"الصلاة هي تلك اللحظة التي تتعري فيها النفس من الحياة لتقف بين يدي الله لتتحدث كل الخلايا في سكون وصمت ومهابة وحب وهيام مع الله"



دائما ما أسأل نفسي لماذا شرعت الصلاة بهذه المواصفات في كل ركعة. تكبير مع وضع الكفين علي الصدر ثم الركوع مرة واحدة مع وضع الكفين علي الركبتين ثم السجود مرتين ووضع الكفين والركبتين علي الأرض. وتسائلت كثيرا وتعددت الإجابات في نفسي دون الوصول الي إجابة واحدة تشفي الحاجة إلي مفهوم نفسي بعيدا عن التفسيرات الفيزيائية في التعبد لله.


ورغم ان التدبر والتفكر في خلق الله من جماد وحي يحتاج إلي عيون مفتوحة وآذان واعية وشفاة تتكلم أو تهمس لكي يري ويسمع الانسان مخلوقات الله ويتمتم بذكر الله علانية أو بينه وبين نفسه، إلا ان التسبيح والتكبير في الصلاة لا يحتاج إلي بصر وسمع وشفاة بل يحتاج إلي بصيرة واعية والنفس قد وقفت في معية الله. فما أجمل التسبيح في الصلاة بقلب خاشع وكل الجوارح صامتة ساكنة في التكبير والركوع والسجود والقيام.


واليوم وفي لحظات قصيرة في صلاة الفجر والتي كانت وكأنها سنوات العمر الجميلة جائتني إجابة قد ترد علي سؤالي من مفهومي الشخصي والذي تولد لدي في تلك اللحظات الملهمة. شعرت وأنا أقرأ الفاتحة وكأن الذنوب تهجر كل خلايا جسدي وتتجمع لتصب في أوردتي لتتركز في جبهتي وفي كفي علي صدري. ثم شعرت وأنا في ركوعي وكأن باقي الذنوب تتجمع من كل أوردتي لتتركز في كفي وركبتاي. ثم تملكني الشعور وأنا في سجدتي الأولي وكأن الذنوب التي تجمعت في جبهتي و كفاي وركبتاي تنساب إلي موقع سجدتي ، ثم شعرت وأنا في السجدة الثانية وكأن كل ما علق من بقايا الذنوب التي لم يسعها الوقت لتنساب في السجدة الأولي تقتلع من جذورها من نفسي لتتركني وأنا ساجدا بين يدي الله نقيا وبلا ذنوب .


وهكذا جال بخاطري لماذا نضع الكفين علي الصدر ثم علي الركبتين في الركوع، ثم نضع الكفين والركبتين علي الأرض في كل سجدة. إنه الشعور الذي إنتابني لأتدبر لماذا شرعت الصلاة بهذا الأداء الجسدي المقصود لتلامس أطراف العبد الأرض وتتصل بسطحها مرتين في كل ركعة وكأنها تسمح لمباه الذنوب بالتجمع ثم الإنسياب إلي خارج النفس.


إنه الإحساس الذي قد ينتاب القلب والجسد في لحظة ما عندما يكون فيها العبد أقرب ما يكون إلي الله، ويكون الله أقرب إلي العبد من حبل الوريد. وليس هناك أجمل وأروع من هذه اللحظات وإن كانت قليل.


فاللهم قربنا إليك وأوصلنا إلي فضلك وأخرج الذنوب منا ونقنا منها كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأجعل الصلاة لنا وصلا وطريقا إليك .


ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

وكاتب واديب وعضو اتحاد كتاب مصر



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة