"أنا أقرأ إذا أنا موجود وقادر علي التطور والإبداع".



"إذا كنت تقرأ، فلا تقرأ هذا المقال"


القراءة من أكبر النعم التي أنعم الله بها على الإنسان. ويكفي أن أول سورة في القرآن الكريم كانت قاطعة في أمر الرسول بالقراءة. فالقراءة تحتاج إلى إعمال العقل وأحيانا إلي احساس القلب ومعهم حاسة السمع والإبصار وفوقهم وتحتهم نعمة البصيرة.


وليس كل من يكتب بقارئ واع. فاذا كان من السهولة أن تتعلم الكتابة، فمن الصعوبة أن تدرك ما تقرأه. ولكي تبدع في الكتابة لا بد لك من القراءة المتنوعة لكي تزداد معلوماتك من خلال التعرض لخبرات الآخرين. فمن يكتب بلا قراءة، فهو يكتب لنفسه. ومن يكتب عن قراءة فهو يكتب للآخرين قبل نفسه. وأستطيع القول أن كل قارئ جيد هو كاتب ممتاز، وكل قارئ ضعيف هو كانب فاشل.


وللأسف الشديد أثرت تكنولوجيا الانترنت تأثيرا سلبيا على عمق القراءة ومصادرها في بيئتنا العربية على وجه العموم. فقد أصبح لدي قناعة كبيرة بوجود فارق كبير بين القراءة ما قبل وما بعد الانترنت والفيسبوك سواء القارئ الغير متخصص على وجه العموم أو القارئ المتخصص على وجه الخصوص.


· ما قبل الإنترنت، كانت القراءة شائعة وعميقة. وما بعد، أصبحت القراءة أكثر شيوعا وسطحية. ما قبل، كانت القراءة تساعد في تشكيل فطرة العقل والوجدان وتطورها في تؤدة وعمق. أما بعد، فالقراءة تساعد على تشويش وعشوائية الوجدان.


· ما قبل الإنترنت، كانت مصادر القراءة تعتمد على المعلومة الرصينة هي الكتب والمراجع التي عكف المؤلفون عليها شهورا يخرجوا بمؤلف واحد رصين. أما بعد، فمصادر القراءة تعتمد على البوستات والاخبار السطحية القصيرة التي لا يعلم أحد مصدرها ولا صحتها ولا الغرض منها.


· ما قبل الإنترنت، كانت القراءة كالرجل الرشيد، أما بعد، أصبحت القراءة كالطفل الذي يلهو بين الكتب الملونة والمصورة ولكن بلا هدف أو رصيد.


· ما قبل الانترنت، كان الباحث يلهث بين المراجع لكي يقرأها ويفهما ويدركها ثم يصب ما فهمه في بحثه أو رسالته العلمية ماجستير كانت أم دكتوراه. يكتب بعقله وليس بأنامله. أما ما بعد الانترنت.


ومن أكثر المهم التي تحتاج قراءة يومية بلا انقطاع، هي مهنة البحث العلمي. فمن لا يقرأ الأبحاث والكتب المنشورة أولا بأول، فهو ليس بباحث أصيل. العلم ينمو ويتطور بسرعة هائلة، علم ينتفع به وليس علوم للترقية أو اثبات الذات. فإن لم يقرا المشتغل بالبحث العلمي أبحاث جديدة كل اسبوع، فهو ليس بباحث. وإن الباحث العلمي إن لم يقرأ بعمق فكيف له أن يدعي إلمامه بالتطور في تخصصه.


فما الاحظه عند الغالبية، أن الباحث لا يقرأ ليكتب بل يبحث ليكتب. يبحث في المواقع الالكترونية العلمية ثم يقص ويلصق ما وجده في ملفه دون وعي أو تدقيق. بل كل ما يفعله هو تغيير واحلال بعض الكلمات حتى لا يقع تحت طائلة الانتحال العلمي، الأمر الذي أسميه "تستيف علمي" والذي بالطبع يغيب عنه الابتكار والإبداع.


إذا كان عامة الناس لا يقرأون من المصادر والمراجع الرصينة، فالباحث العلمي لا بد له أن يقرأ ويستوعب ويفهم ويبتكر ويبدع. القراءة للباحث العلمي ليست رفاهية، بل وجنوبية.


وحتى لا يلومنني أحد على ما أقول، فليسأل كل منا نفسه كم قرأت من الأبحاث وفصول الكتب هذا الأسبوع، بل هذا الشهر. الإجابة متروكة لكل منا فهي الترمومتر الحقيقي للمعرفة.


وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقول، إذا كانت القراءة ما قبل الانترنت صعبة المنال إلا انها كانت عفيه، أما ما بعد الانترنت فقد أصبحت سهلة المنال ولكنها رزية.


وهذا للأسف ما أشعر به. فلا خير في قوم لا يقرأون.

د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

وكاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة