار جائحة كوفيد، أي أن جميع الكتّاب في هذا العمل لم يلتقوا على أرض الواقع ولم يناقشوا العمل وجها لوجه. كتاب رائع لمجموعة رائعة من الكتاب وسرد أدبي متميز لا تمله وما أن تبدأ قراءته يجذبك عليه جذبا حتى أنك لا تريد أن تتوقف حتى تنهي قراءة حكاياته التي تدور عن تجربة شخصية للمؤلفين في زمن جائحة كورونا وخاصة أن معظم الحكايات يغلفها مشاعر إنسانية ورومانسية ملآنة بالمفاجآت التي يتحكم فيها تكنولوجيا التواصل الاجتماعي ولذلك سمي الكتاب بتكنولوجيا الحب.
وعندما بدأت بقراءة القصة الأولي وجدت نفسي مشدودا ليس فقط لأسلوب السرد الجميل، ولكن أيضا للمحتوي الرائع الذي يأخذك بسلاسة وبتشوق وشغف لمعرفة باقي الأحداث. وما شعرت به أثناء قراءة القصة الأولي شعرت به أيضا وأنا أقرا القصة الثانية حيث تولدت لدي رغبة شديدة في استكمال قراءة باقي الكتاب الذي يمثل كل فصل فيه تجربة إنسانية لكل كاتب من المئة كاتب في زمن كورونا، الزمن الذي كان وباء على الناس. ويكفي أنك عندما تقرأ هذه التجارب الإنسانية الأدبية تشعر بالثناء والشكر أن هذه الفترة قد انتهت علي خير وأنها كانت السبب وراء افراز هذه الأدبيات الإنسانية الراقية.
ولأن فكرة الكتاب والمبادرة السورية "مئة كاتب وكاتب" قد أعجبتني جدا، فقد جعلتني أفكر جديا في مبادرة مصرية بعنوان "مئة كتاب وكتاب". وهذه الكتب العشرة في هذا المقال تمثل بداية هذه المبادرة والتي سوف أبدأها بنفسي من خلال تأليف كتاب بعنوان "مئة كتاب وكتاب".
الكتاب الثاني
"بصراحة غير مطلقة" للدكتور يوسف ادريس
يوسف إدريس (1927-1991)،كاتب قصصي مسرحي، وروائي، مصري، ولد في البيروم مركز فاقوس، محافظة الشرقية. حاز على بكالوريوس الطب عام 1974. أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه. عمل كطبيب بالقصر العيني 1951-1960. حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، ثم صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. قام بأسفار في العالم العربي فيما بين 1956-1960 وفي عام 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر العديد من روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.
يلخص د. يوسف ادريس في هذا الكتاب تجربته الإنسانية الشخصية في فترة 10 سنوات من 1958-1968 كتب فيها حوالي 600 مقال في ظروف نفسية واجتماعية ووظيفية وسياسية وادبية وفنية مختلفة أراد يوسف ادريس فيه أن يضع أمام القراء سواء من جيله أو من أجيال لاحقة أو سابقة — صورة حية لتفاعل الإنسان مع أحداث الحياة العاصفة في الفترة ما بين ١٩٦٨ ،١٩٥٨. الكتاب أسلوبه يخلب العقل لهذا الكاتب الكبير ذو القلم الرشيق المتأنق والمتألق. يأخذك فيه إلى الحارات والشوارع والمدن والبنايات التي مشي فيها ويحكي لك عن انفعالاته النفسية ليس من سبيل الحكايات السلبية، ولكن يأخذك إلى فلسفة الحكاية والغرض منها وكيف أنها من الممكن جدا أن تغير منهجك في الحياة من السالب إلى الموجب فقط بتغير نمطك الفكري من المألوف إلى غير المألوف.
أنصح بقراءة هذا الكتاب الشيق ولسوف تستمع به ايما استمتاع.
الكتاب الثالث
"المناعة الفكرية ومقولات أخري" للكاتب ا.د. عبد الكريم بكار
أستاذا جامعيا وكاتب من أصل سوري ومن المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي. يسعى إلى تقديم طرح مؤصل ومجدد لمختلف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي. حصل على البكالريوس (1973م)، وعلى الماجستير (1975م)، والدكتوراة (1979م) من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعمل أستاذا بجامعات عدة في السعودية. عضو في المجلس التأسيسي للهيئة العالمية للإعلام الاسلامي التابعة لرابطة العالم الاسلامي بالرياض.
الكتاب منشور عن دار وجوه للنشر بالرياض السعودية والذي يبين فيه (في 131 صفحة) وبأسلوب علمي حواري دقيق أهمية التفكير العلمي عندما يتعرض المتخصص للنصوص الدينية سواء كانت آيات كريمات من القرآن الكريم أو أحاديث (وهذا ما يحاكي التفكير العلمي في العلوم الأساسية) وكيفية تطبيق ذلك في الأمور الحياتية (وهو ما يحاكي العلوم التطبيقية).
والذي أثار اعجابي الشديد طرحه لفكرة الربط بين المناعة الفكرية والمناعة البيولوجية لتقريب أهمية المفاهيم للقارئ فانا لدي كتابات كثيرة ومؤلفات عن هذا الرت بين العلوم البيولوجية والأمور الحياتية وكنت قد كتبت مقالا عن المناعة الفكرية منذ سنوات قبل أن أقرأ هذا الكتاب مما أسعدني كثيرا خاصة أن توظيف الربط هنا جاء في العلوم الدينية مما يدل على أهمية نظرية الربط بين المفاهيم البيولوجية والأمور الحياتية الذي انتهجه منذ أكثر من عشرة سنوات.
وما أخذت علي الكاتب هو البدء في الفصل الاول بربط فلسفي رائع بين المناعة والفكر الديني ثم تخليه تماما عن هذا الربط في باقي الفصول. ولو كان قد فعل لكان محتوي الكتاب أكثر اتفاقا مع العنوان، ولكان المحتوي نفسه أكثر تشوقا وجذبا للقارئ المتخصص في العلوم الدينية والعلوم الأساسية.
ورغم أن هذا الكاتب لا يحسب علي تيار محدد ورغم أن كتاباته عليها بعض النقد من البعض, إلا أن الكتاب يستحق القراءة لمعرفة ما يدور في عقول الآخرين خاصة إذا كانوا من المؤثرين. هو بالفعل كتاب رائع ومفيد للقارئ المتخصص في العلوم عامة وعلم المناعة خاصة وكذلك علوم القرآن والسنة والمفكرين والمثقفين بكل اتجاهاتهم ومدارسهم الفكرية والثقافية.
الكتاب الرابع
"ذكريات في باريس" للدكتور زكي مبارك
محمد زكي عبد السلام مبارك (1892 – 1952) هو أديب وشاعر وصحفي وأكاديمي عربي مصري، حصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية فلقبه البعض إثر ذلك بالدكاترة زكي مبارك. درّس في الجامعة المصرية لعدة سن وات وعمل مفتشا عاما للغة العربية ولد زكي مبارك في قرية سنتريس بمحافظة المنوفية في عام 1892، التحق بالأزهر عام 1908 وحصل على شهادة الأهلية عام 1916، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام 1921. أتيح له العمل في الجامعة المصرية، وعمل في الجامعة الأمريكية وعين مفتشاً للمدارس الأجنبية في مصر. أكمل دراساته العليا، وتقدم برساله بعنوان (الأخلاق عند الغزالي) ونال الدكتوراه 1924، وهاجمها بعض العلماء في جريدتي المقطم والأهرام حيث اعتبروها تطاولًا على علامة الإسلام، عُين معيدًا بالجامعة 1925، ثم سافر على نفقته الخاصة إلى باريس والتحق بمدرسة اللغات الشرقية بجامعة السوربون وحصل على الدبلوم منها في 1931، ثم حصل على دكتوراه ثانية عن رسالته (النثر الفني في القرن الرابع الهجري) عام 1937 وعارض أساتذته هناك بما فيهم المشرف عليه وقال جملته المشهورة "جئت لأصحح أغلاط المستشرقين"، عاد من باريس ليبدأ إعداد رسالة الدكتوراه الثالثة بعنوان (التصوف الإسلامي) وحصل عليها من الجامعة المصرية الجديدة في 1937، انتدب في نفس العام لدار المعلمين العليا (كلية التربية) في بغداد بعد أن فُصل من الجامعة.
الكتاب صدر عام ١٩٣١ ثم صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2011. وفي هذا الكتاب يصور د. زكي مبارك ما رآه في مدينة النور من صراع بني الهوى والعقل والهدى والضلال في 52 مقال وفي 228 صفحة. كتاب ينقلك كاتبه في سلسلة من المقالات الجذابة بأسلوب أدبي خلاب، أسلوب تشعر فيه بالسلاسة مرة والمراوغة والظاء وخفة الذل مرات أخري.
كاتب متعدد أسلوب الكتابة والمواضيع من شعر ونشر وسرد ومواضيع من ادب وسياسة، واجتماعيات، ورحلات، ورومانسيات. وكتاب يشعرك بأنك تارة باريسي الأصل وتارة مصري الهوى وباريسي الجنسية وتارة مصري سائح في باريس. مرة قفلة لم يخرج من قريته ومرات رجل جرب كل التجارب الجادة والهزلية. كتاب رائع النصح من يريد ان يعرف باريس والبارزين ان يقرأه دفعة واحدة. ولا اجد خير من الكاتب في مقدمة الكتاب لكي تدرك كم يتمتع هذا الكتاب من ثروات أدبية لا تمل منها ابدا.
قول الكاتب في مقدمة الكتاب (....عرفت باريس وأهل باريس معرفة قلَّما تُ اتصلت بها نحو خمسة أعوام، وإنما كان ذلك لأني وصلت إليها بعد يأس وبعد شوق، َ وكانت كل ز ورٍة (زيارة) تبدو لعيني وكأنها الأولى والأخرى، فكنت أنهب محاسنها في شره ونهم ّ كما يفعل الصب المولع وهو يودع حسناء ستمضي إلى حيث لا يعرف من أقطار الشمال أو الجنوب. ويا طالما ودعت من أسراب الحسان!). وفي الباب الثالث بعنوان إلى باريس يقلل د. زكي مبارك (وجاء صباح السبت الأخرى من يونية، وإذا أنا أمضي بأقدام ثابتة إلى محطة «باب ٍّ الحديد»، وفي انتظاري أصدقاء قلائل جدا ثلاثة أو يزيدون! وغاب عن ذلك اليوم أصدقاء كنت آمل أن أراهم هناك. وهم القطار بالقيام فحسدت المسافرين الآخرين، لأن مودعيهم كانوا من الجنس اللطيف الذي يحسن التوديع، ويقدم إليه أصلح وقود من التقبيل، ثم التلويح بالمناديل البيض! واكتفيت من مودعي الفضلاء بعبارات: فتح الله عليك، وجعلك من الساملين الغانمين! فاللهم تقبل من عبادك الصالحين!).
وأتركك مع هذا الكتاب البديع.
الكتاب الخامس
"نحن والعلم" للدكتور مصطفي مشرفة
علي مصطفى مشرفة باشا (1898 – 1950) هو عالم فيزياء نظرية مصري. من مواليد دمياط. يُلقّب بأينشتاين العرب لأن أبحاثه كانت في نفس المجال ونفس الموضوعات التي كانت أبحاث ألبرت أينشتاين تدور حولها. تخرج في مدرسة المعلمين العليا عام 1917، وحصل علي دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة لندن عام 1923، ثم كان أول مصري يحصل على درجة دكتوراه العلوم من انجلترا من جامعة لندن عام 1924. عُيّن أستاذاً للرياضيات في مدرسة المعلمين العليا ثم للرياضيات التطبيقية في كلية العلوم في عام 1926. مُنح لقب أستاذ من جامعة القاهرة وهو دون الثلاثين من عمره. انتُخب في عام 1936 عميدا لكلية العلوم، فأصبح بذلك أول عميد مصري لها. حصل على لقب الباشوية من الملك فاروق تتلمذ على يده مجموعة من أشهر علماء مصر، ومن بينهم سميرة موسي.
الكتاب تم نشره لأول مرة عام 1945 ثم صدرت نسخة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠١٤. ويتحدث د. مشرفة الذي شرف مصر في الأوساط العلمية حيث كان تلميذ عالم الفيزياء الكبير وصاحب نظرية النسبية التي بنيت عليها اكتشافات ذرية ونووية كبري “اسحاق نيوتن”. يتحدث د. مشرفة في الكتاب عن التأليف العلمي والثقافة العلمية وما يجب نحوهما، توجيه الرأي العام توجيهًا علميٍّا، العلم في خدمة المجتمع، البحث العلمي وتنظيمه، كيف يوجه العلم والعلماء لتحقيق تعاون عالمي.
هذا الكتاب لا تتعدي عدد صافحته 54 صفحة، ولكن عندما تقرأه تشعر وكأنه وثيقة علمية تاريخية تحلل الواقع العلمي آنذاك بتحدياته والحلول العلمية لهذه التحديات. كتاب أسلوبه سلس وممتع للقارئ المتخصص وغير المتخصص المحب للعلوم والغيور عليها.
وقد اعجبي جدا تعريفه للعلم بأسلوب بسيط، ولكن تعريف واعي وشامل وجامع ودقيق "مجموعة من الدراسات لها غرض ثابت ومنهاج واضح ودائرة محددة. فأما عن الغرض فهو الوصول إلى المعرفة، وأما عن المنهاج فإن العلم يُستخدم في بحثه نتائج الخبرة المباشرة عن طريق الحواس كما يستخدم التفكير المنطقي المنظم، وأما عن دائرة العلم فهذه هي الطبيعة أو هي كل ما يمكن أن يشاهَد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ....... والعلم بالمعنى الذي وضحته يسمى في بعض الأحايين بالعلم البحت تمييزًا له عن العلم التطبيقي أو التكنولوجيا، والعلاقة بين العلم البحت والعلم التطبيقي تشبه العلاقة بين العلم والعمل؛ ..... ، فالعلوم التطبيقية إذًا ليست علومًا بالمعنى الصحيح وإنما هي صناعات أو فنون، أو هي كما يسميها الإفرنج تكنولوجيا."
الكتاب ممتع ويستحق القراءة لكل الأكادميين من الطلاب والأساتذة.
الكتاب السادس
"المنطق وتاريخ العلم" للكاتب بول موي وترجمة د. فؤاد زكريا
د. فؤاد حسن زكريا (1927-2010)، من مواليد بور سعيد - هو أكاديمي وأستاذ جامعي بقسم الفلسفة بكلية الآداب - جامعة القاهرة. تخرج عام 1949 ونال الماجستير عام 1952 والدكتوراه عام 1956 في الفلسفة من جامعة عين شمس. عمل أستاذًا رئيسًا لقسم الفلسفة بجامعة عين شمس حتى عام 1974 ثم أستاذًا للفلسفة ورئيسًا لقسمها في جامعة الكويت (1974 - 1991) ترأس تحرير مجلتي «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» في مصر. عمل مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونيسكو بالقاهرة وتولى منصب مستشار تحرير سلسلة عالم المعرفة الكويتية. قدم للمكتبة العربية العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة بالإضافة الي مقالات ودراسات في الصحف والمجلات تتصل بمشاكل فكرية واجتماعية ونقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري. في دراساته وكتاباته الفلسفية يقدم لغة فلسفية رصينة وقدرة فذة علي التحليل والنقد وفهم دقيق للمصطلح الفلسفي.
الكتاب يقع الكتاب في 12 فصل في 235 صفحة. ومع أن ترجمة هذا الكتاب تعد مهمة صعبة للغاية، إلا أن د. فؤاد زكريا نقله إلى العربية بأسلوب رائع تشعر وكان الكتاب قد كتب في الأصل باللغة العربية. فترجمة الكاتب لا تشعرك بغرابة الالفاظ، بل تشعر وكأنك انت الذي الفت هذا الكتاب بكل ما فيه من مواضيع علمية دقيقة وعميقة تأخذك من التعريف بالعلم والمنطق، ثم فلسفة العلم، ثم أنواع العلوم مع التركيز علي العلوم الرياضية الفيزيائية والبيولوجية مع إعطاء امثلة لنتائج بعض العلماء، ولكن من منظور فلسفة العلم.
كتاب رائع تشعر بعد قراءته أنك أصبحت علما حقيقيا أو باحثا مقبلا علي العلم بشهية مفتوحة عن اخرها للبحث العلمي الرصين وبفكر جديد. كتاب لا غني عنه لما يريد ان يكون باحثا من الطراز الرفيع.
الكتاب السابع
"التفكير العلمي" للكاتب الكبير فؤاد زكريا
تم نشر الكتاب لأول مره في عام 1977 (234 صفحة) ضمن سلسلة عالم المعرفة عن الكويت ثم مرة أخري من خلال دار نشر هنداوي عام 2018. والكتاب تحدث التفكير العلمي بصورة عامة سواء للمتخصص وغير المتخصص ثم بالتفصيل عن سمعت التفكير العلمي والعقبات الكبرى التي توجهه ثم المعالم الكبري في طريق العلم والتكنولوجيا. ثم ينتقل الكاتب إلي العلم المعاصر والبعاد الاجتماعية له ثم يختم الكتاب بالحديث عن شخصية العالم. وهذا الكتاب الرائع لا غني عنه للمشتغل بالبحث العلمي سواء مبتدئ أو من وصل إلي اعلي الدرجات العلمية ولا وكانت الأستاذية. بل أني أري أن يدرس هذا الكتاب وكذلك كتاب "المنطق وتاريخ العلم" لنفس الكاتب والذي ترجمه عن المؤلف الأصلي ومعهم كتاب "نحن والعلم" للعالم المصري الكبير مصطفي مشرفة (المذكور أعلاه) لطلاب الدراسات العليا في جميع التخصصات لكي يمهد لهم الطريق الأمثل لدراسة العلوم الأساسية، والتطبيقية، والابتكار، والتكنولوجيا. إن معرفة العقل بهذه الموضوعات يجعل منه قنديلا منيرا يضيء طرق العلم ويبعد عنها حشائش الجدل، والسفسطة، والجهل، والأساطير.
الكتاب الثامن
الحب السائل.. وهشاشة العلاقات الإنسانية للكاتب زيجمونت باومان
ترجمة حجاج أبوجبر وتقديم هبة رؤوف
Liquid Love: On the Frailty of Human Bonds
الكتاب يقع في 205 صفحة ومكون من أربعة فصول الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر الطبعة الاولي 2016. الفصل الأول يتعرض لموضوع الوقوع في الحب والخروج منه والفرق بين الرغبة والحب ووسائل التواصل في الحب السائل والذي أسميه حب الواي فاي. ويدور الفصل الثاني حول دخول العلاقات الاجتماعية والخروج منها وعن الجنس الفرق بينج وبين التكاثر وهل يحل المشاع مشكلات الناس وخاصة الرغبة في الجنس ثم في النهاية عن الاقتصاد الأخلاقي والذي أصبح يبني اقتصاد السوق. ويتحدث الفصل الثالث عن وصية صعبة وهي "أحبب جارك كما تحب نفسك" والذي يبرز حب النفس والكرامة الإنسانية والخوف من الاختلاط وانتقاص الفترة الإنسانية التي جبل الناس عليها. ويدور الفصل الرابع عن تفكيك الاجتماع البشري والذي يبرز قضية العري الجسدي والعري الاجتماعي وإدارة الخوف والحياة عديمة القيمة والانسان المستباح والحلم بوحدة الإنسانية.
أصبحت فكرة الحب السائل مقبولة، بل مفعلة حتى وان كان صاحبها لا يدري ما المقصود بالحب السائل.
والحب السائل هو حب ما بعد عصر وسائل التواصل الاجتماعي وما تبعه من تفككك الروابط الأسرية وروابط القربى والصداقة في زمن أصبحت فيه العلاقات الوهمية أو العلاقات الإلكترونية، أكثر أماناً وأكثر صدقاً من الروابط الحقيقية.
وعن هذا النوع الجديد من الحب يكشف لنا زيجمونت باومان مؤلف كتاب "الحب السائل" ببراعة النقاب عن الوجه الخفي للحياة السائلة ذات العلاقات الإنسانية الهشة التي تميز نمط الروابط في مجتمعاتنا الحديثية.
ولقد كبرت العلاقات على الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على حساب الأشخاص، لكن تبقى ميزة هذه العلاقات الافتراضية كما وصفها أحدهم "يمكنك دائماً أن تضغط زر Delete.
ويرصد كتاب (الحب السائل) مدى هشاشة العلاقات الإنسانية وكيف دمرت ما تتسم به العلاقات الوجدانية من عفوية وتلقائية عاطفية، كما يرصد صيغ البحث عن الفائدة والخيارات الرشيدة. ويرجع باومان الحب السائل لحالة السيولة المطلقة التي نعيشها في هذا العصر، فقد تغيرت تماما المفاهيم القديمة الثابتة التي اعتدنا عليها وكانت تمثل حجر الزاوية والأساس في العلاقات البشرية.
فمفهوم الأسرة الذي كان يعني اللبنة والقيمة المثلي والأساسية للمجتمع التي تتكون من أب وأم وأولاد، قد تغير تماما في عصرنا الحالي. فقد أصبح المفهوم مطاطيا بعد أن تفككت الروابط الأسرية نفسها وعاد البيت وهو الفضاء الذي مارست فيه الأسرة دورها تاريخياً ليس سوي فضاء توجد فيه الكثير من الفواصل بين الأفراد الذين يعيشونه.
وقد دلل باومان على ذلك علي مثال أن الشوق للعودة للمنزل في حالة سفر لا تعني تماماً الشوق للأسرة فقد يذهب الفرد مباشرة لغرفته والتي تصبح كينونة منفردة ضمن الكينونات العديدة.
الكتاب يستحق القراءة لأنه من مؤلف بارع ومتخصص. وإذا كان باومان قد تصدي لظاهرة الحب السائل وما وراءه من تفككك الروابط السرية فعلينا نحن الشعب صاحب التراث والثقافة والعادات والتقاليد الشرقية الاصيلة أن نكون أكثر غيرة منه.
وانا شخصيا أتوقع أن يبدأ العالم في تبني فكرة العودة إلى أصول وعادات وتقاليد الماضي، وانا أتوقع أيضا وللأسف ألا ننتهج هذه الفكرة مثلهم في حالة حدوثها إلا بعد (كعادتنا) أن يكونوا قد قرروا بالفعل هذا النهج اعترافا منهم بفشل التكنولوجيا الحديثة فشلة ذريعا في تأصيل الروابط الإنسانية.
فهل ننتظر حتى يعترف الغرب بفشله ويبدأ في تنفيذ استراتيجيات للعودة إلى القيم والأصول القديمة لكي يشعر الانسان بنفسه ويستعيد انسانيته. أم أني أعيش حلما كبيرة في كابوس الواقع.
الكتاب التاسع
عناقيد النور للكاتب خيري شلبي
المنشور في يناير 2009 عن دار العين للنشر السلسلة: بورتريهات
خيرى أحمد شلبى مواليد قرية شباس عمير، مركز قلين، محافظة كفر الشيخ. رحل في صباح يوم الجمعة 9-9 2011، عن عمر يناهز 73 عاماً. خيري شلبي كاتب وروائي مصري له سبعون كتاباً. كان من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن بالواقعية السحرية، ففي أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل ما يدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع، ولكن القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل معه. حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980- 1981, وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980 – 1981, جائزة أفضل رواية عربية عن رواية "وكالة عطية" 1993, الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب للنفوق عام 2002, جائزة ميدالية نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن رواية "وكالة عطية" 2003, جائزة أفضل كتاب عربى من معرض القاهرة للكتاب عن رواية "صهاريج اللؤلؤ" 2002, جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2005. رشحته مؤسسة "إمباسادورز" الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب. يرأس حاليا تحرير مجلة الشعر (وزارة الإعلام). رئيس تحرير سلسلة: مكتبة الدراسات الشعبية (وزارة الثقافة).
رواية عناقيد النور تأليف خيري شلبي، الكتاب مُفيد جداً، وثري بمعلومات جديدة عن شخصيات كثيرة، خيري شلبي حوّل الوجوه إلى أوطان في لوحات من الكلمات. عناقيد النور وإنها فعلاُ لعناقيد من نور ودرر وجواهر ثمينة. والكتاب يحاول به خيري شلبي رسم 21 حيث إن للبورتريه لدى خيري شلبي منهجية جمالية تبدأ من استكشاف الوجه الإنساني لا كما يظهر، ولكن كما يسكن في المخيلة، لا مخيلة الكاتب وإنما مخيلة الذاكرة الجمعية، استكشاف حضور الشخصية الإنسانية في الوجدان الجمعي، وهي منهجية وإن كانت تستعين ببعض المقتطفات من هنا ومن هناك فإنها مع هذا لا تجاوز وعيها بأن سيرة الحياة والدور الذي لعبته الشخصية وفكرها وآثارها ليس بالأساس مما يدخل في فن البورتريه المعنى أساسا ـ كما يقول خيري شلبي ـ برسم الوجوه طبقا لجماليتها الخاصة.
وأنا شخصيا قد استفدت من أسلوب الكاتب وقمت بتوظيف هذا الأسلوب الأدبي الفني الرفيع في رسم سمات بعض الشخصيات التي أعرفها. ووجدت بالفعل أن هذا الأسلوب فعال جدا في رسم حدود ومعالم الشخصية وكأن الكاتب يتحول إلي طبيب نفسي وفنان يغوص بعمق داخل الشخصية ويخرج من ملامح الوجه في البورتريه كل ما فيها. وقد نجحت بالفعل في استخدام هذا الأسلوب البديع مع وصف سمات بعض الشخصيات.
وقد ذكرني هذا أسلوب هذا الكتاب بما تقوم به المحاكم في أمريكا في استعداء فنان ليرسم وجه المتهم في القضية. وكنت أتساءل دائما لماذا يفعلون ذلك، فلديهم ألف صورة للمتهم. ولكني بعد قراءة هذا الكتاب أدركت لماذا يفعلون ذلك. فالفنان ليس الهدف من رسم اللوحة أن يرسم ملامح الوجه، ولكن ليستخلص سمات الشخصية ونفسيتها، تماما كما فعل خيري شلبي وحلل نفسية 21 شخصية من المشاهير. بالفعل كتاب يستحق القراءة.
الكتاب العاشر
مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية للكاتب عبد الله محمد العنان المنشور من الهيئة المصرية العامة للكتاب
محمد عبد الله عنان، أحد أشهر المؤرخين المعاصرين، ولد في يوليه 1896م، بقرية بشلا مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية شمال مصر. حفظ القران الكريم مبكراً، وحصل على شهادة الحقوق سنة 1914م.عمل محامياً وانخرط في الحياة الوطنية السياسية والحزبية، وكان أحد أشهر الكتاب المرموقين. رحل في يناير 1986. قضايا التاريخ الكبرى. تراجم إسلامية. ابن خلدون حياته وتراثه الفكري. تاريخ الجامع الأزهر. تراجم إسلامية شرقية واندلسية. المذاهب الاجتماعية الحديثة. الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية. مواقف حاسمة في التاريخ الإسلامي. دولة الإسلام في الأندلس (موسوعة ضخمة من ثمانية أجزاء) وهي من أشهر كتبه استغرق انجازها نحو 25 سنة.
يدخل كتاب مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية في بؤرة اهتمام الباحثين والأساتذة المنشغلين بالدراسات والبحوث التاريخية؛ حيث يقع كتاب مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية ضمن نطاق تخصص علوم التاريخ والفروع قريبة الصلة من الجغرافيا والآثار والتاريخ الاجتماعي وغيرها من التخصصات الاجتماعية. تاريخ النشر يناير 1931 (184 صفحة) من دار الكتب والوثائق القومية. وطبعة مكتبة الاسرة تقترب من 300 صفحة تقريبا، تتركز أغلبها على التاريخ في فترات العصور الوسطى و بدايات الحكم العربي في مصر، والجزء الأخير عن الآداب في مصر في هذه الفترات.
وقد أعجبني كثيرا سرده لفترة حكم ابن طولون وكيف كانت الأساطيل حينذاك وكم كانت المحروسة مقر استهداف لكل الغزاة ومقبرة للحكام من كل جنس. يخبرك عنان بمخطوطات لم تسمع عنها من قبل كمخطوطات المقريزي وما فيا من عجب عن مساحة القاهرة او عدد سكانها
وفي النهاية، أري أن هذه الكتب والتي أقدمها كمجرد أمثلة لبعض الكتب ما بين العلمي، والأدبي، والعلمي المتأدب، والديني والمتوفرة مجانا على الانترنت، قد تحقق قراءتها هي وغيرها بعض من تكليف الله لنا بالقراءة والمعرفة والعلم. وإذا كانت القراءة تكليف إلاهي لعباده عموما، فهي تكليف خاص للعلماء ليزدادوا علما ومعرفة بأمور دينهم ودنياهم وليكنوا قادرين على التأليف لأنفسهم وللآخرين، فمن لا يقرأ تجف منابع أفكاره ويكون انتاجه هش هزيل. وفي هذا الصدد كنت قد نشرت مقالين عن أهمية القراءة قبل الكتابة في تشكيل العقل والوجدان.
فلنحقق أمر الله الأول للإنسان المؤمن وهي القراءة فهي طريق القلب إلي العقل ونور العقل نحو السماء.
مع خالص تحياتي
ا.د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة بكلية العلوم جامعة طنطا
كاتب وروائي مصري
وعضو اتحاد كتاب مصر
التعليقات