"وكما النقصان في الرزق أو العمل قد يكون ابتلاء واختبار من الله فكذلك قد تكون الزيادة في المال أو الجاه أو السلطان"


كلٍ خلق لما هو ميسر له. والخلق هنا جسدي ومعنوي ، أي الجوارح والعقل. والتيسير، والله أعلم، هنا للأعمال الجسدية والنفسية. وخلق الله في كل منا مفتاح لنجاح الشخصية علمه من علمه فطوره وأصله أو أهمله. ومنا من لا يدري بهذا المفتاح ويحتاج لمن يهديه إليه لكي يطوره نفسه ذاتيا أو تحت تأثير الآخر. ومفتاح الشخصية هو الذي يجعل من أحدنا مميزا في عمله أو متفردا أو مرض شخصا عاديا.


وكما في العمل ، خلقنا الله ولكل منا رزقه أيا كان عمله. ولأن الرزق مقرون إلي حد كبير بطبيعة ونوع العمل ، فعادة ما يسند إلينا العمل الذي فيه مقدار رزقنا أو العكس لتكون محصلة الرزق هي ما قُدر لنا. ولأن كل ما يمنح لنا رزق ، فما علينا إلا العمل ليس فقط برضاء ولكن أيضا باقتناع. حينئذ لن نقرن إخلاصنا واجتهادنا في العمل بمقدار رزقنا وإلا يكون موقفنا الاعتراض علي القدر.


وإذا نظرنا حولنا فسوف نجد مساحات وفروقات شاسعة في الرزق المادي والمعنوي بين الخلق. فهل زيادة الرزق تعكس زيادة حب الخالق لشخص ما عن الاخرين والعكس صحيح. هذا بالطبع لا يعلمه إلا الله, ولكن قد تكون الزيادة في الرزق أو العمل ابتلاء واختبار كما هو أيضا للنقصان في الرزق الذي قد يصل إلي حد الحاجة والفقر. وإذا أسلمنا بهذا ، نجد أن الحياة كلها بحلوها ومرها ما هي إلا ابتلاء واختبار من ينجح فيه يفوز بالحياة الأبدية.


والاختبار هنا قد يكون من خلال أسئلة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق اختيارات أو تكملة أو صح وخطأ مع ذكر السبب وهكذا. فالاختبار ليس نوعا واحدا من الأسئلة بل هو خليط يحرث أغوار النفس ليخرج كل ما فيها. وبالطبع لا يفرض الامتحان علي الانسان مرة واحدة بل علي مراحل وفترات مختلفة في عمره لكي يتناسب مع ما استقر في نفسه من مكتسبات مادية كانت أو معنوية.


ومن وجهة نظري الشخصية المتواضعة أن الحل الأمثل لمساعدة الذات في التغلب علي التفاوت في الرزق المادي هو صلاح النفس واستقرارها عندما ترضي بما هو بين يديها من رزق شريطة أن تعمل بجد واجتهاد وإخلاص.


وهذا الصلاح النفسي هو الرزق الحقيقي الذي يستطيع بسهولة ويسر أن يقنع النفس المتسائلة عن أسباب التفاوت المادي من مال وبنون وجاه وسلطان ويحصنها من الاستسلام لشيطانها للحد من العمل وإتقانه وقصره علي مقدار الرزق المادي.


ومن هنا يأتي تعمير الأرض بالرضا والقناعة جنبا إلي جنب، فالرضا بـالرزق هو الطريق الذي يأخذنا إلي الحياة الأبدية التي نتمناها.


مع خالص تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة